ليبيا: تدافع فرنسي إيطالي للحصول على مشاريع إعادة الإعمار

رشيد خشانة
حجم الخط
0

تدل مؤشرات عدة على أن معركة حامية قد تدور قريبا بين منطقة الزنتان (جنوب غرب ليبيا) وطرابلس، على خلفية الصراع على استثمار النفط والغاز الغزيرين في منطقة الحمادة الحمراء، الواقعة على بعد 400 كيلومتر من طرابلس، عبر خط يصل إلى مصفاة الزاوية التي تبعد مسافة 40 كيلومترا غرب طرابلس. ويشتد الخلاف حاليا بين فريقين، أحدهما باشر مفاوضات مع ثلاث شركات أجنبية لتطوير الحقل (م.ن.7) في الحمادة الحمراء، بينما يُعارض الفريق الثاني بشدة تلك الصفقة. وفي مقدم المُعترضين المجلس الأعلى للدولة. ومردُ الخلاف إلى حجم الاحتياطات من النفط والغاز في تلك المنطقة، كما أنها تحتوي أيضا على معادن ومواد أولية، وخاصة الفوسفات. وما يزيد من أهميتها أن الحمادة الحمراء تقع في عقدة مواصلات مهمة بين غدامس (شمال غرب) وسبها (جنوب) إضافة لشبكة من الطرقات المعبدة.
أساس الخلاف هو إصرار المجلس الأعلى للدولة على رفض المفاوضات مع الشركات الثلاث، وهي «إيني» الإيطالية و«أدنوك» الإماراتية و«توتال» الفرنسية، إذ اعتبر المجلس تلك المفاوضات «من قبيل التفريط في المقدرات العامة، ومثالا صارخا لمخالفة التشريعات الوطنية النافذة، وخرقا واضحا لنصوص الاتفاق السياسي الليبي بالصخيرات 2015 والوثائق الدولية ذات الصلة».
وطالب المجلس الأعلى للدولة حكومة الوحدة الوطنية ومؤسسة النفط بالوقف الفوري للمفاوضات الرامية لإبرام عقد التطوير، واعتبار أية آثار نتجت عـن تلك المفاوضات «كأنها لم تكن». في المقابل طرح مجلس الدولة ثلاثة شروط للموافقة على التفاوض مع الشركات الأجنبية، وهي أولا الامتناع عن اتخاذ أية إجراءات من هذا النوع مستقبلا، من دون التشاور مع وزارة النفط والغاز، وثانيا استطلاع رأي الأجهزة الرقابية في شأن سير المفاوضات ونتائجها، وثالثا الحصول على موافقة مجلسي النواب والأعلى للدولة على مخرجات التفاوض. كما طالب المجلس الأعلى للدولة بموافاته بما يتم اتخاذه من إجراءات تنفيذا لهذه المطالب.
وحذر مجلس النواب، في وقت سابق، حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، من التوقيع على اتفاقية الاستثمار مع ائتلاف الشركات، لكونها منحت تلك الشركات حق التصرف في نسبة كبيرة من إنتاج الحقل، على حساب أصحاب الشأن. وتفاقم الخلاف لاحقا، خاصة مع تطابق المواقف بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، وهو أمرٌ نادر الوقوع. ثم دخلت النيابة العامة على الخط، فطلبت وقف المفاوضات إلى حين صدور قرار قضائي فاصل. أما وزارة النفط والغاز، المشرفة على القطاع، فعبرت عن ترحيبها بالمواقف الرافضة للصفقة، وحضت على الحيلولة دون التعاقد مع ائتلاف الشركات الثلاث، ورفض منحها حصة 40‎ في المئة من إنتاج حقل الحمادة. ومن أشد المعارضين لإبرام الاتفاقية وزير النفط والغاز محمد عون وديوان المحاسبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والنائب العام، الذين حذروا من الأخطار، التي توقعوا أنها ستنجم عن التوقيع على الاتفاقية.
وفي هذا السياق اعتبر الوزير عون أن الحصة المعروضة في الاتفاقية، المعتزم إبرامها، «مرتفعة جدا بجميع المقاييس، وغير مسبوقة مقارنة بالحصص المعمول بها في ليبيا» على ما قال.
ورأى الوزير أن الحصة مخلة بتوازن العقود النفطية، ومخالفة للترتيبات، إلى جانب عدم تحصيل موافقة وزارة النفط والغاز أو الحكومة على التفاوض الأحادي قبل مباشرته، وفق ما قال عون. وحسب توقعاته كان يمكن للمؤسسة الوطنية للنفط الحصول على حصة أعلى من الإنتاج، لو تم عرض هذا الحقل في عطاء دولي مفتوح وشفاف، وبذلك سيكون أفضل اختبار لقبول الشركات العالمية العمل في ليبيا.
أكثر من ذلك، لفتت وزارة النفط والغاز إلى أن هذا الفعل ربما يدفع الشركات النفطية الأخرى للمطالبة بتعديل عقودها ومنحها حصصا أوفر، وذلك ما حصل حين طالبت شركتا «توتال» و«كونكوفيلبيس» بتعديل العقود المبرمة معهما، حسب ما قال. وكان مجلس النواب الليبي حال في كانون الأول/ديسمبر الماضي دون توقيع حكومة الوحدة الوطنية على اتفاقية استثمار لحقل الحمادة الحمراء. وعزا المجلس اعتراضه إلى أن الاتفاقية تقضي بتنازل الحكومة الليبية لائتلاف الشركات الأجنبية عن نسبة تقارب 40 في المئة من إنتاج الحقل. وذهب مجلس النواب إلى أبعد من ذلك، فحذر بشدة الدول المعنية أي فرنسا وإيطاليا والإمارات، من استغلال الظروف التي تمر بها ليبيا «من أجل نهب ثرواتها وابتزازها من خلال إبرام صفقات فاسدة تُلحق الضرر بالبلد واقتصاده».
وأوضح أن القطعة التي تخص الاتفاقية تتبع مؤسسة ليبية هي «شركة الخليج الوطنية» التي يعود لها السبق في اكتشاف الحقل منذ زمن، والتأكُد من احتوائه على احتياطات مهمة من الغاز والنفط والمكثفات، وهي الثروة التي أسالت لُعاب المجموعات النفطية العالمية على ما يبدو. لكن الليبيين اعتبروا أن عقد مثل هذه الشراكة غير المتوازنة من شأنه أن يُسبب خسارة كبيرة لدولتهم، خصوصا أن التمويل الداخلي ممكن، عوضا عن اللجوء إلى المجموعات النفطية الأجنبية.

تباعد المواقف

وزاد الأمر تعقيدا وخطورة مع انعقاد اجتماع شارك فيه أعيان الزنتان، مؤكدين رفضهم لصفقة «الحمادة» فيما لوحظ تدفق أنواع مختلفة من الأسلحة على منطقة الزنتان، في أجواء مشحونة، ما اعتبره بعض المراقبين مقدمة لمواجهة عسكرية مع طرابلس. ولا يقتصر الخلاف بين الجانبين على استثمار نفط الحمادة، بل يعود إلى تباعد المواقف في قضايا جوهرية منها طبيعة التعاطي مع أركان النظام السابق والموقف من الجنرال المتقاعد حفتر. وكان مسلحو الزنتان هم الذين اعتقلوا سيف الإسلام معمر القذافي في العام 2011 واحتفظوا به في مدينتهم سنوات، قبل أن يُطلقوه في العام 2017. كما أن أحد وجهاء المدينة أسامة الجويلي شغل منصب وزير الدفاع في الحكومة الانتقالية التي قادها رجل الأعمال الراحل عبد الرحيم الكيب، وهو من أقدم المعارضين للقذافي. من هنا اكتسبت منطقة الزنتان ثقلا سياسيا وعسكريا كبيرين في المعادلة الليبية. ويُعتبر الجويلي ومدينته الطرف الوحيد في المنطقة الغربية الذي يدعم الجنرال حفتر.
واللافت أن ما يُدعى «المجلس الأعلى لثوار الزنتان» أصدر بيانا من أرض الحمادة الحمراء، مُجددا رفضه دخول أي قوة عسكرية للمنطقة، ورفضه القاطع، بالخصوص، لدخول شركات استثمار أجنبية إلى الحدود الإدارية للمنطقة من دون إذن من «المجلس الأعلى لثوار الزنتان». وهذا يعني أن ميليشيا الزنتان هي التي حلت محل الشرطة والجيش النظاميين في المدينة والمنطقة.

الاستثناء الإيطالي

إذا كان الإيطاليون قد خرجوا بخُفي حُنين من الشراكة المأمولة لاستغلال نفط «الحمادة الحمراء» مثل حال منافسيهم الفرنسيين والإماراتيين، فإنهم استطاعوا، كبديل ربما، فتح صفحة جديدة من التعاون مع الليبيين، جسدها التوقيع على ثماني اتفاقيات جديدة، في إطار المنتدى الاقتصادي الليبي الإيطالي، وفي حضور رئيسي الحكومتين عبد الحميد الدبيبة وجورجيا ميلوني.
وشملت الاتفاقيات مذكرة تفاهم بشأن التعاون الإنمائي، ترمي لإيجاد إطار قانوني لنشاط الوكالة الإيطالية للتعاون الانمائي في ليبيا، ومذكرة تعاون بين وزارة الحكم المحلي الليبية وغرفة التجارة الإيطالية الليبية ترمي لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في ليبيا. كما شملت مذكرات التعاون اتفاقيات بين شركة سيمست والبنك الليبي الخارجي وغرفة التجارة الإيطالية الليبية، والتي ترمي إلى تعزيز العلاقات التجارية وتشجيع الاستثمارات بين البلدين.
وشملت الاتفاقيات أيضا اتفاقية تعاون بين الاتحاد العام لغرف التجارة والصناعة والزراعة في ليبيا واتحاد الغرف الإيطالية، وهي اتفاقية تهدف إلى دعم الشركات من كلا البلدين وتعزيز تطوير المشاريع المشتركة. كما أوضحت رئيسة منطقة شمال أفريقيا والمشرق العربي في شركة «إيني» مارتينا أوبيزي، في تصريحات صحافية، أن الشركة مستمرة في الاستثمار في ليبيا، مؤكدة أهمية موارد هذا البلد الغازية غير المستغلة، وضرورة تطوير مشاريع جديدة في هذا المجال.
وشددت ميلوني على أهمية تنفيذ خطة الزعيم الإيطالي إنريكو ماتيي لأفريقيا، معتبرة إياها دليلا استراتيجيا للعلاقات مع ليبيا والقارة الأفريقية بأكملها، مشيرة إلى وجود فرص واعدة في قطاعات الطاقة والاتصالات والأمن السيبراني. وإنريكو ماتيي هو رئيس مجموعة «إيني» النفطية في سبعينات القرن الماضي، الذي حارب الشركات النفطية الاستعمارية. غير أن الهاجس الأساسي للزعيمة الإيطالية في كلمتها تمثل بملف تدفقات المهاجرين غير النظامين. وهي تسعى، منذ صعودها إلى سدة رئاسة الوزراء، للحد من تلك التدفقات بجميع الوسائل.
وفي علامة على اشتداد السباق الفرنسي الإيطالي على السوق الليبية، شاركت 28 شركة فرنسية في المنتدى الليبي – الفرنسي للتنمية وإعادة الإعمار، الذي أقامه الأربعاء الماضي في بنغازي «صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا» الذي يديره أحد أبناء الجنرال حفتر. وتبحث الشركات الفرنسية، ولاسيما المتخصصة منها في البناء والجسور، عن إبرام صفقات مع السلطات الليبية المكلفة بإعادة الإعمار. والأرجح أن المستثمرين في بلدان أخرى سيشُدون الرحال إلى بنغازي في الأسابيع المقبلة بحثا عن مشاريع يستثمرون فيها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية