طرابلس ـ «القدس العربي»: تجدد الخلاف الدائر حول رئاسة المؤسسة السيادية الليبية المالية العليا والمعروفة باسم ديوان المحاسبة بعد أشهر معدودة من خلاف احتد بين رئيس الديوان خالد شكشك ووكيله عطية الله السعيطي، على خلفية صدور أمر ولائي بإيقاف شكشك، والذي دعا وكيل الديوان عطية الله السعيطي للتحدث بصفته رئيساً.
وجدد رئيس مجلس النواب دعمه لشكشك رئيساً للديوان في المنطقة الغربية إلى حين الفصل في المناصب السيادية وخلال الساعات الماضية عادت وتيرة الخلاف مجدداً، حسب أنباء متداولة على مواقع التواصل، دون أن يصدر عن رئاسة الديوان أية توضيحات.
ودخل ديوان المحاسبة، وهو الجهاز الأعلى للرقابة المالية والمحاسبة، مرحلة جديدة من الانقسام بعد أن طالب وكيل الديوان، عطية الله السعيطي، رئيس الديوان، خالد شكشك، بتسليم مهامه والامتثال للقرارات القضائية الصادرة ضده.
ووصف شكشك بأنه “منتحل للصفة”، مشيراً إلى أن استمراره في ممارسة مهامه رغم القرارات القضائية يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون. كما هدد باتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة في حال عدم الامتثال لطلب تسليم المهام.
وكان شكشك قد تقلد منصبه في العام 2013 لمدة 3 سنوات حتى 2016، وتم التجديد له حتى عام 2019، ومن بعدها ظل يجدد لنفسه مخالفاً لقانون ديوان المحاسبة الذي يمنع أن يتولى رئيسه أكثر من ولايتين، فيما فشل مجلس النواب في مناسبات عديدة تنفيذ قرار إعفائه من منصبه بسبب استمرار حالة الانقسام السياسي في مؤسسات الدولة.
واعتبر وكيل الديوان أن تصرفات شكشك تمثل عبثاً إدارياً ومالياً، مشيراً إلى تورطه في إهدار المال العام والتلاعب في الاعتمادات المستندية، وصرف مبالغ ضخمة بطرق غير مشروعة، إضافة إلى قيامه بتحويل ملفات حساسة إلى جهات خارج البلاد، مما يشكل خطراً على الأمن المالي للدولة.
وأشار إلى أن رئيس الديوان المنتهية ولايته قام بإيفاد أفراد من أسرته وأقاربه للدراسة في الخارج على حساب الدولة، في حين تم استبعاد الأساتذة الجامعيين والباحثين والمتفوقين من هذه الفرص، مضيفاً أن ملف العلاج في الخارج شهد تجاوزات مماثلة، إضافة إلى توجيه اتهامات بشأن إدارة توريدات جائحة كورونا، والتي اعتبر أنها شابها الفساد والمحسوبية.
وأوضح أن آلاف الموظفين تم إدخالهم في منظومة الرقم الوطني على أسس غير قانونية، حيث تم منح امتيازات وظيفية لأقارب رئيس الديوان وأبناء عمومته على حساب موظفين آخرين كانوا في أمسّ الحاجة لهذه الإفراجات.
وبدأت الأزمة حين اتخذت حكومة الوحدة الوطنية قراراً بعزل رئيس ديوان المحاسبة، خالد شكشك من منصبه، فيما طالب البرلمان بالالتزام بالاتفاق السياسي الذي ينص على أن هذا المنصب من المناصب السيادية التي لا يبت فيها إلا بقرار البرلمان ومجلس الدولة.
واستدعى تجدد النزاع تدخلاً دولياً، حيث دعت خمس دول غربية إلى دعم استقلالية الديوان وإبعاده عن التجاذبات السياسية، وأكدت سفارات الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا في بيان مشترك دعمها الكامل لديوان المحاسبة وقيادته.
ووصفت الدول الخمس، في بيان مشترك الثلاثاء، ديوان المحاسبة بالمؤسسة المهمة؛ لضمان فعالية إدارة المالية العامة والمساهمة في مكافحة الفساد وسرقة موارد ليبيا.
كما شددت السفارات الخمس على دعمها لعمل ديوان المحاسبة، باعتباره جزءاً أساسياً من الدولة الليبية ويسهم في تعزيز الثقة الدولية في ليبيا، بحسب البيان.
ودعا البيان إلى ضرورة احترام استقلالية ونزاهة ديوان المحاسبة من جميع الأطراف في ليبيا، بعيداً عن أي تدخلات سياسية من أي طرف.
وكانت البعثة الأممية قد أعربت في مناسبات عديدة عن قلقها البالغ إزاء تفاقم الوضع المتعلق بديوان المحاسبة، لافتة الى أنه يشكل تهديداً حرجاً لسلامة هذه المؤسسة السيادية، فيما عبّرت السفارة الأمريكية هي الأخرى على لسان القائم بالأعمال جيريمي برنت، عن توجسها بشأن ما وصفتها بـالضغوط التي تُمارس ضد نزاهة واستقلال الديوان والمؤسسات التكنوقراطية الليبية الحيوية الأخرى.
وفي السياق، أكد عضو مجلس النواب الليبي، عبد المنعم العرفي، في تصريحات صحافية، أن هذا النزاع ليس جديداً، بل هو امتداد لخلافات قائمة منذ فترة طويلة، تتعلق بالسيطرة والنفوذ داخل المؤسسة الرقابية الأهم في البلاد.
وأشار إلى أن الخلاف تصاعد مؤخراً بعد أن وجه وكيل ديوان المحاسبة خطاباً إلى رئيس الديوان خالد شكشك، يطالبه فيه بتسليم مهامه تنفيذاً للأحكام القضائية الصادرة بحقه. غير أن هذه المسألة لا تقتصر على شخص بعينه، بل إن العديد من المسؤولين داخل الديوان وخارجه يواجهون قرارات قضائية تتعلق بشرعية مناصبهم.
وأضاف العرفي أن هذا الصراع ينعكس سلباً على أداء الديوان، حيث أصبح كل طرف يعمل بمعزل عن الآخر، ما يعيق تنفيذ المهام الرقابية بالشكل المطلوب. كما اعتبر أن ما يقوم به شكشك أو غيره في الديوان في ظل هذه الظروف يمثل انتهاكاً واضحاً للقانون، مما يهدد بمزيد من الفوضى في المؤسسة المسؤولة عن مراقبة المال العام.
وفيما يتعلق بالمخالفات المحتملة، شدد العرفي على أن رئيس الديوان المكلف، عطية الله السعيطي، يتحمل مسؤولية الكشف عن أي تجاوزات للرأي العام، إذ إن دوره الرقابي يفرض عليه ذلك. وأضاف أن هذه الأزمة لا تقتصر على ديوان المحاسبة فحسب، بل تمتد إلى مؤسسات أخرى، مشيراً إلى أن وزير التعليم نفسه صدر بحقه حكم بالسجن لثلاث سنوات.
واختتم العرفي تصريحاته بالتأكيد على ضرورة فرض سلطة القانون وإنهاء حالة الانقسام داخل الديوان، لضمان أداء دوره الرقابي بفعالية، مشيراً إلى أن استمرار هذه الخلافات دون حلول قانونية واضحة قد يؤدي إلى مزيد من التعطيل في عمل الأجهزة الرقابية، مما ينعكس سلباً على إدارة الشأن العام في ليبيا.