ماذا بعد تعزية تبون لمحمد السادس؟

حجم الخط
24

هل يمكن للرسالة التي بعثها الرئيس الجزائري قبل أيام إلى العاهل المغربي بمناسبة وفاة والدته، أن تلطف قليلا من الأجواء الملتهبة والمشحونة بين العاصمتين المغاربيتين؟ من المؤكد أنها تحمل إشارة إيجابية في ذلك الاتجاه، لكن هل ستفتح بالضرورة آمالا عريضة أمام الشعبين، وتشكل نقطة انطلاق نحو إعادة المياه، ولو تدريجيا، إلى مجاريها بين بلديهما؟
لا شك في أن قليلين جدا من يعتقدون ذلك، وعلى الأرجح فإن العهدة الرئاسية الأولى للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ستنقضي قريبا، من دون أن يطرأ أي تغيير دراماتيكي، أو جذري على علاقات بلاده بالرباط. وفيما يستعد عبد المجيد تبون لخوض غمار عهدة رئاسية ثانية، فإنه وفي الوقت الذي التقى فيه في عهدته الأولى عدة قادة من الشرق والغرب، لم يقابل أبدا نظيره المغربي الملك محمد السادس، ولو مرة واحدة، حتى من قبل أن تتدهور العلاقات بين الجارتين وتصل حد القطيعة الدبلوماسية. فضلا عن ذلك فإنهما لم يتحدثا، ولو هاتفيا، مع بعضهما بعضا. أما الاتصالات الرسمية الوحيدة التي كانت تتم بينهما بين الحين والحين، فقد جرت فقط من خلال البرقيات، التي يرسلها أحدهما للآخر غالبا، إما للتهنئة بذكرى، أو مناسبة دينية، أو للتعزية في حدث مؤلم، أو فاجعة حلت بهذا الطرف أو بذاك.

اختيار الرئيس الجزائري، أن يكون من أوائل المعزين في وفاة والدة العاهل المغربي، فتح الباب على مصراعيه أمام شتى التأويلات والفرضيات

وبغض النظر عن أي مبررات قد يسوقها البعض لتلك الحالة، فلا يبدو أنها يمكن أن تكون مقبولة بالمرة، حتى في ظل استفحال الخلافات بينهما حول أكثر من ملف، إذ لم يسبق حتى في ذروة التوتر بين الكوريتين مثلا أن عاش الكوريون الشماليون والجنوبيون وضعا شبيها بما يعيشه المغاربة والجزائريون الآن. ومن المؤكد أن هؤلاء ربما يشكلون في هذا الصدد نوعا من الاستثناء الفريد من نوعه. والسؤال هو ما الذي يقف حاجزا منيعا أمام توسع نطاق الاتصالات بين القيادتين الجزائرية والمغربية، وعدم اقتصارها على تقديم واجب المواساة والعزاء فحسب؟ بالنسبة للبعض ربما يبدو الأمر ملتبسا ومعقدا بعض الشيء، بل حتى سرياليا إلى حد ما، وأشبه ما يكون بشيء نادر وغريب يسيطر على الجانبين، ويجعلهما يفعلان الشيء ونقيضه في وقت واحد، أي يتبادلان عبارات التعاطف والتضامن من جهة، ويمتنعان عن القيام بأي فعل أو جهد من شأنه أن يدفع نحو رفع القطيعة، التي يتبادلان الاتهامات بالتسبب فيها من جهة أخرى. وقد يرى آخرون وعلى العكس من ذلك تماما أن الصورة تلوح واضحة ومفهومة للغاية. فقد وضع الطرفان وباتفاق ضمني بينهما سقفا لمظاهر العداء مقرين بالحاجة للإبقاء على حد أدنى من الشكليات، التي تجعل كل واحد منهما قادرا على أن يتهم الآخر بالمسؤولية عن التقصير، ويبرئ نفسه في المقابل من أي إخلال بالالتزام بالروابط العرقية والدينية والحضارية التي تجمع الشعبين، من دون أن تكون لهما الرغبة الفعلية، أو الإرادة الجادة في المضي قدما نحو معالجة الأسباب العميقة التي تحول دون تحقيق التطبيع الكامل بينهما.
ومن هنا فإن اختيار الرئيس الجزائري، أن يكون من أوائل المعزين في وفاة والدة العاهل المغربي السبت الماضي، فتح الباب على مصراعيه أمام شتى التأويلات والفرضيات. وفي سياق آخر غير السياق الحالي كان يمكن أن يكون التفسير المنطقي والوحيد لتلك الحركة هو أنها أقل واجب قد يقوم به جار مع جاره، كلما أصابته فاجعة، أو ألم به حدث محزن. لكن في ظرف تمر به العلاقة بين البلدين المغاربيين بواحدة من أسوأ فتراتها، فإنها بدت مثيرة للتساؤل حول المغزى الحقيقي من ورائها. ولعل هناك من يقول، وعلى الفور، ألا مجال أبدا للتوسع في التأويل، فلكل مقام مقال، ومن المؤكد أن الرئيس عبد المجيد تبون يفرق جيدا بين الإنساني والسياسي، ولأجل ذلك فإن مواساته ذات الطابع الإنساني البحت، لا يمكن أن تحمّل أكثر مما تحتمل، وتفسر مثلا على أنها إشارة ما إلى بداية تقارب بطيء بين الجارتين، قد تتضح ملامحه في مقبل الأيام. وقد يضيف آخرون أن الأمر ليس جديدا على أي حال، لا على الجزائر التي سبق لها أن قدمت خريف العام الماضي، على الرغم من استمرار القطيعة الدبلوماسية بينها وبين الرباط «صادق تعازيها» في ضحايا الزلزل العنيف، الذي ضرب منطقة الحوز المغربية، وأبدت استعدادها التام لتقديم المساعدات الإنسانية، ووضع كل الإمكانيات المادية والبشرية تضامنا مع الشعب المغربي الشقيق، في حال طلب من المملكة المغربية، مثلما جاء في ذلك الوقت في بيان لرئاستها، ولا على المغرب الذي عبّر في وقت سابق عن تعازيه للجزائر إثر موجة الحرائق التي ضربت بعض مناطقها وعرض عليها المساعدة في مكافحة حرائق الغابات. لكن ألا تبدو التعزية الأخيرة مختلفة عن سابقاتها من حيث الشكل؟ لقد فضل الجزائريون في كارثة الزلزال التي ضربت الخريف الماضي جارتهم الغربية، أن لا يتقدموا بتعازيهم لا إلى ملك المغرب ولا إلى حكومته، واختاروا أن يوجهوها فقط إلى الشعب المغربي، وأوضح بيان خارجيتهم أن الجزائر «تتابع ببالغ الأسى والحزن تداعيات الزلزال العنيف الذي أصاب عدة مناطق بالمملكة المغربية»، وأنها «تتقدم بخالص التعازي وصادق المواساة لأسر الضحايا والشعب الغربي الشقيق مع خالص التمنيات بالشفاء العاجل للمصابين». وبالطبع لم يحدث ذلك بشكل عفوي أو من دون أن يحمل في طياته موقفا سياسيا ما من النظام المغربي. وهذا قد يكون واحدا من الأسباب التي حملت حينها الرباط على أن لا تتفاعل إيجابيا مع العرض الجزائري بتقديم المساعدة في الكارثة الطبيعية التي حلت بالمغرب.
والان يبدو واضحا أن العبارات التي جاءت في رسالة تبون إلى محمد السادس، خرجت نسبيا عن ذلك السياق. وقد يقول قائل إن ذلك أمر عادي وطبيعي، فالمناسبة هنا تهم العائلة الملكية المغربية بالدرجة الأولى، ولأجل ذلك فإنه من الضروري أن يوجه الرئيس الجزائري تعازيه إلى الملك المغربي وأسرته، لكن ألا يفند ذلك ولو جزئيا ما يروج له كثيرون على أن جوهر المشكل القائم بين البلدين هو أن الاختلاف في طبيعة النظامين يشكل عائقا فعليا أمام أي تقدم في علاقاتهما؟ ألا تدل عبارات تبون على أن التواصل لا يبدو مستحيلا بين النظامين، وأن الأصوات التي ترتفع من حين لآخر، ومن هذا الجانب أو من ذاك لتكريس القطيعة بين الجارتين قد لا تعكس بالضرورة توجهات القيادتين؟
ربما قد يعترض البعض قائلا، وما الذي يمنع إذن من لقائهما معا، سواء في الرباط أو في الجزائر؟ لقد سبق للعاهل المغربي أن قال قبل ثلاث سنوات، وفي أحد خطاباته حول غلق الحدود الجزائرية المغربية «لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق ولا أنا مسؤولون عن قرار الإغلاق. ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا على استمراره، أمام الله وأمام التاريخ وأمام مواطنينا». وربما ينطبق الأمر نفسه على الاجتماع المعلق والمنتظر بينهما.
كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل
    ما الذي يقف حاجزا منيعا أمام توسع نطاق الاتصالات بين القيادتين الجزائرية والمغربية !؟
    العلاقة بين البلدين منذ استقلالهما، لم تخرج قيد أنملة عن التوجس أو القطيعة، لسببين اثنين، لا ثالث لهما. ومن ينكرهما أو يحاول القفز عليهما، هو مؤيد شرس لاستمرار القطيعة والفتنة بين البلدين، لأنهما سبب التنابز في الإعلام والمواقع ومزيد من التباعد.
    السبب الأول: يتعين على المغرب حسمه بكل وضوح هو قضية الحدود، ليس فقط مع الجزائر، بل مع موريتانيا والصحراء الغربية وإسبانيا كذلك، بالخروج من سياسة الضبابية التي ينتهجها، وأصبحت هاجس يتوجس منه كل جيرانه.
    المغرب دستر الضبابية في الفصل 42 من دستوره، وأطلق العنان، إن لم أقل أوعز، لشخصيات رسمية وشبه رسمية، لإثارته بين الحينة والأخرى لإثارته والخوض فيه، رغم أنها من اختصاص الملك بنص الدستور.
    بل أن البيان الختامي لمؤتمر حزب الاستقلال المغربي، المنعقد بمدينة بوزنيقة من 26 إلى 28 الماضي، تضمن ما نصه:
    “ملف الوحدة الترابية لبلادنا لن يُطوى بشكل نهائي إلا باستعادة الثغور المغربية المحتلة كافة إلى حضن الوطن” انتهى الاقتباس.
    وأن مجلس المستشارين بالبرلمان المغربي أسس لجنة يسميها “لجنة الشؤون الخارجية والدفاع والحدود والمناطق المغربية المحتلة“.
    …/…يتبع

    1. يقول غـزاوي:

      …/…تتمة
      السبب الثاني: موضوع التحالفات. كما نعلم هو موضوع سيادي، لكن أن تتحالف مع دول عداواتها للأمة أشد من عداوة الشيطان، وتسعى لتمكينهن من موطئ قدم في المغرب ثم أفريقيا والشرق الأوسط، فهذا المسعى يخرج عن السيادة، بل قد يعتبره البعض إعلان حرب.
      وأذكر من ذاكرنه ضعيفة، أن مناورات الأسد الإفريقي كانت تحاكي الهجوم على الجزائر، وأن المغرب استضاف وزيرا خارجية ودفاع الكيان ليهددا الجزائر، وأن بوريطة في حوار مع ‘فرانس24″ دافع بشراسة على التمكين للكيان في الإتحاد الإفريقي وأن الحسن الثاني دافع على إدماجه في الجامعة العربية. وكذلك يفعل مع فرنسا وأمريكا.
      في مقال نشرته “القدس العربي”، يوم:21/03/2024، تحت عنوان:”ليس دفاعًا عن خديجة بن قنة ولكن! ماذا عن صرخة «أبو زيد» للمغاربة والجزائريين”، جاء فيه على لسان المفكر المغربي أبو زيد الإدريسي، أحد حكماء الأمّة ما نصه:
      «يُراد إشعال حرب خرقاء حمقاء بين المغرب والجزائر»، وبيّن أن وراءها اسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا” انتهى الاقتباس.
      إن توضيح و تعديل المغرب موقفه من النقطتين السالفتين هو السبيل الوحيد لقطه الطريق، وسد الذرائع على كل من يريد استغلال الخلافات بين البلدين من الغرب والعرب لإذكاء نار الفتنة وإشعال حرب الخاسر فيها الشعبين.

    2. يقول الحسن من العيون-المغرب:

      أرى هنا دعوة واضحة للاعتراف بالاحتلال الاسباني لسبتة ومليلية والجزر والتخلي عن المطالبة باسترجاع هذه الأراضي إلى حوزة الوطن وتفضيل اكيد لاستمرار الاحتلال الأوروبي لهذه الأراضي الإسلامية على عودتها إلى أهلها وأصلها..

    3. يقول ابن الوليد. المانيا. (على تويتر ibn_al_walid_1@):

      ما رأيك أن يعترف أن فرنسا عاتت في المنطقة فسادا..
      واقتنطت اراضي من هتا وهناك.. وأخلطت الخرائط
      لظمان صراع طويل الأمد في المنطقة.. والتبعية لها..
      .
      ونحن جميعنا نناهض الاستعمار.. وقد حان الوقت
      لتحديد أثر الاستعمار الفرنسي الغاشم.. بارحاع
      الأمور الى نصابها.. وتبا لفرنسا..
      .
      أليس هذا عين العقل .. لماذا الدفاع على استمرار
      عبث فرنسا بالمنطقة.. وهي مستعمر غاشم..

  2. يقول عبد الله ب.:

    كل الشكر وكل التقدير على المقال الجيد، المحايد، المجرد، النزيه، المقال الذي أراه ابن البيئة (…)، ويمكن نعته – وصاحبه – أيضا كما تقول اللغة المغربية ” ابن الدار “. نسأل الله صادقين أن ييسر الأمور كلها للمغاربة والجزائريين كل أسباب الخروج من حالة الشذوذ هذه، حتى لا أقول حالة الجاهلية المقيتة، نسأل الله جل وعلا العون والسداد أن يوفقنا معا للارتقـــاء بعلاقات بلدينـا نحو التعاون الصادق والتنمية الشاملة المبنيين على حسن الجوار وحسن الظن..

  3. يقول زلاطي بشير:

    القطيعة بين الجزائر و المخزن ليست كالقطيعة بين الكوريتين

  4. يقول حنظلة الفلسطيني:

    اول الغيث وهوـ الخيرـ قطرة

  5. يقول عالية:

    عراقيل عديدة قد تضعها الدولة العميقة في المغرب والجزائر في طريق الرئيس عبد المجيد تبون والعاهل محمد السادس لمنعهما من التغلب على أسباب الخلافات القائمة بين الدولتين والتي في غالبيتها المطلقة مصطنعة ومنفوخ فيها، ويمكن التغلب عليها إن كانت هناك إرادة طيبة ونية حسنة.
    كان الله في عون القائدين. ونتمنى لهما التوفيق في أداء هذه المهمة النبيلة الملقاة على عاتقهما. وظيفة الحكام هي إيجاد الحلول للمشاكل القائمة، وليس استعراضها وتضخيمها للوقوف عاجزين أمامها..

  6. يقول عبد الوهاب عليوات:

    أنام ملأ جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم..
    الرئيس تبون قام بما تقتضيه الأعراف وما نتطلبه أخلاق المسلم من واحب العزاء.. دون أي حسابات سياسية أو رسائل مخفية

  7. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل.
    هل الجزائر معزولة
    جاء في المقال ما نصه:
    ” وفي الوقت الذي التقى فيه في عهدته الأولى عدة قادة من الشرق والغرب” انتهى الاقتباس.
    لكن هذا الكلام لا يعجب لا الإعلام و لا المعلقين المغربيين، الذين يُرجون لعزلة الجزائر ويُصرون على ذلك.

  8. يقول عابر:

    لماذا لا يسعى الرئيس عبد المجيد تبون لطي خلافات بلده مع الجار المغرب بالبحث عن أرضية مشتركة للتفاهم مع العاهل المغربي محمد السادس؟ ما هو العيب في هذا المسعى؟ أليس في صالح الشعبين الجزائري والمغربي؟

    1. يقول كريم المغربي:

      في خطاب مباشر للعاهل المغربي أعلن فيه أن يده ممدودة للجزائر وأنه مستعد للقاء الرئيس الجزائري في أي مكان أراد للتحدث وجها لوجه وإيجاد حلول لكل الخلافات ، ولكن العسكر كان لهم موقف آخر

1 2

اشترك في قائمتنا البريدية