بعد إطلاق الإنكليز ما يسمى الشرق الأوسط في القرن التاسع عشر، لم تك تسمية بريئة على الإطلاق، لأن من يتحكم أو يحكم هذه المنطقة يعد من الامبراطوريات وشرطها، لذلك كانت الاستراتيجية الاستعمارية العالمية، خلق كيان يفصل الوطن العربي إلى شقين منعاً من التقارب والوحدة، وإمعاناً بتذكية الفتن والحروب، حتى تبقى المنطقة مشتعلة على الدوام.
إسرائيل في المؤتمر!
في العاصمة البولندية وارسو انعقدت فعاليات المؤتمر الذي دعت إليه الولايات المتحدة الأمريكية لتشجيع الأمن والسلام في الشرق الأوسط، وذلك يوم الأربعاء فبراير/ شباط 13/2/2019 والعنوان الأبرز لهذا المؤتمر – التصدي لتحركات إيران في المنطقة -، مع حيز هامش صغير للحديث عن الصراع العربي – الإسرائيلي، والمفارقة العجيبة دعوة الكيان الصهيوني للحضور والمشاركة، وغياب السلطة الفلسطينية صاحبة القضية.
سارعت إسرائيل إلى المشاركة، حيث لا يمكنها تفويت فرصة مناسبة كهذه لصرف انتباه العالم عن الممارسات الإجرامـية التي تتـبعها بـحق الفلـسطينيين من قتل شبه يومي، وزحف المستوطنات الـسرطانية في الجسم الفلسطيني والمضايقات اليـومية للسـكان الأصليين في القدس وبعض المـدن التي تسعى لتهويدها، وبشـكل خاص لرئيــس العـدو الصـهيوني بنيامين نتنياهو الذي تلاحقه عـدة قـضايا فساد وغيرها.
وعلى هامش أعمال المؤتمر، التقى نتنياهو، وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي. وقال بيان صادر عن الحكومة الإسرائيلية إن نتنياهو قال لابن علوي إنه مسرور لرؤيته مرة ثانية، مضيفاً «القرار الجريء للسلطان قابوس بن سعيد بدعوتي إلى عُمان». ونقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» عن بن علوي قوله لنتنياهو إن هناك عصراً جديداً في الشرق الأوسط.
استغلال نتنياهو لمؤتمر وارسو، ضرورة قصوى تعتبرها إسرائيل بالعطاء الإلهي لها، وذلك للتأكد من قبول معظم العالم وبعض العرب بمشاركتها بأي مؤتمر أو أي فعالية، كدولة شرعية تستطيع مشاركة بقية العالم لحل المشكلات والخلافات الدولية، وذلك بعد أن كانت أكبر موضوع تجتمع دول العالم لإدانة جرائمها وممارساتها العدوانية، وطي القرارات الصادرة بحقها في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وعدم التزامها بالقوانين.
يقول سفير بريطانيا السابق لدى لبنان، توم فليتشر، إنَّ ما يميِّز الدبلوماسية العالمية في هذا العصر، هو التأثير الذي تتركه الدول الأكثر ضعفاً، وليست الأكثر قوة. فإن قوة روسيا اليوم لا تقارن بقوة الاتحاد السوفييتي، الذي كان يضم خمسَ عشرة جمهورية. والولايات المتحدة التي لا تزال القوة الأكبر عسكرياً ومادياً، تندفع في مكانٍ وتتراجع في آخر. وأما أوروبا، تلك القارة الكبرى، فهي الآن في حالة شديدة من الضعف، تخاف على وحدتها من الوباء الإنكليزي المعروف باسم «بريكست«.
يقول فليتشر إن هذا العصر هو عصر «عدم الثقة المتبادل». وهذا بالذات ما يزيد الغموض في العلاقات الدولية. وبن علوي يقول لنتنياهو هناك عصراً جديداً في الشرق الأوسط، هل تم اختزال العالم بالشرق الأوسط، واتفاق الدول الاستعمارية على بقائه على ما هو؟ أما عداه فيمكن إيجاد الحلول بالتنافس وسباق التسلح وعودة الحرب الباردة.
نتائج المؤتمر بشكل ملموس
مؤتمر وارسو كرّس مفهوم القبول الإسرائيلي عند العرب، واحتفالات الكيان الصهيوني بهذا الإنجاز يمكن رصده بوسائل إعلامه المتنوعة، فواشنطن أثبتت عجزها عن توقيف الطموحات النووية الإيرانية، وهي ماضية بالتحالفات والدعوة للمؤتمرات كسياسة جديدة أو مناورة تحاول أن تخيف إيران وردعها.
الفرنسيون يصفون سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط باللغز، لا يمكن معرفة طلاسمه وتناقضاته، وبالتالي فإن العصر الجديد للشرق الأوسط لا يبشر بخير، فوثبة ترامب عـلى سياسة أسلافه من الرؤساء مستمرة، وإدخال العالم في المتاهات بالصفقـات السرية والنوايا الخبيثة التي تنتظر الشرق الأوسـط، فعدو واشنطن وإسرائيل، الدول التي ترفـض نهجهمــا الاستسـلامي.. لذلك يعد مؤتمـر وارسـو – مؤتمر تعويم إسرائيل – وقبولها على المستوى الدولي، ونتنياهو يحمل الكـثير من الامتنان والعرفان للدول التي شاركت والتي أخذت صورة تذكارية، فهذه الخدمة المجانية لدولة لا تزال تختـرق القوانين وتمـارس أبـشع المجازر بحق الفلسـطينيين على مرأى ومسمع العالم، والأيام المقبلة حافلة بالمؤتمرات التي ستوضح العلاقة مع الكيان الصهيوني وتبادل التحيات والمصافحـة ودق كـؤوس.
وزير الخارجية اليمني خالد اليـماني، جلس جنباً لجنب مع نتنياهو، وتبادلا التحية والابتسامات، وبعدها يقول إنه خطأ بروتوكولي من الدولة المنظمة. لمـاذا لم ترفض الجلوس من أصله؟ وهـل الـدولة البولـندية جاهـلة بالعـلاقات الدوليـة حتى أخطـأت؟ أم أنه منـاخ أو عصـر جـديد على حـد قول بـن علـوي؟.
عجز الولايات المتحدة وحلفائها
اعتبر وزراء العرب المشاركون في المؤتمر، مواجهة إيران أولوية تسبق أولوية القضية الفلسطينية، وكأنهم وقبل هذا المؤتمر المشؤوم قاموا بما يتوجب عليهم تجاه القضية التي لا تزال عصية عن الحل، والأنكى والأمر هو استمرار الكيان الصهيوني بسياسة قضم الأراضي الفلسطينية، والعمل على تهويد القدس بأكملها استباقاً لأي محاولة جادة لإيجاد صيغة تنصف المقدسيين.
واشنطن وحلفاؤها عاجزون تماماً أمام طموحات الجمهورية الإسلامية إيران النووية والصاروخية، وبالتالي لو كانوا يستطيعون فعل شيء لما حشدوا سبعين دولة تحت سقف واحد، والتجربة العراقية لا تزال في الأذهان، عندما قررت واشنطن ولندن وباريس والكيان الصهيوني القضاء على نظام صدام حسين، كانت القرارات ارتجالية بعيدة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وإقرار رئيس وزراء بريطانية آنذاك توني بلير بعدم شرعية الهجوم البربري على العراق وتقديمه الاعتذار للشعب العربي العراقي.
طهران لا تزال لاعباً رئيسياً بالمنطقة، ووزير خارجيتها محمد جواد ظريف يتجول بين العواصم العربية والدولية، ويلقى استقبالاً كالمعتاد، وما يسمونه في إعلامهم عن ميليشيات إيران من جماعة أنصار الله في اليمن، و«حـزب الله» في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وتحالفه القوي مع الدولة السورية ويطلقون عليه، السيطرة على أربع عواصم عربية، لا يزال قوياً ويمتلك المبادرة في كل حين ومستجد.
عصر القوة
العصر الجديد للشرق الأوسط، هو عصر القوة والإمكانات والعلاقات الدولية الناجحة التي تعتمد على عنصر القوة والإرادة الذي يفهمه العدو الصهيو- أمريكي؛ العصر الجديد الذي يستنكر وجود إسرائيل بأي محفل؛ ويرغب بمحاسبتها بمحكمة العدل الدولية في / لاهاي / بسبب عنصريتها وجرائمها التي تندى لها الجبين.
تحاول دولة الكيان، أن تسوق لهذا المؤتمر، وتحاول خداع الرأي العام العالمي أن إسرائيل حمامة السلام، وأن إيران راعية الإرهاب الأول في العالم، وبالتالي لا يمكن تصديقهم فهم يكذبون على شعوبهم، ويتجاهلون الحقائق التي ستتراكم مع الأيام وتنفجر في مدنهم وقراهم وساعتئذ لن تنفعهم الصور التذكارية مع المرتجفين، وكما قال الجنرال الأمريكي نورساند : «قرأت في عيون الفيتناميين العبارة التالية، سترحلون وسنبقى».
كاتب فلسطيني