ماكرون في الهند.. زيارة متعددة الرهانات

حجم الخط
0

باريس- “القدس العربي”: يصل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، هذا الخميس، ( كما هو مفترض)، إلى الهند، في زيارة مدتها يومان، هي الثالثة له إلى هذا البلد الذي يعدّ شريكاً إستراتيجياً لفرنسا في المنطقة، يرافقه فيها ثلاثة وزراء ( وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه، ووزير الجيوش سيباستيان ليكورنو، ووزيرة الثقافة رشيدة داتي)، ووفد رفيع من المسؤولين والفاعلين في المجالين الثقافي والاقتصادي .

في بيانه عن الزيارة، أوضح قصر الإليزيه (الرئاسة الفرنسية) أن الرئيس إيمانويل ماكرون يزور الهند هذه المرة كضيف شرف  بـ “اليوم الجمهوري”، وهو احتفال بتاريخ تفعيل العمل بالدستور الهندي، وذلك بدعوة من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي كان ضيف شرف فرنسا بمناسبة احتفالها الأخير بالعيد الوطني، يوم في 14 يوليو 2023، في خطوة تندرج في إطار  تعزيز الشراكة الإستراتيجية الفرنسية الهندية، التي احتفلت بالذكرى السنوية الخامسة والعشرين لتأسيسها في عام 2023 .

الهجمات على حقوق الأقليات، ولا سيّما حقوق مائتي مليون مسلم هندي، لا تشكل أولوية في الحوار الثنائي بين الهند وفرنسا

 قصر الإليزيه أوضح أن هذه الزيارة ستساعد، هي الأخرى، في تعزيز وتعميق العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الفرنسية الهندية، كما ستعزز العلاقات بين المجتمعات المدنية في مجالات التعليم والثقافة. فالرئيس الفرنسي ملتزم بمتابعة حوار أوثق مع الهند، التي تعدّ لاعباً رئيسياً على الساحة الدولية من وجهة نظر ديموغرافية واقتصادية وعلمية ودبلوماسية.

ستكون للزيارة، وفق الإليزيه، ثلاثة محاور رئيسية: المسائل المرتبطة بالقضايا العالمية، التي أثيرت في إطار مفاوضات مجموعة العشرين الأخيرة، التي عقدت في نيودلهي في شهر سبتمبر الماضي، ومسائل الأمن والسيادة في مواجهة التحديات العالمية الكبرى، والعلاقات الاقتصادية، لا سيّما في مجال الأمن والسيادة وقطاعات الدفاع والفضاء، وحتى الإنترنت.

ففرنسا تطمح لأن تكون لاعباً مهماً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتريد أن تكون قوة توازن، وجسراً بين الشمال والجنوب.

وسبق للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن زار الهند مرتين، في عام 2018 ، ولحضور قمة مجموعة العشرين في شهر سبتمبر عام 2023.

تعتبر الهند، القوة الديموغرافية الأكبر في العالم (1.43 مليار نسمة)، عملاقاً اقتصادياً ونووياً ذا ثقل كبير ويتزايد التودّد إليها. فهي على خط المواجهة في مواجهة نفوذ الصين، المنافس الأول للولايات المتحدة، والتي تربطها بها علاقات معقدة أيضًا.

ومن ناحية أخرى، تحافظ نيودلهي، باعتبارها من محبي “تعدّد الانحيازات”، على علاقات جيدة مع روسيا، وترفض فرض عقوبات عليها بسبب غزوها لأوكرانيا، بل وذهبت إلى حد شراء النفط الروسي الذي يقاطعه الأوروبيون.

سيجري إيمانويل ماكرون وناريندرا مودي مناقشات حول أوكرانيا والشرق الأوسط والصين، بالإضافة إلى التعاون الدفاعي الثنائي، وفقًا لمصادر دبلوماسية وتقارير صحافية في البلدين. ففرنسا والهند، وهما قوتان نوويتان، عملتا منذ فترة طويلة على تعزيز العلاقات الدفاعية، وهو ما يتضح من نية الهند الحصول على 26  طائرة رافال فرنسية إضافية، بالإضافة إلى الـ 36 التي سبق لها أن طلبتها. وتستمر المفاوضات بشأن بيع هذه الطائرات المقاتلة الـ 26  المخصصة للبحرية، بالإضافة إلى ثلاث غواصات من طراز سكوربين.

ستكون زيارة الرئيس الفرنسي هذه للهند أيضاً فرصة لفتح فرص تجارية جديدة، بينما وصل حجم التجارة الثنائية بين فرنسا والهند إلى 15 مليار يورو في عام 2022. وهو حجم ما يزال متواضعاً مقارنة بالتجارة الفرنسية الصينية، التي تقدّر بأكثر من 100 مليار يورو.

تحافظ نيودلهي على علاقات جيدة مع روسيا، وترفض فرض عقوبات عليها بسبب غزوها لأوكرانيا، بل وذهبت إلى حد شراء النفط الروسي الذي يقاطعه الأوروبيون

زادت الاستثمارات الفرنسية في الهند لتصل إلى 25 مليار يورو. وتعد فرنسا اليوم الزبون التاسع عشر للهند، بينما تعتبر المورد التاسع والعشرون فقط لها. وتتمثل الصادرات الفرنسية بشكل رئيسي في معدات الطيران والعسكرية، كون الهند ما تزال حمائية في العديد من القطاعات، مثل صناعة المواد الغذائية والسيارات والأدوية.

ومع ذلك، تهدف فرنسا إلى بيع ستة مفاعلات EPR  إلى الهند من أجل محطة “جايتابور” لتوليد الطاقة، في ولاية ماهاراشترا، وهو مشروع قيد التنفيذ منذ خمسة عشر عامًا. ومن الممكن التوصل إلى اتفاق إطاري بشأنه خلال زيارة الرئيس الفرنسي هذه إلى الهند، بحسب مصادر دبلوماسية.

تبدو هناك العديد من أوجه التقارب في وجهات النظر بين فرنسا والهند على الساحة الجيوسياسية.. فالأولى، تريد فرنسا أيضًا الهروب من النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة والصين. بينما تسعى الثانية إلى أن تصبح دولة متقدمة بحلول الذكرى المئوية للاستقلال في عام 2047 وتحدي التفوق الغربي في النظام الدولي. وفي مواجهة أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، تحتاج باريس ونيودلهي إلى شركاء، وتطالبان بإصلاح الحوكمة العالمية. وفي هذا السياق فإن الهجمات على حقوق الأقليات، ولا سيّما حقوق مائتي مليون مسلم هندي لا تشكل أولوية في الحوار الثنائي.

وقبل زيارة إيمانويل ماكرون إلى الهند، نظّم هنود يقيمون في فرنسا مظاهرة في باريس، يوم الأحد الماضي، للاحتفال بافتتاح معبد هندوسي كبير من قبل رئيس الوزراء مودي في أيوديا، على أنقاض مسجد قديم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية