ليبيا بين صراع جبهتين: دولياً ومحلياً

البدايات مع ما أضحى وبشكل صريح خلال الأسابيع الماضية، من تصريحات كل من وزير الخارجية ورئيس البرلمان في مصر، أن بلادهم تنظر إلى التحركات التركية في الملف الليبي، كتهديد واضح ومباشر للمحيط الإقليمي لهم.
تهديد يتمثل في تزايد نفوذ دولة تختلف مع النظام الحاكم في مصر، وإمكانية تواجد عسكري تركي مباشر في ليبيا، البلد الذي يعد البوابة الغربية لهم. فبينما تواصل قوات «شرق ليبيا»، بقيادة حفتر، سيرها نحو العاصمة الليبية طرابلس، تتعدد لديه الدوافع والعوامل لاختيار هذا التوقيت بالتحديد لعمليته العسكرية في محاولة للسيطرة على العاصمة.

ضبابية الموقف الأوروبي

بعد قرابة الثماني سنوات من سقوط نظام معمر القذافي، لا تزال ليبيا منقسمة، وتوجد حالياً جبهتان تتنافسان على السلطة في البلد الغني بالنفط، هما حكومة «الوفاق الوطني» في طرابلس، بقيادة فايز السراج، وحكومة أخرى موازية في شرق ليبيا بالتحالف مع «الجيش الوطني الليبي» بقيادة حفتر. قد يكون هناك اعتراف بحكومة السراج، لكن حفتر أيضاً يتلقى دعماً من عدد من الدول، التي تلعب دوراً في تشجيع العملية العسكرية الحالية. هذا فضلاً عن عوامل دولية وإقليمية أخرى وفَّرت لحفتر فرصة ذهبية، يستغلها حالياً للمضي قدما نحو طرابلس.
هو التحرك العسكري لحفتر من مدينة بنغازي نحو مدينة طرابلس «بداية لتحرك» يُعيد للأذهان زحف القذافي قديماً من طرابلس نحو بنغازي، مع اختلاف اساسي وهو «تناقض وضبابية الموقف الأوروبي الحالي».
فالوصول إلى طرابلس والسيطرة على جنوب وغرب ليبيا يتطلب المرور على مدينة الوسلة معقل قبيلة بني وليد، أكبر قبائل ليبيا، والتي رفض أعيانها وأفرادها رفضاً قاطعاً أن تمر قوات حفتر عبر مناطقهم. ففي حالة مقاومة الأهالي في ليبيا لهذا الزحف العسكري يمكن أن يغير المجتمع الدولي والغرب موقفهما بين عشية وضحاها، فيقرر حفتر حينئذ وقف العملية العسكرية والاكتفاء بما حققه من مـكاسب مـيدانية يمـكنه اسـتغلالها تفاوضـياً.
الواقع أن حفتر لا يؤمن بالعملية السياسية وهو يعلم جيداً أن هناك محاولة من الأمم المتحدة بعقد مؤتمر بحثاً عن مخرج من الأزمة الليبية، لكن إن لم تكن هناك مقاومة عسكرية على الأرض ورفض دولي حقيقي لتحركه، فإن زحفه العسكري سيستمر.
وسط ذلك تبقى هي الخلافات حول الحركات الإسلامية تعرقل حل أزمة ليبيا تلعب عدد من الدول دوراً أساسياً في ما يقع في ليبيا من تطورات، حيث يتلقى حفتر الدعم الأكبر له من جانب مصر والإمارات العربية. هذا بالإضافة إلى السعودية، التي قام حفتر بزيارتها أكثر من مرة قبل عمليته العسكرية، ما يوحي بحصوله على موافقة الرياض على تحركاته.
على المستوى الدولي، سبق أن أصدرت حكومات كل من الولايات المتحدة وإيطاليا والإمارات وفرنسا وبريطانيا بياناً مشتركاً دعت فيه إلى وقف التصعيد الحالي مؤكدة على عدم رؤيتها لحل عسكري للصراع؛ خوفاً من إمكانية تسبب ذلك في «جر ليبيا نحو الفوضى». لكن عديد التحليلات تصف هذا التحرك بأنه مجرد تحرك دبلوماسي ولا يعكس الموقف الحقيقي لتلك الدول، التي ترغب في الظهور بمظهر الراغب في الحوار السلمي.
وهنا يأتي الدور القطري والتركي، حيث يرى البعض في الأزمة الليبية جبهة أخرى للخلاف بين الإمارات والسعودية ومصر من جانب، وتركيا وقطر من جانب آخر. ولهذا تسعى تلك الدول للتأثير على سير الأحداث وفرض نفوذها في ليبيا.
لقد تكرر هجوم حفتر والمتحدث باسم قواته العسكرية على قطر وتركيا بدعوى «دعمهما الجماعات الإرهابية»، فمن المؤكد أن واحداً من أهداف حفتر هو إنهاء أو إضعاف العلاقة التي تربط قطر وتركيا بالأحزاب والحركات السياسية في طرابلس وغيرها من الأطراف الداخلية في ليبيا.

التداعيات الأمنية والإنسانية

نعم هي مخاطر على دول الجوار الليبي واحد من العوامل، التي يستغلها حفتر في عمليته العسكرية الحالية هو انشغال الجيش الجزائري بترتيب الأوضاع الداخلية في بلاده. فالجزائر من أكبر معارضي الخيار العسكري لحل الأزمة الليبية؛ خوفاً من تداعيات هذا على الأمن القومي الجزائري، وخصوصاً فيما يتعلق بتسلل عناصر إرهابية لها عبر حدودها مع ليبيا. فالجزائر كانت تعيق تحرك حفتر قبل ذلك، وبانشغال حكومتها بالوضع الداخلي سنحت له الفرصة الآن.
ويبدي البعض قلقه من عواقب استهداف طرابلس عسكرياً على الدول المجاورة، فطرابلس قريبة جداً من تونس ولدى ليبيا حدود مع الجزائر، وبالتالي ستكون التداعيات الأمنية والإنسانية على الدول المجاورة خطيرة جداً، فالإرهاب الذي يريد حفتر أن يقاومه سيكون أقوى، فضلاً عن أزمة لاجئين ستترتب على هروب المدنيين من العمليات العسكرية بحثاً عن النجاة».
إنه تطور مفصلي تشهده ليبيا. يثير قلقاً بالغاً لجهة مستقبل الدولة الليبية، ووضعيتها في المحيط الإقليمي، خصوصاً نطاق الجوار المباشر. فسبق أن فاجأت محافظة برقة (شرق ليبيا) الليبيين والعالم، بإعلان نيتها التحول إلى إقليم مستقل. هنا يبقى أن الجميع بحاجة ماسة إلى عقد جلسة حوار وطني حول التوزيع العادل للإيرادات النفطية في ليبيا، لأن هذه المسألة تمثل أحد العوامل الرئيسية للأزمة، والحل الوحيد لمعالجتها هو الالتزام بالشفافية، ويجب الدعوة مجددًا كل السلطات المسؤولة ووزارة المالية والمصرف المركزي لنشر الميزانيات والنفقات العامة بالتفصيل، حتى يتمكن كل الليبيين من رصد كل دينار يتم إنفاقه من ثروتهم النفطية. والعمل مع الجهات الوطنية المعنية الأخرى لتعزيز الشفافية وحل هذه الأزمة وذلك خدمة لمصالح جميع المواطنين.

كاتبة من مصر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح//الاردن:

    (حفتر ) هو الجاني والمعتدي
    والمفتري ويجب الضغط عليه وعلى
    كل داعميه ليوقع وثيقة اطلاق النار
    ويقبل بالحل السلمي..

اشترك في قائمتنا البريدية