ليبيا: النائب العام يدلي بتصريح شديد اللهجة يفتقد سلطة الجماعات المسلحة والإفلات من العقاب

 نسرين سليمان
حجم الخط
0

طرابلس ـ «القدس العربي»: بينما تطالب المنظمات الدولية بشكل متكرر بإنهاء أزمة الإفلات من العقاب المتكرر في ليبيا، وبينما تحاول النيابة العامة تنفيذ الأحكام المتأخرة في حق المتهمين بارتكاب جرائم في البلاد، أدلى النائب العام بتصريح صريح وشديد اللهجة يشير إلى خروج مؤسسات التأهيل والإصلاح في الدولة من تحت قبضتهم ومؤكداً أن بعضاً ممن حكم عليهم بأحكام متعددة تولوا مناصب دون تنفيذ الأحكام حتى.
حيث قال النائب العام الصديق الصور إن مؤسسات التأهيل والإصلاح في الغالب خاضعة للميليشيات، لافتاً إلى أن كل مؤسسة منها محسوبة على جهة.
وأضاف الصور، خلال لقائه أعضاء النيابة العامة الجدد الأربعاء، أن الأجهزة التي تضطلع بمهام استيفاء الأدلة باتت غير فاعلة وغير قادرة أو خائفة ومرتعبة، لأن القضية فيها أطراف ذوو نفوذ أو محسوبون على أجهزة موازية أو مجموعات مسلحة.
وأشار كذلك إلى أن النيابة تعاني عدم تنفيذ العديد من الأحكام القضائية الصادرة ضد آلاف المتهمين، مضيفاً أن محامي عام طرابلس مسجل لديه 56 ألف محكوم لم تُنفذ ضدهم الأحكام.
وأشار النائب العام إلى أن بعض المحكوم عليهم يترقون في وظائف، موضحاً أنه في العام 2009 تقررت محاكمة شرطي في قضية اختلاس، وعلى الرغم من صدور حكم عليه في العام 2010، فإنه ترقى حتى أصبح الآن برتبة لواء في وزارة الداخلية.
وأوضح الصديق الصور أن النيابة تبين لها أن الكثير من العناصر في الأجهزة الأمنية عليها أحكام، معتبراً أن ذلك الوضع تحسن الآن، قائلاً: “لقد نجحنا في إيجاد منظومة للردع اللازم، وإيصال رسالة ضمنية بأن الجرائم لا تسقط بالتقادم، فمهما طال الزمن أو قصر فمن حكم عليه قبل 15 عاماً، ولم ينفذ الحكم، سيودع السجن الآن”. لكنه أشار إلى تنفيذ أكثر من 18 ألف حكم، مضيفاً: “هذه الأحكام لم تكن تطبق حتى قبل العام 2011، قبل ثورة فبراير”، في حين تحدث النائب العام عن صعوبة القبض على المحكومين بسبب تردي الأوضاع الأمنية والمجموعات المسلحة، متابعاً: “نعمل على الآليات الأخرى، مثل وقف الراتب والأحوال المدنية وفق ما حكم به القضاء، والنتيجة أنهم بدأوا يأتون بأنفسهم، ويسلمون أنفسهم بكامل إرادتهم. إذن القضاء قادر، والآن هناك هيبة للنيابة العامة بعدما خلقنا الردع المطلوب”.
وفي بيان مشترك في آذار/ مارس الماضي، أكد الرؤساء المشاركون لمجموعة العمل المعنية بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان – وهم هولندا وسويسرا وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عقب اجتماعهم مع المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي – على التزامهم الراسخ بحقوق الإنسان والعدالة والمحاسبة وفقاً للقانون الدولي، باعتبارها ركائز أساسية لتحقيق السلام المستدام والمصالحة في ليبيا.
وقال الرؤساء المشاركون: “ندعم بشكل كامل عمل المحكمة الجنائية الدولية، مؤكدين مجدداً أهمية التحقيق في الجرائم الفظيعة المرتكبة في ليبيا ومقاضاة مرتكبيها”.
وتابعوا: “يجب أن يظل السعي إلى تحقيق العدالة مستقلاً ونزيهاً وخالياً من التدخلات السياسية من خلال تفويض المحكمة الجنائية الدولية في ليبيا، الذي منحه إياها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، القرار 1970”.
وأضاف الرؤساء المشاركون: “نثمن جهود المحكمة الجنائية الدولية لضمان محاسبة موثوقة ومركزة على الضحايا على المستويين الدولي والوطني”.
وشددوا على أن العدالة يجب أن تظل للضحايا والناجين في صميم المرحلة الانتقالية التي تمر بها ليبيا، ولا يمكن أن يكون الإفلات من العقاب على الجرائم الدولية خياراً مطروحاً.
وحثّوا جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على التعاون الكامل مع المحكمة، تماشياً مع إحالة مجلس الأمن، بما في ذلك ضمان الوصول الكامل لمحققي المحكمة الجنائية الدولية، وتنفيذ أوامر الاعتقال، وتعزيز الأطر القانونية المحلية للمحاسبة.
وسبق وأن انتقدت منظمة العفو الدولية استمرار الإفلات من العقاب ونقص التعويضات الكافية عن الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها جماعة “الكانيات” المسلحة في ترهونة جنوب شرق العاصمة الليبية طرابلس.
ووصفت المنظمة حكم الجماعة، التي كانت تعمل تحت إمرة “القوات المسلحة العربية الليبية” التي يقودها الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، بـ”الإرهاب وانعدام الرحمة”، وبأنه “شمل ارتكاب قتل جماعي غير مشروع، وشمل أيضاً تعذيباً، واختفاء قسرياً”.
وأشارت المنظمة إلى أن جماعة الكانيات كانت “تختطف وتقتل جميع الرجال في الأسرة بشكل غير مشروع. ثم، تحت تهديد السلاح، تأمر بقية أفراد أسرهم الممتدة بمغادرة ترهونة، في ممارسة مسيئة ترقى إلى مستوى التهجير القسري. وبعد ذلك تستولي الجماعة على جميع ممتلكاتهم وأصولهم”.
وقالت إنه بعد أكثر من 4 سنوات على طرد جماعة الكانيات من مدينة ترهونة، تاركة خلفها مقابر جماعية، “لا تزال العدالة والتعويضات الكافية بعيدة المنال” بالنسبة إلى الناجين وأقارب الضحايا.
وخلص التقرير، الذي صدر تحت عنوان “نموت كل يوم ألف مرة: الإفلات من العقاب على الجرائم ضد الإنسانية في ترهونة، ليبيا”، إلى وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن جماعة الكانيات ارتكبت جرائم ضد الإنسانية تتمثل في القتل والتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز غير القانوني.
وجاءت هذه الجرائم، وفق المنظمة، ضمن هجومها المخطط والممنهج وواسع النطاق ضد السكان المدنيين في ترهونة بين عامي 2015 و2020، بهدف إحكام سيطرتها على المنطقة.
وفي وقت سابق، أعرب مارك سيمونوف، مندوب الولايات المتحدة في مجلس الأمن، عن أمله في أن تتم محاكمة أحد المتهمين في ليبيا على الأقل قبل نهاية عام 2025، مشدداً على أهمية تعزيز العدالة في البلاد.
ووفقاً لما ورد في جلسة لمجلس الأمن تابعتها، أكد المندوب الأمريكي ضرورة بذل السلطات الليبية المزيد من الجهود لتعزيز المساءلة، ودعم المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية في أداء مهامه.
كما جدد المندوب التأكيد على موقف بلاده الداعي لانسحاب جميع المجموعات المسلحة والمرتزقة من ليبيا، معتبراً أن هذه الخطوة أساسية لكسر حلقة الإفلات من العقاب التي تؤثر على استقرار البلاد.
وأشار المندوب إلى أن المحكمة الجنائية الدولية قد تكون لديها عيوب، إلا أنه من الضروري دعمها خلال السنوات المقبلة لتحقيق العدالة والمساءلة في ليبيا.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية