عاموس هرئيل
عملية إنقاذ أربعة مخطوفين من يد حماس في مخيم النصيرات، وفرت جرعة تشجيع حيوية للجمهور الإسرائيلي بعد أسابيع من شعور بالمراوحة في المكان وبشائر سيئة من الحرب في القطاع. لقد أخرج “اليمام” و”الشاباك” والجيش الإسرائيلي إلى حيز التنفيذ عملية مثالية ضمن ظروف عملياتية صعبة، أعيد المخطوفون الأربعة دون إصابات، وهم: شلومي زيف، ونوعا ارغماني، واندريه كوزيلوف، والموغ مئير جان، الذين اختطفوا من حفلة “نوفا” في 7 تشرين الأول.
انطلقت العملية في وضح النهار، مع مخاطرة كبيرة تصل إلى حدود غير الممكن. نجاح العملية دليل على بطولة الجنود (الرائد في الشرطة امنون زمورا من “اليمام” وقائد أحد طواقم الاقتحام، قتل عندما اقتحم الشقة التي تم احتجاز المخطوفين فيها)، ودليل على التخطيط وجمع المعلومات الاستخبارية الدقيقة والتعاون الوثيق بين الأذرع الأمنية المختلفة.
هذا الإنجاز سيبعث روحاً قتالية لدى جنود الجيش الإسرائيلي الذين ما زالوا يحاربون في رفح وممر نتساريم في وسط القطاع ومخيمات اللاجئين المحيطة، لكنه لا يبشر بتغيير استراتيجي على صورة الحرب. في الأشهر الثمانية التي مرت منذ اختطاف أكثر من 250 جندياً ومدنياً إسرائيلياً، تم إنقاذ 7 مخطوفين بسلام في ثلاث عمليات مختلفة. ومن المرجح أن حماس ستعمل الآن على تعزيز حراسة المخطوفين الأحياء الذين بقوا في الأسر، وستحاول تعلم الدروس من نقاط الضعف التي تم اكتشافها في منظومتها الدفاعية. من غير المنطقي توقع أنه سيتم تحرير المخطوفين المتبقين، 120 مخطوفاً، الذين مات جزء كبير منهم، بطريقة مشابهة.
زئيف وارغماني وكوزولوف ومئير جان تم احتجازهم فوق الأرض في شقق لعائلات فلسطينية، وحسب الانطباع الأولي لمظهرهم الخارجي الآن، يبدو أنهم حصلوا على معاملة معقولة نسبياً مقارنة مع الفظائع التي أبلغ عنها بعض المخطوفين الذين أعيدوا في الصفقة في تشرين الثاني. الكثير من المخطوفين المتبقين يبدو أنهم محتجزون في الأنفاق في ظروف أصعب، لا وقت طويلاً لديهم لانتظار تحقق ظروف عملياتية مناسبة. إسرائيل غير قريبة من النصر المطلق في القطاع، وإعادة عدد كبير من المخطوفين لن تحدث إلا بصفقة، تقتضي تنازلات كبيرة.
التوثيق المؤثر للمخطوفين الأربعة وهم يعانقون أحباءهم، قدم لنا تذكيراً مشجعاً على قدرة الجيش الإسرائيلي والأذرع الأمنية الأخرى. أحياناً، نحتاج إلى تذكير لمظاهر استثنائية من التضامن التي تميز الكثيرين في المجتمع الإسرائيلي. ثمة إشارات للأعداء، حماس (التي تتلقى ضربات قاسية في القتال)، وحتى حزب الله، بشأن ما تعرف إسرائيل القيام به. عندما سمع يعقوب ارغماني، والد نوعا، وهو يصرخ “أي جيش لدينا؟” بعد أن سمع بأن ابنته تم إنقاذها بسلام، هذه مشاعر تقريباً لم نسمعها منذ يوم المذبحة.
هذه عملية قادها رئيس “الشاباك” ورئيس الأركان وقائد قيادة المنطقة الجنوبية، الذين يتلقون وابلاً من الانتقادات منذ بداية الحرب. هؤلاء الثلاثة وقادة كبار غيرهم في جهاز الأمن، تحملوا المسؤولية عن إخفاقات 7 تشرين الأول. هناك نقاش حول الموعد الصحيح لتطبيقها، ويبدو أن هناك تباطؤاً مبالغاً فيه في الإعلان عن الاستقالة أو الإقالة. ولكن محظور أيضاً تجاهل الانشغال الكبير لكبار قادة جهاز الأمن والجيش الإسرائيلي في القتال منذ ذلك الحين، وبالتأكيد أن بعض الذين يتلقون الانتقاد وبانفعال وحشي، يفعلون ذلك لأسباب سياسية بهدف حرف الانتقادات عن المسؤولية الكبيرة للمستوى السياسي عن هذه الإخفاقات.
الاستعداد على مدى أشهر
إمكانية إنقاذ مخطوفين من النصيرات نوقشت منذ فترة، وامتنع الجيش الإسرائيلي بشكل كامل عن القيام بعملية برية في المخيم، خوفاً من المس بالمخطوفين. عملية الفرقة 98 في المنطقة التي بدأت قبل بضعة أيام، استهدفت خلق عملية تمويه قبل عملية الإنقاذ. طرحت المعلومات عن مكان ارغماني عدة مرات، وكان في السابق استعداد لإنقاذها. في الأسابيع الأخيرة، تم الحصول على معلومات استخبارية موثوقة بأنها هي والشباب الثلاثة يحتجزون في شقق مختلفة، في مبان من عدة طوابق تبعد ببضعة أمتار، في المخيم المكتظ. تم تطوير الخطة العملية والتدرب عليها بشكل كثيف مع الاعتماد على التكنولوجيا وجمع المعلومات.
في هذا الشأن، كان دور مهم لقيادة الأسرى والمفقودين برئاسة الجنرال احتياط نيتسان ألون (هو هدف آخر محبب على ماكينة السم البيبية)، إلى جانب الدفع قدماً بالمفاوضات من أجل التوصل إلى صفقة، فإن هذه القيادة تشارك في جميع الإجراءات العملياتية قبل عمليات الإنقاذ، وتعتمد على تجربة ألون الكبيرة في هذا المجال. وزير الدفاع غالانت ورئيس الأركان هاليفي ورئيس “الشاباك” رونين بار، هم من خريجي الوحدات الخاصة ولديهم خلفية كبيرة في عمليات مشابهة. مع ذلك، ثمة ادعاء اليوم بأخذ مخاطرة مثيرة للقشعريرة، مع الإدراك بأن طريقة العملية التي تم اختيارها، في وضح النهار وبمفاجأة مطلقة لحماس وبسرعة كبيرة، تجلب معها احتمالية جيدة للنجاح. كل ذلك لم يكن ليحدث بالطبع بدون تفاني المقاتلين أنفسهم.
في الوقت الذي مر فيه إنقاذ ارغماني بشكل سلس نسبياً، فإن اقتحام الشقة التي فيها الشباب، واجه الصعوبات. الرائد زمورة أصيب إصابة بالغة أثناء تبادل إطلاق النار وقت الاقتحام (وتوفي بعد بضع ساعات في المستشفى). بعد ذلك، تعطلت سيارة الإنقاذ التي تقل الثلاثة في وسط المخيم. تجمع في المكان الكثير من المخربين الذين يحملون الرشاشات وصواريخ الـ آر.بي. جي. كان مطلوباً استخدام كثيف للنار من سلاح الجو وقوات أخرى لإنقاذ المخطوفين والمنقذين بسلام من المخيم. قتل في هذه العملية كما يبدو عشرات الفلسطينيين، من بينهم مدنيون أيضاً.
علينا ألا نتأثر كثيراً بدموع التماسيح التي تذرفها حماس، القائلة بأنه تم احتجاز أرغماني “من قبل مدنيين فلسطينيين”. هذا غريب، لأنه عندما تم نشر فيلم، الذي وثقت فيه وهي تتوسل من أجل إطلاق سراحها، تم هذا الأمر من قبل الذراع العسكرية لحماس. المنظمة الإرهابية التي قتلت مئات المدنيين غير المسلحين أثناء اقتحام بلدات الغلاف، وبعد ذلك وضعت المخطوفين بين المدنيين بشكل متعمد، لا يمكنها إمساك الحبل من الطرفين. لقد كان لإسرائيل الحق الكامل في العمل على تحرير أبنائها، خصوصاً عندما تؤخر حماس عقد الصفقة.
الحفاظ على العلاقات العامة يعفي من حرمة السبت
أحد الأسئلة التي تطرح الآن هو: كيف سيؤثر نجاح عملية الإنقاذ على استمرار الاتصالات لعقد الصفقة. قد تحاول حماس استخدام حرب نفسية وتعلن عن موت مخطوفين آخرين، الذين لم يكن مصيرهم واضحاً، في محاولة لربطه بعملية الأمس. حسب تصريحات أولية لكبار قادة حماس، يبدو أنها ستحاول التشدد في طلباتها. يحيى السنوار، رئيس حماس في القطاع، لم يرد حتى الآن على اقتراح إسرائيل – أمريكا الأخير، الذي طرحه الرئيس الأمريكي في 31 أيار الماضي.
نجاح العملية أعاد الحمرة إلى وجه رئيس الحكومة نتنياهو، فهي لم توفر فقط إنجازاً للتفاخر بعد فترة طويلة من خيبة الأمل؛ فحتى توقيت العملية أدى إلى تأجيل الإنذار النهائي الذي حدده رئيس المعسكر الرسمي، الوزير بني غانتس، بشأن انسحابه من الحكومة. نتنياهو يستحق، وغالانت أيضاً، الفضل الكبير على قرار المصادقة على تنفيذ العملية.
بالإشارة إلى السخرية المطلقة التي يتصرف فيها نتنياهو الآن؛ بات هذا الشخص الذي غاب عن الصورة تماماً كلما وصلت بيانات عن موت مخطوفين في الأسر، يزيح الآن من أمامه أي منافس عندما يدور الحديث عن المعركة. لقد أغرق مكتب رئيس الحكومة وسائل الإعلام، أمس، بالأفلام والتصريحات. حتى احترام يوم السبت لم يعد له قيمة (مصطنعة) بالنسبة له؛ فهي أمر لا يتم تجنيده إلا عند الحاجة إلى إلقاء مهمة بشرى سيئة على ممثلي الجيش. معروف أن الحفاظ على العلاقات العامة معفى من حرمة السبت، لكن أعطيت للمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، فرصة البدء بالمؤتمر الصحافي بابتسامة.
كان هذا يوماً انتصر فيه الخير على الشر أخيراً. هناك المزيد من الأيام القاسية أمامنا، لكن يمكننا ولو للحظة الفرح بذلك.
هآرتس 9/6/2024