برعاية سعودية فرنسية ينعقد في مقر الأمم المتحدة بين 17 و20 يونيو الحالي مؤتمر دولي رفيع المستوى لإنقاذ ما يسمى «حل الدولتين» بعنوان، «المؤتمر الدولي رفيع المستوى للتسوية السلمية للقضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين، نيويورك، يونيو 2025»، في وقت تتعرض فيه غزة لحرب إبادة لم يشهد التاريخ الحديث مثلها منذ الحرب العالمية الثانية، كماً ونوعا وبشاعة، تبث على الهواء مباشرة، بمشاركة عدد كبير من قوى الظلم والاستكبار والهيمنة والعنصرية، الاستعمار القديم والجديد والدول الوظيفية في المنطقة العربية. وبانعقاد المؤتمر يكون قد مرّ على حرب الإبادة 619 يوما سقط فيها نحو 250 ألفاً بين قتيل وجريح ومفقود، بالإضافة إلى تدمير جميع المعالم المدنية والمباني السكنية والمؤسسات الصحية والتعليمية في القطاع بنسبة 92%.
يؤكد القائمون على المؤتمر والأمين العام للأمم المتحدة والعديد من الدبلوماسيين وأعضاء المجموعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والسفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة، أن هذا المؤتمر سيكون مختلفا تماما عن المؤتمرات السابقة. وهذه أهداف المؤتمر كما وردت في الوثيقة: «يهدف المؤتمر الدولي رفيع المستوى إلى الدفع قدماً وبشكل عاجل بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بقضية فلسطين وحل الدولتين، من أجل تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، يتمثل هدفه الرئيسي في تحديد الإجراءات اللازمة التي يتعين على جميع الجهات الفاعلة المعنية اتخاذها لتحقيق هذا الهدف، وتعبئة الجهود والموارد اللازمة على وجه السرعة لتحقيقه، من خلال التزامات ملموسة ومحددة زمنياً».
ومن هذا المنطلق، يوفر المؤتمر منبراً للمجتمع الدولي، ليس فقط لتأكيد دعمه للتسوية السلمية لقضية فلسطين وحل الدولتين، بل أيضاً، والأهم من ذلك، لتخطيط وتنسيق سبل ووسائل تنفيذ هذا الحل. ويهدف المؤتمر إلى المساعدة في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة، التي تعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومرجعية مدريد ومبادرة السلام العربية.
المؤتمر المصحوب بجعجعة أكبر لن يكون مصيره أفضل من سوابقه.. فالحق الذي لا تدعمه القوة سيظل أمنيات وتوسلات ومراهنات ودموع
ولكن المتمحص في وثيقة المؤتمر، التي أعدت سلفا تحت عنوان «المذكرة المفاهيمية» يجد ثقوبا كثيرة وعورات واضحة، تحمل عددا من التنازلات توافق عليها الجانبان الفرنسي والسعودي. تبدأ المذكرة المفاهيمية بالإشارة إلى تزايد «ترسخ الاحتلال وتكرار العنف والإرهاب وانهيار مفاوضات السلام وعلى خلفية هجمات 7 أكتوبر والحرب على غزة… وصولا إلى معاناة هائلة للمدنيين من كلا الجانبين، بمن فيهم الرهائن وعائلاتهم والسكان المدنيون في غزة».
– هنا نلاحظ أن وضع العنف (أي حروب إسرائيل المتكررة توصف بأنها عنف) مقابل ما سموه بالإرهاب (أي المقاومة الفلسطينية). ولا نعرف أن هناك مقاومة ضد الاحتلال الأجنبي والاستعمار والهيمنة الخارجية تسمى إرهابا، إلا في الحالة الفلسطينية. إذن تتبنى الدول الراعية للمؤتمر اللغة الإسرائيلية في وصف أي عمل مقاوم بأنه إرهاب.
– كما تساوي الورقة بين معاناة المدنيين من الجانبين بالمستوى نفسه، أي أن لجوء الإسرائيليين إلى الملاجئ خوفا من مقذوفات لا تضر ولا تدمر مثل تجريف كل قطاع غزة وهدم مخيمات الضفة الغربية وعنف المستوطنين. القائمون على المؤتمر يساوون بين ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قتل وتدمير وتهجير وتجويع واستيلاء على الأرض واقتحامات، بمعاناة الإسرائيليين. والأدهى وأمر من ذلك أن القائمين على المؤتمر أبدوا تعاطفهم مع الرهائن الإسرائيليين وعائلاتهم فقط. أما العشرة آلاف فلسطيني المحتجزون والمخطوفون من بيوتهم ومستشفياتهم، بمن فيهم الأطفال والنساء، فلا ذكر لهم ناهيك عن عائلاتهم. يبدو أنهم لم يسمعوا بمعتقل «غوانتانامو» الإسرائيلي المسمى «سدي تيمان»، الذي شهد انتهاكات لحقوق المعتقلين، بما فيها الاغتصاب الموثق بالفيديو.
– لا تشير الوثيقة إلى الإبادة الجماعية، والفصل العنصري، والتطهير العرقي، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية والتجويع، وما إلى ذلك. على سبيل المثال، تستخدم صياغة مثل هذه في الصفحة الثانية: «منذ اللحظات الأولى لموجة العنف الحالية». إذن ما يحدث من إبادة جماعية في غزة، لا يتعدى كونه موجة عنف لا نعرف أسبابها ولا من بدأها ولا من شارك فيها ولا من دمر بيته ومدرسته ومستشفاه وعيادته. موجة عنف!! فهل هذا هو الوصف الدقيق لما يجري في غزة، وعلى أرض غزة مستهدفا شعب غزة بكامله؟ وهل هذا ما يصف أعمال وأقوال سموتريتش وبن غفير وكاتس وكبيرهم نتنياهو؟
– غاب عن المذكرة المفاهيمية عدد من قرارات الجمعية العامة المهمة مثل ES-10/23 الصادر في مايو 2024، والمتعلق، من بين أمور أخرى، بأحكام محكمة العدل الدولية، ولا إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ES-10/24 الصادر في سبتمبر 2024، الذي يدعو إسرائيل، في غضون 12 شهرا، إلى الانسحاب الكامل لقواتها المحتلة من الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما يشير القرار ES-10/24 إلى إمكانية اللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ضد إسرائيل، ما قد يؤدي إلى فرض عقوبات عليها، وتعليق عضويتها في الأمم المتحدة وإنشاء بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة لحماية الفلسطينيين وضمان تدفق المساعدات الإنسانية.
في الواقع، كل فقرة من فقرات المذكرة المفاهيمية معيبة ومضللة، على سبيل المثال الإشارة إلى «الخطة العربية» التي تدعمها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. وفيما يتعلق بالمجموعة العربية، نُذكّر بأن ست دول عربية طبّعت علاقاتها مع إسرائيل بدرجة ولم تقطع علاقاتها، أو تستدعي سفراءها، أو تُغلق سفاراتها. فلو كانوا وسطاء سلام صادقين، لكانوا قدوة لبقية العالم بقطع علاقاتهم. وفي الصفحة الثانية، يُنسب الفضل إلى مصر وقطر، إلى جانب الولايات المتحدة، في «دور رئيسي في التفاوض على وقف إطلاق النار في غزة». وكما نعلم، لا يوجد وقف لإطلاق النار في غزة، وتتسارع وتيرة الإبادة الجماعية بسبب الجوع ومنع المساعدات الإنسانية. كيف يمكن توجيه الشكر للولايات المتحدة المتواطئة مع إسرائيل في الإبادة الجماعية، تمويلا وتسليحا وتستخدم الفيتو مرارا لإعطاء إسرائيل الغطاء لاستكمال جرائمها؟
يمكنني أن أطيل الحديث حول عيوب المذكرة المفاهيمية، التي قدمتها فرنسا والمملكة العربية السعودية وأؤكد أنها بالغة الخطورة وتحتوي من الإشارات والمفردات والمصطلحات ما يقلب الحق باطلا ويساوي بين الجلاد والضحية.
سيعتمد المؤتمر وثيقة ختامية عملية بعنوان «التسوية السلمية لقضية فلسطين وتنفيذ حل الدولتين»، لرسم مسار عاجل لا رجعة فيه نحو التسوية السلمية لقضية فلسطين، وتنفيذ حل الدولتين. وفي هذا الصدد، يُتوقع من الدول في بياناتها، سواء في الجلسات العامة، أو حول الموائد المستديرة ذات الصلة، أن تسلط الضوء على الإجراءات التي ترغب في اتخاذها، بشكل فردي أو جماعي، وفاءً بالتزاماتها ودعماً للإجماع الدولي بشأن التسوية السلمية لقضية فلسطين وحل الدولتين، وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
أريد أن أذكّر فقط بأن الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش الابن، عقد مؤتمرا دوليا يوم 27 نوفمبر 2007 في مدينة أنابوليس بولاية ميرلاند بحضور 40 دولة ومشاركة محمود عباس وإيهود أولمرت، وصدر عنه بيان قوي يدعو لبدء التفاوض فورا على الحل النهائي القائم على فكرة الدولتين، ووقف الاستيطان والاعتراف بدولة فلسطين والتطبيع العربي مع إسرائيل. وذهب المؤتمر طيّ النسيان ولا أحد يذكره. ثم دعا الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا هولاند في 14 يناير عام 2017 إلى مؤتمر دولي شارك فيه أكثر من 70 دولة. ولم تدع إسرائيل ولا فلسطين إلى المؤتمر. وأقر المؤتمر فكرة الدولتين اللتين تعيشان بأمن وسلام جنبا إلى جنب. ومضى المؤتمر وطويت صفحاته.
وفي رأيي أن هذا المؤتمر المصحوب بجعجعة أكبر لن يكون مصيره أفضل من سوابقه. فالحق الذي لا تدعمه القوة سيظل أمنيات وتوسلات ومراهنات ودموع.
كاتب فلسطيني
ههه بل حل الكذبتين منذ 1948 وهم يمنون الفلسطينيين بدولة فلسطين، ولكن حتى الآن عصابة تل أبيب تقضم الضفة الغربية مخيم جنين ونابلس و بلاطة والبقية على الطريق يا رفيق وسحقا للبعبع الصهيو أمريكي الغربي الحاقد على الفلسطينيين منذ 1948 ✌️🇵🇸☹️☝️🔥🐒🚀
جملة في الصميم دكتور عبد الحميد “فالحق الذي لا تدعمه القوة سيظل أمنيات وتوسلات ومراهنات ودموع”. لا يمكن ارجاع الاوطان بالمؤتمرات، فما بالك اذا كان المؤتمر بسقوف هابطة ولا يحظى باجماع ولا يؤمل منه خيرا، بل يمهد ربما لموجة تطبيع جديد تحت ستار كثيف من دخان اكاذيب حول حراك دبلوماسي وسياسي واسع. هذا المؤتمر لا يقارن مع مؤتمر مدريد من حيث المشاركة والزخم الدولي وحتى من حيث تماسك الموقف العربي، ومع ذلك اندثر مؤتمر مدريد واندثرت اثاره ولا يذكره احد بالخير ابدا، فقد مهد الطريق لمعاهدات واتفاقيات استفادت منها اسرائيل، واخذت منها ما تريد وداست على الباقي باقدامها. لن يكون مصير هذا المؤتمر بافضل من المؤتمرات التي سبقته.
هناك بعض الحقائق غير واضحة المعالم .. فالقضية الفلسطينية قضية عادلة بالنسبة للشعب الفلسطيني و الشعوب العربية ،لكنها ليست قضية عادلة لبعض الأنظمة العربية ذات العناصر الحاكمة المدسوسة ، و ليست قضية عادلة أيضاً بالنسبة للأنظمة الغربية التي تتميز بإزدواجية المعايير لأنهم يعتبرون أن القضية الفلسطينية قضية مساومة سياسية و ورقة ضغط تمارسها على الإدارة الأمريكية للحصول على مكاسب معينة تتجدد مع مرور الزمن قد تكون إقتصادية أو عسكرية أو سياسية .. لهذا السبب تسارع الدول الغربية إلى وضع كل ثقلها في الجانب المعاكس كلما ظهرت ملامح تدل على قرب حلحلة الأزمة و حسم الموقف لصالح طرف واحد ، المختصر المفيد أنها تريد أن تبقى القضية الفلسطينية محل تجاذب بين إسرائيل و فلسطين بدون حل إلى الأبد .. و الأدلة على ذلك لا حصر لها .. من بينها قصة تفاصيل دخول فرنسا إلى النادي النووي بعد تفجيراتها المرعبة في الجزائر ، و تتعد المبررات من أجل الوصول إلى نفس الهدف .
و شكراً للأستاذ على التحليل و التفصيل و التمحيص .
,,,,,أول عيوب المؤتمر أن كل من فرنسا والسعوديو الحالية تتبناه…..ثاني العيوب أنه المقر في نيويورك……ثالث العيوب لا علاقة له بوقف مجازر الصهاينة……بعيدعن الواقع….
شكراً أخي عبد الحميد صيام. برأيي من الأولى أن ننظر جيداً قوتنا في الدفاع عن حقوقنا لكي يسمعنا العالم ويشاركنا في الحصول عليها. فكل العيوب برأيي تعود في أولها إلى عيب الدول العربية في عجزها وصمتها، حيث أنها تستطيع مثلاً بقرار جماعي وقف التطبيع مع حكومة الإحتلال الفاشية المتطرفة للضغط على نتنياهو المجرم الفاشي الفاسد المطلوب للمحكمة الدولية لوقف حرب الإبادة والإجرام الوحشي والتجويع والتهجير والتطهير العرقي الذي يقومون به، وهذا سيدفع العالم للقيام بخطوات أقوى بل سيعطي الداخل الإسرائيلي زخماً للخلص من هذه الحكومة الفاشية المتطرفة. ولكم الله ياشعب فلسطين.
اخي العزيز عبد الحميد حفظه اللهو عزة ذخرا للعروبة والإسلام
بعد التحية وبعد قرائت مقالك المهم الذي يكشف عورات مؤتمرات القمة حول الدولة الفلسطينية
اود ان احيي فيك الهتمام والاستمرار عل وعسى يأتي يوم تنال فيه قضيتنا العادلة حلا عادلا ، هذه واحدة اماً النقطة الثانية التي اود ان أضيفها هي ضعفنا الثقافي والسياسي لفهم ليس فقط ما يخطط لنا بل ما ينفذ علينا وكاننا غير موجودين لا ناقة لنا ولا جمل في هذه الدنينا
وفي الختام اتمى ان لا تيأس ولا تكفر لان الله معنا ، وهو يمهل ولا يهمل ،وهذا اليقين هو الذي دفع اهلنا في غزة إلى الصمود وعدم الانكسار كما يتوقع الجبناء ،
واصبروا وصابروا ان الله مع الصابرين
يا للعار! هل ممكن أن ننتظر شيء من هذا الاجتماع سوى عطاء المحتل الصهيونى ما تبقى من فلسطين! هل نسي العالم كل القرارات التي اتخذتها هيئة الأمم ولم تجدي شيئا! ألم نسمع مرارا وتكرارا ان حل الدولتين لم يعد ممكنا! اجدى بهم آن يجتمعوا لفك الحصار على غزه بدل من قرارات لا فائدة منها!