طرابلس ـ «القدس العربي»: مارست سلطات الشرق الليبي سياسة التضييق والاعتقال في مواجهة من خرج مطالباً بالتحقيق في كارثة انفجار سدود مدينة درنة والتي راح ضحيتها آلاف القتلى فيما بقي آلاف غيرهم مجهولي المصير، حيث فقدوا بعد جرف السيول لمنازلهم وسياراتهم.
غضب شعبي وحزن تولد اثر ثبوت إهمال المسؤولين صيانة سدود المدينة الأمر الذي ساعد وكان سبباً في وقوع الكارثة، غضب دفع المواطنين إلى الخروج بدون أدنى تفكير في مدينة تقبع من سنوات تحت سيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر صاحب القبضة العسكرية والمعروف بمواجهته وبالقوة لكل من يعارضه.
مرت أكثر من عشر أيام على التظاهرات وسكان درنة وكل من خرج في التظاهرات الغاضبة التي تصاعدت حد المطالبة بإسقاط مجلس النواب أصبح هدفاً لحفتر وجنوده، حيث شنو حملة اعتقالات واسعة استهدفت نشطاء كانوا مؤيدين لهم يوماً ما.
ولم يقمع حفتر المتظاهرين فحسب بل طرد وسائل الإعلام المعارضة له من المدينة فضلا عن وسائل الإعلام المحلية في تصرف لاقى استهجاناً محلياً ودولياً واسعاً واعتبر تكميماً للأفواه وتغييباً لصوت الحقيقة حيث لم يتبق في المدينة من وسائل الإعلام الا المؤيدة له.
تقارير دولية
منظمة العفو الدولية قالت في تقرير لها إن صحافيًا على الأقل اختفى لمدة 3 أيام بعد بث مباشر من مدينة درنة دعا فيه لمساءلة المتهمين المسؤولين عن كارثة انهيار السدين.
وأضافت المنظمة أنه يجب على قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر أن ترفع فورًا جميع القيود غير الضرورية المفروضة على الصحافيين، وأن تسهل إيصال المساعدات الإنسانية للمجتمعات المحلية المتضررة في مدينة درنة التي اجتاحتها الفيضانات.
ويوم الاثنين، وعلى إثر خروج مظاهرات حاشدة في مدينة درنة للمطالبة بإسقاط البرلمان وتسريع عمليات المساءلة وإعادة الإعمار، شددت السلطات في شرق ليبيا القيود المفروضة على الصحافيين، كما قطعت الاتصالات عن المدينة بشكل مفاجئ.
وقالت منظمة العفو الدولية إن مشاركين في المظاهرات تعرضوا للاعتقال، موضحة أنها تحدثت إلى السكان المحليين والصحافيين والعاملين بالمجال الإنساني، وتصاعدت مخاوفها من تعامل قوات حفتر مع الأزمة بقمع المنتقدين.
وفي 18 أيلول/سبتمبر أمرت قوات حفتر الصحافيين بمغادرة المدينة، وتراجعت عن قرارها في اليوم التالي، لكنها أصدرت تعليمات لبقية الصحافيين بعدم الاقتراب من فرق الإنقاذ.
وحسب منظمة العفو الدولية، أفاد صحافيون بأن الإعلام العسكري التابع لقوات حفتر يلاحقهم، ويحظر على المترجمين ترجمة أي محتوى ينتقد سلطات شرق البلاد.
وقالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، ديانا الطحاوي «بدلًا من التركيز على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المجتمعات المتضررة، تلجأ قوات حفتر مرة أخرى إلى آليتها القمعية لإسكات الانتقادات والتهرب من المسؤولية».
قطع للاتصالات
وبعد التظاهرات بيوم واحد تعرضت شبكة الاتصالات في مدينة درنة الليبية، إلى انقطاع كوابل الألياف البصرية، بينما رجحت الشركة القابضة للاتصالات تعرضها لعملية تخريب تزامناً مع مطالبة الحكومة (المكلفة من مجلس النواب) من الصحافيين مغادرة المدينة، حسبما ذكرته وكالة رويتر واندلاع تظاهرات طالبت بإسقاط البرلمان، وتوحيد البلاد.
وأعلنت الشركة القابضة للاتصالات، في بيان لها، أن تأثر شبكة الاتصالات في درنة جراء قطع في كوابل للألياف البصرية، حسب بيان على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».
وأوضحت الشركة أن أعمالاً تخريبية قد تكون وراء قطع الكوابل الرابطة أكثر من مسار في المنطقة الشرقية، مشيرة إلى محاولة فرق العمل الوصول، للعمل على إصلاحها في أقرب وقت ممكن.
وتزامناً مع ذلك، قالت وكالة رويترز إن سلطات شرق ليبيا طلبت الثلاثاء، من الصحافيين، مغادرة درنة، نقلاً عن وزير الطيران المدني في الحكومة المكلفة من مجلس النواب هشام أبوشكيوات.
وصرح أبوشكيوات إلى الوكالة بأن العدد الكبير من الصحافيين يعوق عمل فرق الإنقاذ، مضيفاً أنها محاولة لتهيئة ظروف أفضل لفرق الإنقاذ، لتعمل بشكل أكثر سلاسة وفاعلية .
وخرجت تظاهرات شعبية بمدينة درنة الليبية وتحديداً أمام مسجد الصحابة نظمها أهالي المدينة للمطالبة بإسقاط مجلس النواب الليبي وتوحيد ليبيا شرقاً وغرباً وتنظيم عملية إعادة الإعمار وتعويض المتضررين من العاصفة. وهتف متظاهرون: «الشعب يريد إسقاط البرلمان» و«لا إله إلا الله عقيلة عدو الله» و«اللي يسرق واللي خان يشنق في الميدان» «لا شرقية لا غربية ليبيا وحدة وطنية» و«يا بنغازي ديري ليلة لزي (اطردي) برلمان عقيلة».
وفي بيان تلاه المتظاهرون نيابة عن سكان درنة، دعوا النائب العام في دولة ليبيا للإسراع بنتائج التحقيق في الكارثة التي حلت بمدينة درنة، واتخاذ الإجراءات القانونية والقضائية كافة ضد كل من له يد في إهمال أو سرقات أدت إلى هذه الكارثة دون التستر على أي مجرم. وطالب المتظاهرون مكتب الدعم في ليبيا التابع لهيئة الأمم المتحدة بفتح مكتب له بمدينة درنة وبشكل عاجل، وبـ»البدء الفعلي والعاجل بعملية إعادة إعمار مدينة درنة وتعويض المتضررين» كما طالبوا بـ«حل مجلس وحكماء مدينة درنة وإعادة تشكيله من داخل المدينة» وبالتحقيق في الميزانيات السابقة التي خصصت للمدينة.
وتصاعد الغضب الشعبي عقب المظاهرات، حيث اتجه المتظاهرون إلى منزل عميد البلدية عبد المنعم الغيثي، وأضرموا فيه النيران وهتفوا «دم الشهداء ما يمشيش هباء» وفق مقاطع فيديو تداولها مدونون على وسائل التواصل الاجتماعي.
وامتصاصاً للغضب الشعبي، أعلن رئيس حكومة شرق البلاد أسامة حماد، حل المجلس البلدي في درنة وإحالته إلى التحقيق، وفق بيان نشرته الصفحة الرسمية للحكومة الليبية المكلفة من البرلمان.
مطالبات نشطاء
واتهم ناشطون وصحافيون قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر والعناصر الأمنية المتواجدة في مدينة درنة الليبية المنكوبة والتي تعرضت لسيول وفيضانات أودت بحياة آلاف الأشخاص، بعرقلة أعمالهم من خلال فرض الحصول على تصاريح أمنية للعمل من داخل أحياء المدينة ومد يد العون للعائلات المتواجدة فيها حتى الآن .
وفي بث مباشر أطلقته قائدة كشفية من مدينة درنة تدعى إيمان الحبوش كانت قد انخرطت في عمليات الإغاثة لضحايا العاصفة، استنكرت القائدة فرض الجهات الأمنية وجود تصريح أمني لدى المواطنين والمؤسسات المدنية للتنقل بين شرق المدينة وغربها.
وخلال البث الذي لاقى رواجاً واسعاً وتداولت وسائل إعلام أجزاءً مقتطعة منه طالبت الحبوش بفتح الطريق الرابط بين درنة الشرقية والغربية وإلغاء التصريح الأمني المطلوب للتنقل بين الطرفين، مستغربة أن بيوت مدينة درنة تسرق رغم وجود التجمع الأمني الكبير.
وقالت القائدة الكشفية إن عمل الكشافة والهلال الأحمر وتخصصهم واضح جداً مستغربة فرض تصاريح تجدد كل يومين فقط عليهم لممارسة أعمال إغاثية داخل المدينة ومتسائلة عن الغرض منهم، وموضحة أنها من أهل المدينة وأنها ومن معها أكثر دراية بوضع المدينة وبالعائلات النازحة والعائلات التي تحتاج إغاثة فيها، مستنكرة فرض تصاريح عليها وعلى زملائها من قبل من وصفتهم بأنهم «غرباء» عن المدينة.
ولم يكن اتهام القائدة الكشفية وحيداً حيث وقبل أيام قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا أنها لاحظت عسكرة الإدارة المدنية وممارستها التي تتخبط في التعامل مع الأزمة الإنسانية حسب قولها، مشيرة إلى أن المساعدات الغذائية وغير الغذائية وبشكلٍ خاص تلك التي وردت من قبل الدول الشقيقة لا يعلم مصيرها حتى الآن وأين ذهبت ومن يقوم باستلامها وأين يتم تخزينها.
وتابعت اللجنة أن فريق عملها قد لاحظ ظاهرة عسكرة الأزمة الإنسانية عند تواجد قوات عسكرية تغلق الطرقات أمام المواطنين وقوافل الإغاثة والمساعدات الإنسانية في محيط مدينة درنة، مشيرة إلى أن حجم الأفراد العسكريين المتواجدين على الأرض في المدن المنكوبة يتجاوز الحد المعقول إلى تصور تلك المناطق كأنها ثكنات عسكرية. وأكملت اللجنة أن القوات العسكرية وبعض الأفراد التابعين لقوات حفتر عملوا على المساس برحمة المعونات، عبر التدخل في استلامها وتوزيعها، فضلا عن عدم تمكين الهلال الأحمر وهيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية من استلام المساعدات ونقلها إلى مخازنهم، وهو ما يضفي الطابع العسكري على كل الإجراءات والتحركات.
وأشارت إلى الاستيلاء على مخازن الهيئة الليبية للإغاثة والمساعدات الإنسانية بمدينة بنغازي داعيةً قوات حفتر إلى رفع كافة القُيود والعراقيل غير المُبرَّرة المفروضة على وسائل الإعلام وعلى حرية وسرعة إيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية وحرية عمل الفرق الإغاثية والإنسانية والهلال الأحمر وفرق المتطوعين والمجتمع المدني.
تقارير محلية
منظمة رصد الجرائم الليبية أكدت في بيان لها تلقيها تقارير موثوقة تفيد بقيام جهاز الأمن الداخلي بحملة اعتقالات واسعة طالت عددًا من المحتجين، إضافة إلى فرض إجراءات أمنية مشددة شملت عزل بعض المناطق وتقييد عمل الصحافيين وقطع الإنترنت والاتصالات.
وطالبت منظمة رصد الجرائم الليبية السلطات في شرق ليبيا بوقف الانتهاكات وحملة القمع الممنهجة التي تشنها ميليشيات حفتر في مدينة درنة ضد المحتجين في المدينة.
جاء ذلك في بيان للمنظمة الحقوقية عبر صفحتها الرسمية على «فيسبوك» أعربت فيه عن قلقها البالغ إزاء حملة قمع ممنهجة تشنها الأجهزة العسكرية في مدينة درنة، في محاولة لترهيب المحتجين وكتم أصواتهم، وفق بيانها.
وأضافت المنظمة «نطالب السلطات في شرق ليبيا بوقف هذه الانتهاكات فورًا والإفراج الفوري عن المعتقلين، واحترام الحق في حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي».
وأوضحت المنظمة الحقوقية أنها تتابع بقلق شديد الوضع في مدينة درنة عقب الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في 18 ايلول/سبتمبر، بعد كارثة انهيار سد درنة، مطالبة بالتحقيق في الحادث ومحاسبة المسؤولين.
كما أكدت في بيانها تلقيها تقارير موثوقة تفيد بقيام جهاز الأمن الداخلي بحملة اعتقالات واسعة طالت عددًا من المحتجين، إضافة إلى فرض إجراءات أمنية مشددة شملت عزل بعض المناطق وتقييد عمل الصحافيين وقطع الإنترنت والاتصالات.
صحف عالمية
قالت صحيفة «نيويوورك تايمز» الأمريكية إن السلطات في منطقة شرق ليبيا التي دمرها الفيضان تحركت في اتجاه إسكات المعارضة على مدار الأسبوع الماضي، واعتقلت عدداً من المحتجين والنشطاء الذين طالبوا بالمساءلة على ما وصفوها بالاستجابة الرسمية الفاشلة للكارثة خاصة في مدينة درنة.
الصحيفة الأمريكية نقلت في تقرير لها عن شهود عيان وأحد الأقارب، اعتقال ثلاثة أشخاص على الأقل، ممن انتقدوا استجابة الحكومة أو شاركوا في احتجاج بمدينة درنة يوم الإثنين 18 سبتمبر/أيلول.
كما قال عمال إغاثة وصحافيون إن الإدارة المستبدة التي تحكم النصف الشرقي من ليبيا المحاصرة – حيث تقع مدينة درنة- قيّدت الوصول إلى المدينة. بينما شهد يوما الثلاثاء والأربعاء قطع خدمات الإنترنت والهاتف المحمول عن المدينة أيضاً، ما أثار التساؤلات حول ما إذا كانت الشركات المقدمة لتلك الخدمات قد تعمّدت قطعها.
وحسب الصحيفة قال عامل الإغاثة المتطوع من مدينة درنة إسلام عزوز، الذي حضر احتجاج يوم الإثنين 19 سبتمبر/أيلول: «وصل غضب الناس إلى مستويات مرتفعة للغاية، وتم قطع الاتصالات، لأنهم يخشون من تعبير الناس عن غضبهم علناً». يُذكر أن احتجاج يوم الإثنين شهد مطالبة المئات بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة.
أردف عزوز: «لقد فقد الناس منازلهم ومدينتهم. ولا شك في أنهم يشعرون بالغضب ضد الفساد والإهمال الذي أسفر عن هذه الكارثة». لكن المسؤولين في شرق ليبيا يقولون إن انقطاع الإنترنت حدث نتيجة الأضرار والتخريب بسبب الفيضان.
في حين قالت جورجيت غانيون، منسقة المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، إن السلطات في درنة منعت دخول قافلة مساعدات الأمم المتحدة القادمة من بنغازي دون تفسير لكنها أوضحت أن أعمال الإغاثة الأخرى التي تديرها الأمم المتحدة في درنة ما تزال جارية.
وفي أعقاب الكارثة التي ضربت مدينة درنة، حذر ليبيون من الداخل والخارج من إمكانية وقوع تهريب «للمساعدات الإنسانية» التي وصلت من الخارج، معبرين عن خوفهم من انتشار «الفساد» وفق طارق مغرسي، السياسي البارز في مكتب العلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي.
وقال مغرسي: «غداة وقوع العاصفة، شهدنا عجزا في المساعدات وعدم كفاءة المسؤولين في التعامل مع الفيضانات، ما أدى في اليوم الثالث إلى إعلان درنة منطقة عسكرية تم نشر مدرعات عسكرية فيها ونقاط تفتيش عديدة».
كما فرضت قوات حفتر قيودا صارمة على وسائل الإعلام حسب منظمة «مراسلون بلا حدود» فيما تم منع الصحافيين الليبيين الذين ينتقدون حفتر وعائلته من تغطية الفيضانات.
وتابعت المنظمة: «في شرق ليبيا، المراسلون يعملون تحت مراقبة حفتر ولا يمكن لأي وسيلة إعلامية أن تنتقده». وأردفت: «حتى وسائل الإعلام التي تمكنت من الدخول إلى مدينة درنة واجهت صعوبات كبيرة في العمل ميدانيا».