أطفال فلسطينيون يحملون أوعية بلاستيكية عبر شارع مغمور بالمياه. جباليا شمال القطاع. 5 فبراير 2025. ا ف ب
غزة- “القدس العربي”: أمام خيمتها البسيطة في مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، تجلس أم رضوان (33 عامًا)، أمام وعاء كبير يحوي القليل من المياه التي تمكّنت من جمعها بشق النفس، بعد قرار الاحتلال الإسرائيلي بقطع الكهرباء عن محطة تحلية المياه الرئيسية في قطاع غزة.
تحاول المواطنة الفلسطينية غسل الملابس، بينما تتساقط منها قطرات العرق الممزوجة بالإرهاق واليأس. تتحدث بصوتٍ مخنوق، مجاهدة أن تجعله ثابتًا رغم الألم: “والله نُقاتل أمام سيارات البلدية أو أبواب محطة التحلية من أجل تعبئة جالون مياه. الوضع هنا سيئ، نحن هنا متعبون كثيرًا بشكل يفوق الوصف”.
أم رضوان: نُقاتل أمام سيارات البلدية أو أبواب محطة التحلية من أجل تعبئة جالون مياه. الوضع هنا سيئ، نحن هنا متعبون كثيرًا بشكل يفوق الوصف
تستمر أم رضوان في وصف وضعهم المأساوي قائلة لـ”القدس العربي”: “الأطفال يبكون من العطش، وأنا لا أملك لهم شيئًا سوى الصبر والدعاء”.
وتزيد: “كنا نمشي بدون شباشب أو أحذية، واليوم تتفاقم معاناتنا مع الكهرباء والمياه، حياتنا هنا عند نقطة الصفر”.
تضطر العائلة للتنقل بشكل يومي بين سيارات البلدية ومصادر المياه القليلة المتاحة في محاولة مستميتة للحصول على بضعة لترات من الماء تروي ظمأهم وتساعدهم على الاستمرار.
تحكي أم رضوان كيف يواجهون ليالي مظلمة وباردة دون ماء أو كهرباء، فهم غير قادرين على شراء المياه المعبأة من الأسواق: “المياه أزمتنا الكبيرة حتى قبل الحرب، وها نحن بعد الحرب نواجه شحًا شديدًا في المياه الحلوة، ونحن أسرة بسيطة لا نستطيع شراء المياه المعبأة، وكل ما نستطيع فعله هو شرب المياه المالحة وانتظار قضاء الله”.
تفاقمت أزمة المياه في قطاع غزة بعد قرار الاحتلال بقطع الكهرباء عن محطة التحلية الرئيسية في دير البلح، ما أثّر على حياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين.
منذ حرب السابع من تشرين الأول/أكتوبر وما بعدها، كانت مئات الأسر تضطر إلى السير لمسافات طويلة للحصول على القليل من المياه النظيفة. الآن، ومع انقطاع الكهرباء، ازدادت معاناتهم وأصبحوا مهددين بالموت عطشًا أو الإصابة بالأمراض الناجمة عن شرب المياه الملوثة.
ومنذ عام 2017، كانت محطة التحلية في دير البلح، التي أنشئت بتمويل من الاتحاد الأوروبي توفّر مصدرًا رئيسيًا للمياه النقية لنحو نصف مليون فلسطيني في جنوب ووسط قطاع غزة. إلا أن الاحتلال قرر إنهاء هذا المصدر الحيوي بذريعة إنهاء وجود “حماس” في القطاع، وفقًا لتصريحات وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين.
هذا القرار خفّض من إنتاجية المياه النقية، التي يستفيد منها 600 ألف مواطن فلسطيني في وسط وجنوب قطاع غزة.
يقول أحمد الرباعي، مدير محطة تحلية المياه في دير البلح: “هذه المحطة قدرتها الإنتاجية في ظل وجود الكهرباء 18 ألف متر مكعب في اليوم. في ظل انقطاع التيار الكهربائي والعمل على المولدات، تنخفض القدرة الإنتاجية إلى 2000 متر مكعب في اليوم في أفضل الأحوال”.
مدير محطة تحلية: المحطة قدرتها الإنتاجية في ظل وجود الكهرباء 18 ألف متر مكعب في اليوم. في ظل انقطاع الكهرباء والعمل على المولدات، تنخفض القدرة الإنتاجية إلى 2000 متر مكعب
ويضيف الرباعي لـ”القدس العربي”: “سنواجه نقصًا حادًا في المياه الصالحة للشرب بنسبة تقرب بين 75% و80%. اليوم، وفي ظل الظروف الحالية والانخفاض الشديد في كمية المياه المنتجة، سيقل عدد المواطنين الذين تصلهم المياه إلى أقل من 100 ألف مواطن فقط. هذا للأسف وضع كارثي بكل معنى الكلمة”.
أصبح الحصول على المياه في غزة ترفًا بعيد المنال مع استمرار الحرب والحصار. يحاول البعض النجاة بحفر آبار صغيرة بالقرب من البحر، بينما يعتمد آخرون على مياه الصنبور المالحة المتدفقة من الخزان الجوفي الوحيد في القطاع، وهو خزان تتداخل مياهه مع مياه الصرف الصحي ومياه البحر، ما يجعله غير صالح للشرب.
وتقدر سلطة المياه الفلسطينية تكلفة إصلاح قطاعي المياه والصرف الصحي بنحو 2.7 مليار دولار، في ظل معاناة مزمنة من أزمة المياه حتى قبل الحرب. كان الغزيون يعانون من نقص حاد في المياه الصالحة للشرب، بالإضافة إلى انعدام الغذاء والوقود والعقاقير، ما فاقم من الأزمة الإنسانية.
ووفقًا لبيان سلطة المياه الفلسطينية، خرج 208 آبار من أصل 306 عن الخدمة بشكل كامل خلال الحرب، بينما تضررت 39 بئرًا أخرى جزئيًا.
وأشار رئيس بلدية بيت لاهيا، علاء العطار، إلى وجود عجز كبير بسبب منع الاحتلال دخول الحفارات والمعدات والمولدات اللازمة لتشغيل وحفر الآبار.
ويقول لـ”القدس العربي”: “هناك شركات بسيطة تحاول إصلاح الآبار، لكن إمكانياتها محدودة ولا تتناسب مع معايير العمل المطلوبة. نحن نحاول التخفيف من هذه الأزمة ببناء آبار جديدة، لكن المعاناة لا تزال مستمرة”.
ولا يستطيع النازحون العائدون إلى شمال قطاع غزة القدوم إلى مدينة دير البلح من أجل تعبئة المياه من محطة التحلية الرئيسية، لذا يعتمد بعضهم في توفير المياه على تعبئة المياه من سيارات البلدية التي تأتي إلى شمال القطاع على فترات متباعدة، ويلجأ البعض الآخر إلى شرب مياه غير نقية من الآبار التي ما زالت تعمل، ما يصيبهم بالأمراض خاصة الفشل الكلوي.
يقول الطفل سعد علي (12 عامًا) من بيت لاهيا، إنه يضطر إلى سحب عربة صغيرة لمسافة 3 أو 4 كيلومترات؛ لغرض تعبئة المياه من عربة توزيع المياه الخاصة بالبلدية، والتي تأتي إلى شمال القطاع كل 3 أيام أو أكثر.
ويضيف لـ”القدس العربي”: “جرفوا المناطق ودمّروا الديار ودمّروا الدنيا وخطوط المياه، الاحتلال دمرها من الأرض، صرنا نروح نمشي ثلاثة كيلو وأربعة كيلو متر لنعبي مياه”.
وقدرت تقارير رسمية وأخرى حقوقية عدد مرضى الفشل الكلوي قبل العدوان الأخير على قطاع غزة بنحو 1100 إلى 1500 مريض. وبالقطع ازداد هذا الرقم بعد أكثر من عام وربع العام من العدوان، وفقًا لمنير البرش، مدير عام وزارة الصحة في قطاع غزة، الذي أكد أن الاحتلال دمر 7 مراكز طبية يتلقى فيها مرضى الفشل الكلوي العلاج.
طفل من بيت لاهيا: جرفوا المناطق ودمّروا الديار ودمّروا الدنيا وخطوط المياه، الاحتلال دمرها من الأرض، صرنا نروح نمشي ثلاثة كيلو وأربعة كيلو متر لنعبي مياه
وأشار مسؤول وزارة الصحة لـ”القدس العربي” إلى أن الظروف غير الإنسانية التي فرضها الاحتلال على القطاع تسببت في مضاعفات صحية خطيرة لمرضى الفشل الكلوي، أبرزها انتفاخ الجسد بسبب تراكم السموم أو الموت في أسوأ الظروف.
أصيبت مريم عبد الرحمن، 56 عامًا، من بيت حانون، بمرض الفشل الكلوي، بسبب شرب المياه المالحة غير النظيفة.
تقول: “أخضع لجلسات الغسيل الكلوي 4 مرات أسبوعيًا. أنا مرهقة جدًا بسبب الأوضاع غير الآدمية في قطاع غزة. الاحتلال يضغط علينا ويحرمنا أبسط حقوقنا في الحياة”.
وتوضح لـ”القدس العربي”: “مرضى الفشل الكلوي في غزة يموتون بالبطيء، لا أكل ولا شرب. المياه الملوثة هذه تزيد وضعي سوءًا. نفخت جسمي نفخ. ولا أقدر على شراء المياه المعبأة باهظة الثمن”.
وبينما يستمر الاحتلال الإسرائيلي في سياساته التدميرية ضد الشعب الفلسطيني في غزة، يبقى الماء حلمًا بعيد المنال لمئات الآلاف من البشر. معاناة الغزيين المستمرة ليست مجرد أزمة إنسانية عابرة، بل هي نتيجة سياسات ممنهجة تهدف إلى حرمانهم من أبسط حقوقهم في الحياة.
للأسف الشديد الأسواء لازال في الطريق عندما تستأنف إسرائيل الحرب على نطاق أشد من ذي قبل..!!
ومع ذلك لا أحد يستطيع أن يوقف جرائم عصابة الشر الصهيونية امريكية البريطانية الألمانية الغربية الحاقدة على الفلسطينيين منذ 1948
كل العالم يتفرج ولا يحرك ساكنا ضد هذه الحثالة المتغطرسة
لكم الله يا أهل غزة والله لأنتم خير من بقي فوق الأرض علمتم البشرية الصبر والثبات على الحق والتضحية وكل خصال الخير.