مثلما في أسطورة الملك ميداس الذي يتحول فيه كل شيء يلمسه إلى ذهب، فمثلها أيضاً حالة رئيس الوزراء، لكن على نحو معكوس؛ فكل شيء يلمسه يصبح وحلاً. ليست هناك مسألة جماهيرية تصبح خوضاً في الوحل فوراً من اللحظة التي تختلط فيها مصالح رئيس وزراء متهم جنائياً. هذا ما حصل أول أمس عند إقرار تشكيل لجنة فحص حكومية في قضية استخدام الشرطة لبرنامج “بيغاسوس”.
القرار الذي يبين كيف ومن يحقق في القضية جرى تدنيسه بتضارب مصالح نتنياهو ورسوله وزير العدل يريف لفين. وخاصة بسبب إصرارهما على أن تفحص اللجنة -بخلاف صريح مع موقف المستشارة القانونية غالي بهرب ميارا- استخدام برنامج في “ملفات جارية” ظاهراً. هذا تعبير محمل بمغسلة كلمات لملفات نتنياهو. ومع أن نتنياهو لم يشارك في المداولات بنفسه، لكن لا محل للشك في مسألة تلك المصالح التي يحميها وزراؤه، حين استغل لفين الفرصة لمهاجمة المستشارة القانونية مرة أخرى.
لقد حذرت بهرب ميارا من أن فحص ملفات معلقة كفيل بتشويش إجراءات المحاكمة، لكن لفين استخف بالفتوى وقضى بأن المستشارة هي التي تعيش تضارباً للمصالح. وكدليل واضح على انعدام موضوعيته، اختار لرئاسة اللجنة القاضي المتقاعد موشيه دروري: الذي أيد الانقلاب النظامي علناً وانتقد سلوك سلطات القانون في ملفات نتنياهو.
وفي إطار هذه الجلبة، من المهم فصل مصالح نتنياهو عن المصلحة العامة للتوضيح بأن استخدام برنامج بيغاسوس دون إطار قانوني ورقابة مناسبين، يشكل خطراً يمس بحقوق الإنسان. مطورة البرنامج شركة “NSO” تتعرض عن حق لانتقاد حاد في العالم على آثار استخدامه. في إسرائيل أيضاً، محظور إعطاء الشرطة يداً حرة لاستخدام الأداة دون تشريع ورقابة. يبدو السؤال عما إذا كان يكفي فحص لمثل هذه المسألة على مستوى مساعدة المستشارة القانونية للحكومة (لجنة مراري) يبدو سؤالاً مشروعاً. فالضغوط من جانب الشرطة للسماح لهم بالعودة إلى استخدام البرنامج لمكافحة الجريمة في المجتمع العربي ليست ذريعة لتسويغ المفسدة؛ بل العكس هو الصحيح: إذا كانت النية استخدام هذه الأداة ضد الأقليات، فلا بد من أهمية أكبر للتأكد من أنه عمل محدود وخاضع للرقابة.
بالمقابل، أهمية فحص المسألة جماهيرياً لا يمكنها أن تشكل ذريعة لسحق سلطات القانون ولتشويش إجراءات القضاء. لجنة تحقيق رسمية، بدلاً من لجنة حكومية، كان يمكن أن تكون حلاً معقولاً. لكن حكومة نتنياهو، لم تعد معقولة منذ زمن بعيد. وفي هذه الحالة، هدفها الحقيقي هو تصفية الديمقراطية الإسرائيلية وليس حماية المواطنين من خطر استخدام برنامج التجسس.
أسرة التحرير
هآرتس 29/8/2023