«إنني أتطلع إلى هذه المناقشات المهمة حول رؤية توفر للفلسطينيين فرصاً نوعية جديدة لتحقيق إمكانياتهم الكاملة. ستساهم هذه الورشة في جمع القادة من قطاعات عدة ومن جميع أنحاء الشرق الأوسط لبحث سبل تعزيز النمو الاقتصادي والفرص المتاحة للشعوب في هذه المنطقة المهمة». هكذا تحدث وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين. وجاء رد رئيس الوزراء الفلسطينى محمد أشتية الذي أعتبر أن مؤتمر «السلام من أجل الازدهار» الذي ستستضيفه العاصمة البحرينية المنامة أواخر الشهر الجاري هي دعوة أمريكية سبق أن اعتبرها مستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنر مدخلاً لتنفيذ «صفقة القرن».
نعم هي مغالطة كبرى تلك التي تحاول الإدارة الأمريكية، وكل المروجين لـ «صفقة القرن» ترويجها، وهي ربط «السلام» بـ «الازدهار»، فيما الحقائق الملموسة تثبت أن الأمّة، عانت وما تزال، أصعب الظروف منذ أن اختار بعض حكامها ما يسمى بطريق التسوية السياسية مع العدو الصهيوني. فهل جلب «سلام» كامب ديفيد الازدهار لمصر وهي التي تعاني ما تعانيه اليوم من ضيق اقتصادي واجتماعي؟! وهل حقق «سلام» أوسلو جزءاً ولو يسيراً من طموحات الشعب الفلسطيني الذي قدّم وما يزال الشهيد تلو الشهيد على طريق تحقيق أهدافه المعروفة؟ وهل حقق «سلام» وادي عربة الازدهار للشعب الأردني؟
قد لا يقبل أحد من الفلسطينيين بتبريرات من هذا القبيل، فالجانب الاقتصادي لا يمكن أن يكون سوى تتويج لمسار سياسي عادل وثمرة له. لا يمكن أن يكون سابقاً له، ناهيك أن يكون بديلاً أو «رشوة» لإسقاط الحل السياسي القائم بالضرورة على إنهاء الاحتلال وحل الدولتين. ويأتي الرد الفلسطيني: «لماذا أيتها الشقيقة البحرين؟!» هكذا تساءل صائب عريقات في سياق تأكيد الرفض الفلسطيني للمؤتمر التي ستحتضنه المنامة. لم يأته الجواب من المنامة ولا واشنطن بل من المحلل السياسي في القناة 13 الإسرائيلية (باراك رافيد)، يقول فيه: «دعوة الولايات المتحدة إلى مؤتمر اقتصادي في العاصمة البحرينية المنامة هو عبارة عن الجزء الاقتصادي من الخطة الأمريكية للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بالرغم من إعلان السلطة الفلسطينية مقاطعة هذا المؤتمر».
وبعد الإشارة إلى أن «سبب اختيار المنامة مرده العلاقات الجيدة التي تربط إسرائيل بالبحرين والتي تطورت كثيراً في الفترة الماضية».
يوضح (رافيد) أن الولايات المتحدة تقسم خطة السلام إلى جزأين، اقتصادي وسياسي، وذلك بعد مناقشات طويلة وتقديرات داخل البيت الأبيض بعد إعلان السلطة الفلسطينية رفضها للخطة، حيث تأمل الولايات المتحدة من إعلان القسم الاقتصادي وحده أن يشكل ضغطاً شعبياً على رئيس السلطة الفلسطينية وقيادتها للقبول بالقسم السياسي نظراً لسوء الأوضاع الاقتصادية التي يعاني منها الفلسطينيون في الضفة والقطاع.
هي الصورة إذن التي لن يقولها سياسي بمثل هذا الوضوح، هو استعمال الورقة الاقتصادية للضغط على الفلسطينيين، بل ومساومتهم وابتزازهم، لقبول ما لا يمكن قبوله مما يجعل الهدف من مؤتمر البحرين هو «تمرير صفقة القرن التي هي ليست حلاً، وإنما هي محاولة لإضفاء شرعية أمريكية ودولية على استمرار الاحتلال، ومحاولة لفرض التطبيع بين العرب وإسرائيل» كما قال مصطفى البرغوثي الأمين العام للمبادرة الفلسطينية.
للأمريكيين طبعا فهم آخر للموضوع يسعون لترويجه حالياً، فها هو المتحدث الإقليمي لوزارة الخارجية الأمريكية (ناثان تك) يقول إن «الهدف الرئيسي من ورشة البحرين هو الرفع من مستوى عيش المواطن الفلسطيني العادي، من خلال حشد الدعم لإيجاد سبل جديدة للوصول لهذا المبتغى» وأن «المؤتمر سيشكل فرصة لطرح جزء من الخطة الاقتصادية على الحاضرين والاستماع لردودهم للتعامل معها»، لافتاً إلى أن «واشنطن قامت بدراسة عميقة ومتأنية للقضايا السياسية الفلسطينية العالقة، وبالتالي ستعمل على معالجتها بشكل دقيق جداً».
المعلومات تقول أن «البيت الأبيض سيعلن عن القسم الأول من (خطته للسلام) في الشرق الأوسط». وقال البيت الأبيض إن واشنطن ستعقد ورشة اقتصادية في البحرين الشهر الجاري للتشجيع على الاستثمار في الأراضي الفلسطينية. وستجمع عدداً من وزراء المالية بمجموعة من الاقتصاديين البارزين في المنطقة، حيث تحدثت معلومات مؤداها أن وزير الاقتصاد الإسرائيلي موشيه كحلون سيصل إلى المنامة على رأس وفد إسرائيلي لإعلان الخطة.
رد فعل فلسطيني جاء برفض رجال أعمال فلسطينيين كبار، خطط الولايات المتحدة لعقد مؤتمر اقتصادي في البحرين، الذي أصبح بمثابة مقدمة خطة السلام في الشرق الأوسط التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ومع مناشدة واشنطن للفلسطينيين والقادة العرب لحضور المؤتمر انضم رجال الأعمال الفلسطينيون إلى السياسيين في القول بأن مطالبهم السياسية يجب تلبيتها في أي خطة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأبدى منظمو استطلاعات الرأي والمحللون الفلسطينيون أيضاً شكوكاً عميقة حول أحدث حلقة في سلسلة جهود السلام الأمريكية الطويلة، والتي يقودها هذه المرة جاريد كوشنر صهر ترامب ومبعوث الشرق الأوسط جيسون غرينبلات.
تقول إسرائيل إنها تتخذ مثل هذه الإجراءات لدواع أمنية. وتساءل البعض كيف تنتظر أن يستثمر الناس في فلسطين إذا كانوا لا يستطيعون الدخول؟ إذا كانوا لا يملكون السيطرة، ولا يتوافر لديهم إطار العمل القانوني، وبيـئة الأعـمال، لحـماية أنشطتـهم؟ إنهم يتخذون جانب إسرائيل، على الصعيد السياسي، ويريدون التحدث معهم في القضايا الاقتصادية حسب. لكن ذلك ليس مساراً صحيحاً.
في النهاية فهي واحدة من المحاولات الأمريكية المتكررة التي تسعى إلى تكريس الوجود الصهيوني في فلسطين والوطن العربي، وتصفية القضية الفلسطينية تصفية نهائية. وتكشف هذه الدعوة المشبوهة الفهم الغربي المعكوس لواحدة من آخر قضايا التحرر الوطني في العالم، أو تصويرها كقضية اقتصادية ومالية تنحصر في جمع المليارات من الدولارات. نعم ستتم من خلالها رشوة الشعب الفلسطيني والدول المعنية بالصراع للتنازل عن حقوق وطنية وقومية ودينية وإن لم تسقط بتقادم الزمن.
كاتب وباحث في تاريخ العلاقات الدولية والسياسة الخارجية
صدقت بورك قلمك دكتور
الكاتبة المتألقة ربى شاهين
هي حقائق وجب التنويه
ليبقى كل والتقدير والتقدير والاحترام المتبادل
تحياتي لكم سفيرة