يقول البيان الذي نشرته السبت الماضي وكالة الأنباء الجزائرية نقلا عن وزارة الدفاع أنه «إحياء للذكرى السبعين لاندلاع ثورة أول نوفمبر عام أربعة وخمسين، وترسيخا لتقاليدنا العسكرية العريقة وتحت إشراف السيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني، نظم الجيش الوطني الشعبي على مستوى الطريق الوطني رقم أحد عشر المحاذي لجامع الجزائر، استعراضا عسكريا حضره رؤساء دول كل من تونس وموريتانيا والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ورئيس المجلس الرئاسي الليبي كضيوف شرف، فضلا عن ممثلي بعض الدول الشقيقة والصديقة». ومع أن كلمة الرئيس الجزائري في ذلك الاستعراض، خلت من الإشارة إلى المغرب العربي، إلا أنه كان لافتا أن معظم وسائل الإعلام المحلية سارعت إلى اعتبار أولئك الضيوف ممثلين حصريين لدول المغرب العربي، في إقصاء متعمد لبلد مغاربي هو المغرب، وإقحام واضح لدولة وهمية داخل الدول المغاربية وهي دولة البوليساريو.
امتزاج دماء شهداء الجزائر إبان الحرب التحريرية مع دماء أشقائهم في الدول المغاربية ودعمهم يبقى حافزا لتجاوز كل العثرات والصعوبات والمعوقات أمام تصفية القلوب وفض الخلافات
لكن لنتخيل أن الأمر جرى على نحو آخر، وأنه تم مثلا على الشكل التالي: يخبر مذيع التلفزيون الرسمي الجزائري مشاهديه بالانتقال إلى محطة خارجية ويقول: «سيداتي سادتي ننقل إلى حضراتكم مباشرة على الهواء وقائع الاستعراض العسكري الضخم الذي يقيمه الجيش الوطني الشعبي بالاشتراك مع تشكيلات رمزية من جيوش الدول المغاربية الشقيقة الأربع، جاءت لتشرفنا بالحضور في احتفالاتنا بسبعينية الثورة الجزائرية المجيدة وهي، ليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا». لحظات بعدها يظهر الرئيس الجزائري وهو يقف في عربة عسكرية مكشوفة محاطا بعاهل المغرب وبرئيس المجلس الرئاسي الليبي وبرئيسي موريتانيا وتونس، وتحف بهم فرقة من الخيالة ليجري استعراض لمختلف التشكيلات والفرق العسكرية التي ستشارك في ذلك الاستعراض. وقبل أن يصل إلى المنصة يحيي الرئيس وضيوفه الجماهير التي احتشدت منذ ساعات الصباح الأولى قرب جامع الجزائر الكبير، رافعة أعلام الدول المغاربية الخمس، ومطلقة أهازيج وشعارات تؤكد وحدة المصير بين أقطارها، ثم يلقي خطابا يبدأه بالترحم على أرواح الشهداء، الذين سقوا بدمائهم الزكية أرض الجزائر، مؤكدا أن تضحياتهم لن تذهب هباء، وأن أحفادهم سيظلون ملتزمين بالحفاظ على أمرين مقدسين بالنسبة لهم وهما، استقلال البلاد وحمايتها من أي تهديد، أو عدوان أجنبي والوفاء لعهد أجدادهم ببناء مغرب عربي كبير موحد.
وهنا يتوجه إلى القادة المغاربيين، الذين جاؤوا ليشاركوا بلاده احتفالاتها بتلك المناسبة ليقول لهم، إن الجزائريين لن ينسوا أبدا ما قدمته تونس وليبيا والمغرب خلال الحرب التحريرية، التي خاضوها ضد الاستعمار الفرنسي، وأنهم لن يتنكروا أبدا لما يجمع الجزائر ببلدانهم من أواصر وروابط دموية ودينية ولغوية واحدة ومن مصير مشترك. ثم يأخذ العاهل المغربي الكلمة ليشيد بالثورة الجزائرية، التي كان تردد صداها، عاليا في كل أنحاء العالم، وأعطت درسا لكل الشعوب الرازحة تحت الاستعمار بأنه سيكون باستطاعتها بالعزم والإرادة القوية أن تكسر القيود وتتخلص من الهيمنة الاستعمارية، قبل أن يذكر بأن القضية الجزائرية كانت حاضرة في أول خطاب ألقاه جده الملك الراحل محمد الخامس في أواخر الخمسينيات، أي في ذروة الحرب التحريرية الجزائرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأنه قال في ذلك الخطاب «مما يؤسف له أن هناك أقطارا لا يسود فيها السلم والأمن. ويؤلمنا ألمنا شديدا أن تجري في أرض جارتنا الجزائر الشقيقة معارك يتسع نطاقها يوما بعد يوم وما أشد رغبتنا في أن تباشر مفاوضات بين جميع من يهمهم الأمر لتسوية النزاع القائم تسوية تتفق وميثاق الأمم المتحدة، الذي يعترف للشعوب بحق تقرير مصيرها». مشيرا بعدها إلى الدعم اللامحدود الذي قدمه الملك الراحل للثورة الجزائرية، من خلال فتح الحدود أمام المجاهدين الجزائريين، وإمدادهم بالسلاح والمؤن والسماح بمرور المتطوعين المغاربة والأجانب للقتال معهم، مضيفا أن التذكير بذلك ليس الهدف منه هو المن أو التفضل على الجزائر، لا سمح الله، بل التعبير عما جمع الشعبين في فترة عصيبة من تاريخهما من نضال مشترك، عسى أن تأخذ منه الأجيال الشابة التي لم تعش تلك الظروف العبرة، ويرسخ في وجدانها دائما وأبدا أن ما ضر الجزائر يؤلم ويؤذي المغرب بالضرورة والعكس بالعكس، ويختتم كلمته في الأخير بالقول، إن كان رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة فرحات عباس قد أكد في زيارته للرباط في الستينيات وقبل استقلال الجزائر أن «الجزائر هي المغرب وأن تضامننا أبدي»، فها أنا الآن أؤكد لكم ومن أرض الجزائر الحرة والمستقلة، أن المغرب هو الجزائر وأن تضامننا أبدي، وأن روابطنا الأخوية قوية ومتينة ولن تنفصم، أو تنحل تحت أي ظرف من الظروف. أما رئيس المجلس الرئاسي الليبي فيكتفي بالتصريح بان المجال لن يتسع لتعداد ما قدمه الليبيون للثورة الجزائرية، لأنهم كانوا وما زالوا يعتبرون أن لا فرق بين الليبي والجزائري، لأنهم يعودون جميعا إلى جذور واحدة. وعندما يأتي الدور على الرئيس التونسي ليلقي كلمته فإنه يبادر إلى الإشادة بالثورة الجزائرية ويلفت انتباه الحضور إلى أن التونسيين اعتبروا عندما حصلوا منتصف الخمسينيات على استقلالهم، أنه كان منقوصا ما دامت الجزائر محتلة، وأن الرئيس التونسي الراحل بورقيبة عبّر عن ذلك صراحة، حين قال لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية يوم التوقيع على معاهدة الاستقلال إنه «لا اعتبار لاستقلالنا، إلا إذا اقترن باستقلال الجزائر»، كما أنه لم يتورع عن التصريح بعدها بأيام وفي خطاب رسمي بأنه «لن يغمض لي جفن ما دام الدم يسيل في الجزائر»، مستفيضا في الأثناء في الحديث عن مجزرة ساقية سيدي يوسف، البلدة التونسية التي قصفها الطيران الفرنسي أواخر الخمسينيات لتمتزج على أرضها دماء التونسيين بدماء أشقائهم الجزائريين، ثم يضيف بأنه يشاطر تماما ما قاله العاهل المغربي بأننا لا نمن أبدا على الجزائر، وبأن ما قدمته تونس للثورة الجزائرية، كان أقل ما يقدمه الشقيق لشقيقه وقت المحنة، وأن الدرس الذي ينبغي أن يستخلصه كل المغاربيين هو، أنه وكما أن ماضيهم كان واحدا فان مستقبلهم لن يكون إلا واحدا أيضا.
وحين يختتم الرئيس الموريتاني كلمات ضيوف الشرف يقول، إنه رغم أن موريتانيا لم تكن موجودة، عندما اندلعت الثورة الجزائرية إلا أن الموريتانيين يرون أنها تشكل مصدر فخر لهم، وأنهم يعتبرون أن الجزائر هي العمود الفقري للاتحاد المغاربي. اما السؤال بعدها فهو ما الذي كان سيحصل إن كانت وقائع الاحتفال بسبعينية الثورة الجزائرية قد جرت على ذلك النحو؟ من المؤكد أنها كانت ستحمل رسالة قوية بأن امتزاج دماء شهداء الجزائر إبان الحرب التحريرية مع دماء أشقائهم في الدول المغاربية وجهود هؤلاء لشد أزر الثوار ودعمهم في أصعب الأوقات يبقى حافزا لتجاوز كل العثرات والصعوبات والمعوقات أمام تصفية القلوب وفض الخلافات والاتجاه نحو تشييد صرح الاتحاد المغاربي. لكن هل سيطول العهد بالمغاربيين حتى يشاهدوا احتفالا بثورة الجزائر يجعلهم واثقين ومطمئنين على مستقبلهم؟ وحدها الأيام هي التي ستجيب.
كاتب وصحافي من تونس
قطار المغرب العربي 🇹🇳🇪🇭 🇩🇿 🇱🇾🇲🇷 إنطلق فمن شاء الصعود فيه صعد ومن إختار الصعود في قطار ما يسمى السلام الإبراهيمي فهو حر في إختياره
الحلم الجميل وكلامك يقوله كل عربي مغاربي يؤمن بالمصري المشترك للجميع من طرابلس إلى العيون و نواكشوط
المغرب في صحرائه و الصحراء في مغربها، و ترامب شاءت الأقدار أن ينصره الله من جديد لكي يكمل تجسيد التزاماته مع المغرب لا سيما فتح القنصلية الأمريكية بالداخلة.
اقتبس ( .. امتزاج دماء شهداء الجزائر إبان الحرب التحريرية مع دماء أشقائهم في الدول المغاربية ودعمهم يبقى حافزا لتجاوز كل العثرات والصعوبات والمعوقات أمام تصفية القلوب وفض الخلافات..) انتهى الاقتباس
كلام معقول .لكن هي نعرض الواقع بماضيه وحاضر ه لنتحاكم الى التاريخ .ونتركه يصدر حكمه ويسلط الضوء على من هو وراء تعكير تلك الصفوة التي كانت ..؟؟؟؟
الحلم الجميل وكلامك يقوله كل عربي مغاربي يؤمن بالمصري المشترك للجميع من طرابلس إلى العيون و نواكشوط
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، عزيزي الكريم هذا هدف لن نستسلم حتى بلوغه إنشاء الله تعالى يا حنين يا كريم يا مجيب الدعوات.
الى صاحب ( الحلم الجميل ليس بالمستحيل )
وهل كان هناك مغرب عربي قبل اتفاقية ابرهام للسلام ؟
فكرة جميلة و لكن مستحيلة مع هذه الانضمة المستبدة التي لا تملك اي رؤيا مستقبلية لشعوبها ونعلم انه الغرب بصفه عامة لن يسمح بها …