سيطر الاتجاه النزولي على أسعار النفط والغاز خلال الفترة الممتدة منذ بداية العام حتى نهاية الأسبوع الأول من الشهر الحالي. وكان الهبوط في أسعار الغاز أكبر منه في النفط، إذ بلغت نسبة التذبذب في أسعار الغاز بين أعلى وأقل سعر سجلته سوق تي تي إف في هولندا (تستخدم مقياسا لتفاعل العرض والطلب في أوروبا) حوالي 30.7 في المئة، إذ بلغ أعلى سعر حوالي 17.54 دولار للمليون وحدة حرارية بريطانية في 11 من الشهر الماضي، في حين سجلت المعاملات أقل سعر بقيمة 12.15 دولار في 6 من الشهر الحالي. أما في أسواق النفط فإن سعر خام برنت هبط إلى ما دون 70 دولارا للبرميل في 5 من الشهر الحالي مسجلا 69.3 دولار، في مقابل أعلى سعر بقيمة 82.3 دولار للبرميل بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير. وبذلك فإن هامش التذبذب في أسعار النفط كان 15.8 في المئة. ويعود الهامش الكبير لتغير أسعار النفط والغاز منذ بداية العام الحالي، واتجاه الأسعار عموما للانخفاض إلى زيادة الإمدادات بنسبة أسرع من زيادة الطلب. وتأتي زيادة الإمدادات حاليا بشكل أساسي من خارج مجموعة أوبك+، خصوصا من الولايات المتحدة وكندا والبرازيل وغيانا. أما التباطؤ في الطلب فإنه يعود بشكل أساسي إلى الصين. ويعود الانخفاض العام في الأسعار إلى تأثير المتغيرات الجيوسياسية، وحرب الرسوم الجمركية الأمريكية على العالم، إضافة إلى القيود البيئية وبرامج التحول إلى الوقود الأخضر، وذلك على الرغم من الانقلاب المفاجئ في سياسة الطاقة الأمريكية، بالعودة إلى التركيز على الوقود التقليدي الفحم والنفط والغاز.
انخفاض
مستوى الأسعار
هذه التطورات في أسواق النفط والغاز التي تكشف عنها مؤشرات أداء الأسواق في الربع الأول من العام الحالي تشير حتى الآن إلى أن متوسط الأسعار سيكون أقل من العام الماضي، وهو ما يعني تراجع إيرادات التصدير في الدول النفطية العربية، وزيادة الحاجة إلى موارد إضافية لترميم المالية العامة لتلك الدول، خصوصا مع بدء زيادة الإنتاج في أوبك+ اعتبارا من الشهر القادم. ومع أن وزير النفط الروسي ألكسندر نوفاك قال إن أوبك قد تعود إلى تقييد مستويات الإنتاج مرة أخرى، فإن ظروف السوق قد تجبر دول المجموعة على زيادة الإنتاج لتعويض النقص في الإيرادات الناتج عن انخفاض الأسعار. ما يرجح هذه الفرضية، على عكس ما يرى نوفاك، هو تحسن العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة في عهد ترامب، على عكس ما كان عليه الحال خلال حكم جوزيف بايدن. ومع ذلك فإن تشديد العقوبات على كل من روسيا وإيران من المرجح أن يؤدي إلى تماسك الأسعار. ولكن في حال التوصل إلى تسوية تؤدي لإنهاء الحرب في أوكرانيا، فإن مبررات فرض العقوبات من الأساس ستختفي، ما يفتح الباب لمزيد من الإمدادات الروسية. وهكذا فإن عدم اليقين واحتمالات تطور الصراعات الجيوسياسية في العالم ستترك السوق في حال تقلبات حادة وسريعة خلال العام الحالي على الأقل.
وتشير توقعات إدارة الطاقة الأمريكية إلى أن الإنتاج العالمي من البترول والسوائل الأخرى سينمو في عامي 2025 و2026 بشكل أكبر في الدول غير الأعضاء في أوبك+ مقارنة بدول أوبك+. وفي هذا السياق فإن إجمالي المعروض العالمي من البترول والسوائل الأخرى زاد بنحو 0.6 مليون برميل يوميا في عام 2024 وسيزيد بمقدار 1.9 مليون برميل يوميا في عام 2025 و1.6 مليون برميل يوميا في عام 2026. ويأتي هذا النمو مدفوعا بزيادة إنتاج النفط الخام من أربع دول في الأمريكتين – الولايات المتحدة وغيانا وكندا والبرازيل. ونظرًا لتقييد الإنتاج المستمر بين دول أوبك+، من المتوقع أن ينمو إنتاج المجموعة بمقدار 0.1 مليون برميل يوميا فقط في عام 2025 و0.6 مليون برميل يوميا في عام 2026.
خارج مجموعة أوبك+ تواصل الولايات المتحدة إنتاج المزيد من النفط الخام والسوائل البترولية أكثر من أي دولة أخرى. فقد ارتفع إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة إلى 13.2 مليون برميل يوميا في عام 2024، ويرجع ذلك جزئيًا إلى تحسن الكفاءة رغم انخفاض عدد الحفارات العاملة. ومن المتوقع أن يزيد إنتاج السوائل البترولية في الولايات المتحدة بمقدار 0.6 مليون برميل يوميا في عام 2025 وبمقدار 0.5 مليون برميل يوميا في عام 2026. وأن تسهم منطقة بيرميان وحدها بحوالي نصف إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة البالغ 13.7 مليون برميل يوميا في عام 2026. وفي العام الماضي كانت كندا رابع أكبر دولة منتجة للنفط، بعد الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا. ومن المتوقع في العام الحالي أن ينمو إنتاجها من البترول والسوائل الأخرى بمقدار 0.3 مليون برميل يوميا وبمقدار 0.2 مليون برميل يوميا في عام 2026. ويدعم نمو الإنتاج في كندا بدء تشغيل خط أنابيب ترانس ماونتن الموسع الذي ينقل النفط إلى الساحل الغربي لكندا للوصول إلى أسواق التصدير.
أما في البرازيل فمن المتوقع طبقا لبيانات إدارة الطاقة الأمريكية أن يضيف المنتجون وحدات تخزين وتفريغ عائمة جديدة إلى الحقول الموجودة في حوض سانتوس. كما تخطط وحدتا الإنتاج والتخزين العائمة في حقل بوزيوس في حوض سانتوس لبدء عملياتهما في عام 2025. ومن المتوقع أن تؤدي هذه المشاريع الجديدة إلى زيادة إنتاج السوائل البترولية في البرازيل بمقدار 0.1 مليون برميل يوميا في عام 2025 و0.2 مليون برميل يوميًا في عام 2026. وفي غيانا من المتوقع أن يرتفع إنتاج السوائل البترولية بمقدار 0.2 مليون برميل يوميا في العام الحالي و0.1 مليون برميل يوميا في عام 2026، مدفوعًا ببدء تشغيل حقول جديدة في مناطق الإنتاج الرئيسية، حتى ترتفع الطاقة الإنتاجية المجمعة إلى حوالي 1.3 مليون برميل يوميا بحلول نهاية عام 2027.
مجموعة أوبك+
تتوقع إدارة الطاقة الأمريكية أن تنخفض حصة أوبك+ من إنتاج النفط العالمي بمقدار نقطة مئوية واحدة إلى 46 في المئة في عامي 2025 و2026، مقارنة بـ53 في المئة في عام 2016 عندما تم تشكيل المجموعة الموسعة. وتقدر طاقة إنتاج النفط الخام الفائضة غير المستغلة لدى أوبك بحوالي 4.6 مليون برميل يوميا في عام 2024، بزيادة 103 في المئة (2.3 مليون برميل يوميا) عن عام 2019. لكن بدء زيادة الإنتاج اعتبارا من الشهر القادم حتى عام 2026 بهدف العودة إلى مستويات ما قبل التخفيض من المرجح أن يؤدي إلى انكماش فائض الإنتاج بنسبة كبيرة في دول المجموعة التي تتصدرها المملكة العربية السعودية، أكبر منتج للنفط في أوبك من حيث الحجم. وتسهم السعودية وحدها بحوالي ثلث إجمالي إمدادات المجموعة. في العام الماضي أنتجت السعودية 9 ملايين برميل يوميا، بانخفاض 13 في المئة (1.4 مليون برميل يوميا) مقارنة بعام 2022 – قبل أن تعلن أوبك+ عن تمديد تخفيضاتها الطوعية الإضافية. من بين أعضاء أوبك+، كانت روسيا أكبر منتج للنفط الخام في عام 2024، بمتوسط 9.2 مليون برميل يوميا.
وبعد روسيا والمملكة العربية السعودية، كانت أكبر الدول المنتجة من حيث الحجم هي العراق (4.4 مليون برميل يوميا)، والإمارات العربية المتحدة (2.9 مليون برميل يوميا)، والكويت (2.5 مليون برميل يوميا). وقد خفض أعضاء أوبك+ الخاضعين لسياسة التخفيض الطوعي إنتاج الخام بمقدار 1.66 مليون برميل يوميا إلى 33.96 مليون برميل يوميا في عام 2024، وفقًا لتقديرات (أرغوس للبترول). بعد تخفيض الإنتاج بحوالي 1.44 مليون برميل يوميا في عام 2023، وهو ما يعني أن مجموعة أوبك+ أوقفت إنتاج 3.1 مليون برميل يوميا على مدار العامين الماضيين – أي ما يعادل حوالي 3 في المئة من إمدادات النفط العالمية، حتى لا تنهار الأسعار بسبب ضعف النمو الاقتصادي العالمي.
وقد تحملت السعودية أكبر نصيب من التخفيضات الطوعية للإنتاج، حيث خفضت إنتاجها بمقدار 650 ألف برميل يوميا إلى 8.96 مليون برميل يوميا العام الماضي، وهو أدنى مستوى لإنتاج النفط السعودي منذ عام 2010. وجاءت روسيا بعد السعودية بمقدار 430 ألف برميل يوميا إلى 9.15 مليون برميل يوميا، وهو أدنى مستوى منذ عام 2010 أيضا. وجاءت التخفيضات الكبيرة الأخرى من الكويت، التي انخفض إنتاجها بمقدار 190 ألف برميل يوميا إلى 2.43 مليون برميل يوميا، والعراق، حيث انخفض الإنتاج بمقدار 160 ألف برميل يوميا إلى 4.13 مليون برميل يوميا.
وقد برهن اتفاق التخفيضات الطوعية للإنتاج أن دول مجموعة أوبك+ تستطيع فعلا أن تحقق استقرار سوق النفط، إذ كان متوسط أسعار نفط بحر الشمال في عام 2024 أقل بنحو 2 دولارات للبرميل فقط عن عام 2023 عند حوالي 80 دولارا للبرميل. ولكن هذا جاء بتكلفة تخفيض الإنتاج الذي ساعد الدول الأخرى المنتجة للنفط خارج المجموعة إلى زيادة الإنتاج، ما أدى إلى تآكل حصة أوبك+ في السوق. وسوف يتوقف استقرار الأسعار في السوق هذا العام على مدى التزام دول المجموعة بتنفيذ الاتفاق، وعدم استغلال بدء تخفيف التخفيضات اعتبارا من الشهر المقبل في زيادة الإنتاج بنسبة أكبر من المتفق عليها. في الوقت الحاضر تتزايد الضغوط من بعض الأعضاء الذين يريدون زيادة الإنتاج في أقرب وقت ممكن.
ومن المقرر أن يبدأ أعضاء أوبك+ في تخفيف تخفيضات إنتاج النفط الخام الطوعية بمقدار 2.2 مليون برميل يوميا بدءًا من نيسان/أبريل على مدى 18 شهرا. تواصل أوبك+ التأكيد على أن عودة 2.2 مليون برميل يوميا إلى السوق اعتبارا من الشهر القادم، ستعتمد على ظروف السوق، وهو مضمون التصريح الذي أطلقه وزير النفط الروسي بعد الاجتماع الأخير للجنة الوزارية المكلفة بمراقبة السوق، واتخاذ القرارات بشأن سريان الاتفاق وتقدير مدى الالتزام به. وتشير تقارير متابعة تنفيذ الاتفاق إلى أن تخفيضات إنتاج مجموعة أوبك+ في العام الماضي كان أقل بمقدار 40 ألف برميل يوميًا عن هدفه الجماعي. وفي حين تعرضت الدول المنتجة المتجاوزة مثل العراق وكازاخستان وروسيا للكثير من التدقيق، وتعهدت بالتعويض عن تجاوز أهدافها، فإن دولا أخرى أعضاء مثل أذربيجان وجنوب السودان ونيجيريا أنتجت أقل بكثير من الحصص المقررة لها.
تراجع
الطلب الصيني
أظهرت تقارير سوق سنغافورة لمتابعة الواردات الصينية من النفط تراجع الواردات من النفط الخام بنسبة 5 في المئة في أول شهرين من العام الحالي 2025 مقارنة بمستويات العام الماضي. ويعود هذا الانخفاض إلى عوامل اقتصادية مثل نقص الطلب على النفط الخام من المصافي النفطية، وعوامل بيئية أهمها سرعة معدل تحول الصين من الوقود التقليدي إلى الوقود الأخضر، إضافة إلى عوامل جيوسياسية، حيث أدت العقوبات الأمريكية الأكثر صرامة على السفن التي تحمل النفط الروسي والإيراني إلى إبطاء التدفقات إلى أكبر مستورد في العالم. وتشتري مصافي الصين النفط الخام من عشرات الدول، وتعد روسيا والسعودية والعراق وعُمان وماليزيا أكبر الدول المصدرة للنفط إلى الصين. وقد زادت الواردات من ماليزيا بشكل كبير العام الماضي إلى 1.4 مليون برميل يوميا، وهو ما يزيد عن إنتاج ماليزيا المحلي من النفط الخام الذي يبلغ نحو 0.6 مليون برميل يوميا. ويعتقد خبراء سوق النفط أن هذا الفارق الكبير يأتي من شحنات النفط الخام القادمة من إيران إلى ماليزيا، وتم بعد ذلك تغيير اسم بلد المنشأ وإعادة تصديرها إلى الصين لتجنب الخضوع للعقوبات المفروضة على النفط الإيراني.
وطبقا لتقديرات إدارة الطاقة الأمريكية، من المتوقع أن يتباطأ استهلاك الصين من النفط في عامي 2025 و2026 مقارنة بالسنوات السابقة. لكن هذه البيانات تكشف النقاب عن أن معدل نمو الاستهلاك المتوقع يتجاوز معدل نمو الإنتاج المحلي للصين من النفط والغاز، ما يعني أن الواردات الصافية ستزداد. وقد أجرت الصين بالفعل توسعات كبيرة في طاقة المصافي في صيف العام الماضي، ومن المقرر افتتاح أو توسيع العديد من المجمعات المتكاملة للتكرير والبتروكيماويات على مدى السنوات القليلة المقبلة، مما يشير إلى أن واردات النفط الخام ستستمر في النمو لتلبية الطلب على المواد الخام من هذه المرافق. ومع ذلك، فإن تعديلات ضريبية تم إدخالها في نهاية العام الماضي بشأن خصم ضريبة القيمة المضافة الممنوحة لبعض صادرات المنتجات البترولية، يقلل من قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية. وقد يؤثر ذلك على عمليات المصافي الصينية وربحيتها، وهو ما قد يترك أثرا سلبيا بتخفيض عمليات تشغيل المصافي وواردات النفط الخام.
وفي كل الأحوال فإن استهلاك الوقود السائل في الصين سينمو بمعدلات أبطأ بكثير مما كان عليه قبل جائحة كورونا، بسبب تباطؤ معدل النمو الاقتصادي. وقد أشارت حكومة الصين إلى استعدادها لتقديم سياسات نقدية ومالية تحفيزية بعد تباطؤ النمو الاقتصادي في عام 2024. تفترض توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن الناتج المحلي الإجمالي للصين سينمو بنسبة 4.4 في المئة في عام 2025، في حين أن تقدير الحكومة الصينية يبلغ 5 في المئة حسب البيانات الأخيرة الصادرة عن اجتماعات الدورة الحالية للمجلس الوطني. ومن ثم فإن التقديرات الأمريكية قد لا تكون دقيقة في حال ارتفاع معدل النمو في الصين بقوة إجراءات التحفيز الاقتصادي أو التدابير الأخرى. ومع ذلك فإن خطة الصين لتقليل الاعتماد على الوقود التقليدي تسهم بلا شك في تخفيض معدل نمو الاستهلاك والواردات من النفط الخام ومنتجاته، وهو ما يعزز توقعات تراجع الطلب على النفط في الصين أكبر مستورد للنفط في العالم. هذه التطورات في أسواق النفط والغاز من شأنها أن تترك لمجموعة أوبك+ نصيبا أقل من السوق، وأن تجعل ميزانيات الدول النفطية في وضع أقل صلابة، على الأقل في العامين الحالي والقادم.
وراء ذلك هو نهب ثروات شعوب الدول المنتجة للنفط والغاز لدعم إقتصاد الدول الغربية الإستعمارية. إنه الإستعمار الحديث. إنهم يسيطرون على بورصات العالم، ويتلاعبون بها كما يخدم مصالحهم لحياكة الأخبار والتقارير لخفض أسعار البترول والغاز . ولكن للأسف فإن حكومات الدول المصدرة لا ترد على ذلك بخطوات تحافظ بها على أسعار ثرواتها الوطنية هذه التي يجب أن تكون أكثر من ضعف ماهي عليه الآن.
إنه الشرير ترامبو المتصهين الأرعن المتغطرس الذي يريد أن يخضع اقتصاد العالم لنزواته المجنونة 😎☝️🔥