باريس- “القدس العربي”:
قالت صحيفة ليبراسيون الفرنسية إن دونالد ترامب قد وعد بالسلام، لكن من الواضح أن الحرب تتصاعد في كل مكان بالشرق الأوسط. فقد انهار وقف إطلاق النار على مذبح انتهازية بنيامين نتنياهو، الذي حصل على ضوء أخضر من الرئيس الأمريكي، حيث أكد ديفيد منسير، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، أن “استئناف القتال العنيف تم بالتنسيق التام مع واشنطن”.
استعدت إسرائيل لاستئناف هجومها على غزة منذ حوالي عشرة أيام، وفقًا لما كشفه وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، يوم الثلاثاء. وأكد على منصة “إكس” أن “الهجوم سيكون تدريجيا ومختلفا تماما عن العمليات السابقة”، مشيرا إلى أن التخطيط بدأ مع تولي رئيس الأركان الجديد، إيال زامير، مهامه، تُشير صحيفة ليبراسيون.
أطلقت إسرائيل عدة إشارات تحذيرية قبل هجوم الثلاثاء، من بينها قطع إمدادات الكهرباء بالكامل عن غزة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك فرق المنظمات الطبية الدولية، وإغلاق معبر رفح أمام الجرحى والمرضى الذين يتم إجلاؤهم إلى مصر. جاءت هذه التحضيرات بينما كانت المفاوضات جارية في قطر ومصر بشأن استمرار وقف إطلاق النار. وكانت إسرائيل قد أعلنت يوم الأحد عن إرسال مفاوضين إلى مصر لمناقشة قضية الأسرى.
كان وقف إطلاق النار مهددا منذ 2 مارس/ آذار الجاري، وهو تاريخ انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة. دخلت الهدنة حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني، عشية تنصيب دونالد ترامب، بعد أشهر من المفاوضات، وأسفرت عن إطلاق سراح 33 إسرائيليا و5 تايلانديين مقابل الإفراج عن 2000 فلسطيني معتقلين في السجون الإسرائيلية.
المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار نصّت على الإفراج عن باقي الأسرى مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وكان من المفترض أن تؤدي إلى مرحلة نهائية تتضمن التفاوض على خطة لإعادة إعمار القطاع الفلسطيني تحت إشراف دولي. لكن الحكومة الإسرائيلية أعادت النظر في هذه الشروط، ورفضت الانسحاب طالما استمرت القدرات العسكرية والإدارية لحركة حماس، تُشير ليبراسيون.
بدعم من إدارة ترامب، طالبت إسرائيل بالإفراج عن جميع الأسرى دون مقابل، مهددة باستئناف القصف على غزة. ووفقا لمكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد تم اتخاذ قرار استئناف الضربات بعد “رفض حماس المتكرر إطلاق سراح المحتجزين لديها ورفض مقترحات المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف”. وأكد البيت الأبيض على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي بريان هيوز، أنه تم إبلاغه مسبقا بالهجوم، قائلا في الوقت نفسه: “كان بإمكان حماس إطلاق سراح الرهائن لتمديد وقف إطلاق النار، لكنها اختارت الرفض والحرب”.
في خطاب متلفز مساء الثلاثاء، حذّر نتنياهو من أن الضربات على غزة “مجرد بداية”، مشيرا إلى أن المفاوضات حول تحرير الأسرى “ستجري الآن تحت النار”. وأكد سموتريتش أن الهدف من الهجوم الجديد هو “تدمير حماس وتحرير جميع الأسرى”، وهو نفس الهدف الذي تم تحديده منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023، بعد 17 شهرا و50 ألف قتيل.
ومضت صحيفة ليبراسيون متسائلة: “هل يعتقد ترامب بصدق أن سلاما دائما يمكن أن ينتج عن تصريح بالقتل مُنح لنتنياهو في غزة لتحقيق أهداف حرب أصبحت غامضة وغير واضحة، لاسيما بعد مقتل العديد من قادة حماس دون القضاء فعليا على الحركة؟”.
بالنسبة لوزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، فإن “استئناف الهجمات كان الطريقة الوحيدة لاستعادة الرهائن”، توضح الصحيفة الفرنسية، مُشيرة إلى أنه من بين 251 شخصا اختُطفوا خلال هجوم 7 أكتوبر، يُعتقد أن 24 منهم ما زالوا على قيد الحياة في غزة (بينما أعلن الجيش الإسرائيلي عن وفاة 34 آخرين). فكيف يمكن أن يساعد “التفاوض تحت النار”، كما أعلن نتنياهو في إنقاذهم؟
وتابعت الصحيفة القول إنه أصبح من الشائع أن قضية الرهائن لم تكن أولوية مطلقا لرئيس الوزراء الإسرائيلي، موضحة أن نتنياهو بعد أن وجد نفسه في موقف ضعيف بسبب الهجوم الذي قدمه على أنه تهديد وجودي للدولة، لم يرَ أي خيار بعد 7 أكتوبر سوى الرد الانتقامي. لكن بعد مرور عام ونصف وسقوط عشرات الآلاف من الضحايا، ما الذي يمكن أن يبرر كسر الهدنة بهذه الطريقة المستهترة تقريبا؟ فهل هو تكتيك سياسي ومظلم في ظل مواجهة نتنياهو لمشاكل متعددة وتمرد داخلي؟ تتساءل صحيفة ليبراسيون دائماً.
إذا لم يكن على إسرائيل مسؤولية بدء هذه الحلقة من الموت من منظور تاريخي، فإنها اليوم تتحمل مسؤولية كسر اتفاق وقف إطلاق النار الهش، الذي استمر بصعوبة منذ 19 يناير/ كانون الثاني، والذي رغم كل أوجه القصور فيه، سمح بالإفراج عن بعض الرهائن ومنح سكان غزة بصيص أمل، تقول الصحيفة الفرنسية.
أدى القصف يوم الثلاثاء، الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 400 شخص وفقًا لوزارة الصحة التابعة لحركة حماس، إلى تفاقم الأزمة الإنسانية العميقة التي تعصف بالقطاع منذ الأسابيع الأولى من الحرب: المستشفيات مكتظة، والجرحى مدفونون تحت الأنقاض، والأدوية والمعدات الطبية شحيحة، توضح ليبراسيون، مشيرة إلى ما صرح به مدير مستشفى الشفاء لقناة الجزيرة: “لا يوجد أي مرفق صحي يمكنه التعامل مع هذا التدفق الهائل من الجرحى.. نسمع صرخات الأشخاص العالقين تحت الأنقاض، ولا يمكننا إخراجهم”.
في إسرائيل، تعيش عائلات الرهائن حالة من اليأس بينما يحتفل اليمين المتطرف، فبالنسبة للأغلبية الساحقة من عائلات الرهائن الإسرائيليين، فإن استئناف الحرب في غزة يزيد من تلاشي الأمل في عودة ذويهم الذين لم يروهم منذ أكثر من 500 يوم.
وفي وقت مبكر من الصباح، وبينما كانت شريكته تعبر عن استيائها في البرلمان، ظهرت معلومة مقلقة، وإن كانت غير مؤكدة بعد، في عدة مجموعات واتساب لصحافيين من غزة وفقا لمسؤول في حماس نقلاً عن قناة تلفزيونية محلية، فقد قُتل أسير إسرائيلي خلال القصف الذي نفذته قوات بلاده، تُشير الصحيفة الفرنسية.