ما أرخصك أيها العربي المسكين!

حجم الخط
11

ليس هناك شك في أن عدد الضحايا المدنيين الذين سحقتهم القنابل الإسرائيلية مساء الجمعة في عملية اغتيال أمين عام حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، كبير.
يكفي التذكير بقوة القنابل وعددها وإطلاقها في منطقة ضيقة مكتظة بالأبنية والبشر في ساعة الذروة من مساء يوم جمعة، للتأكد من أن الخسائر البشرية لا يمكن إلا أن تكون فادحة.
لكن لا أحد توقف عند هؤلاء الضحايا. بل إن بعض التقارير ذكرت أن عددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة!
لا أحد سأل عن هوياتهم وأعمارهم، ناهيك عن قصصهم وأحلامهم التي جُزَّت في رمشة عين.
هل تعرفون لماذا؟
لأنه التطبيع مع الموت عندما يضرب هذه المنطقة من العالم ويكون الضحايا من أهلها فقط.
أكثر من التطبيع مع الموت، رخص قيمة الإنسان العربي واستطرادا التسامح واللامبالاة عندما يكون هو الضحية. قارن بين عناوين وسائل الإعلام الدولية عندما يسقط 50 شخصا في غزة بقذائف إسرائيلية، وعندما يُصاب إسرائيلي واحد برصاص أو خنجر فلسطيني، للتأكد من سعر هؤلاء وأؤلئك.
عجيبة درجة تقبّل العالم لقتل الإنسان العربي بهذه الأعداد غير المسبوقة في التاريخ المعاصر.
في غزة جعل جيش الاحتلال الإسرائيلي من القتل الجماعي تسلية يومية لجنوده. قتلوا أكثر من واحد وأربعين ألف إنسان (بعض التقديرات تضرب هذا الرقم في ثلاثة) ثلثاهم أطفال ونساء منذ السابع من أكتوبر. وشرّدوا وجوَّعوا أكثر من مليوني إنسان وأحرقوا البيوت والمدارس ودور العبادة وممتلكات الناس وكل مسببات الحياة من حولهم.
وفي أول يوم من غاراته الجوية على لبنان الأسبوع الماضي قتل «الجيش الأكثر أخلاقا في العالم» 500 إنسان بوتيرة تجاوزت وتيرة القتل حتى في غزة. وشرّد عشرات الآلاف وأحرق ما شاء من الممتلكات (كم كان سيقتل لو أنه الجيش الأقل أخلاقا في العالم؟).
عند كل مذبحة تزعم إسرائيل أنها تصرفت بناء على «معلومات أكيدة» واستهدفت مواقع أو مقاتلين لحماس أو حزب الله. وقبل كل مذبحة تدرك أن ما ستقدم عليه سيودي بعشرات وربما مئات الأبرياء، لكن ذلك لا يمنعها لأن عقيدتها تبيح ذلك ولأنها تدرك أن الأمر سيمر بلا حساب أو عقاب.
هذه الوتيرة الخطيرة في القتل الجماعي تجعل من الواجب تسمية الأشياء بمسمياتها: إبادة جماعية عمادها العقاب الجماعي لأن كل سكان الضاحية، من منظورها، مقاتلون مع حزب الله، وكل سكان غزة إرهابيون يستحقون البطش بهم.

الإعلام الذي منذ سنوات يحتفي بصاروخ يسقط في منتصف الطريق، ويعتبر إطلاق صافرات الإنذار في مدينة إسرائيلية انتصارا وردًّا ساحقا على قتل إسرائيل عشرات العرب، هذا الإعلام يتحمّل مسؤولية تربية الجمهور على انتصارات لا وجود لها

لو قُـتل 500 إنسان من أي جنسية أو عرق أو ديانة في يوم واحد لاهتزت الدنيا. بل لو قُتلت 500 سلحفاة في يوم واحد لانتفض «العالم المتحضر» ونصب المشانق لقاتليها.
لكن لأن القاتل إسرائيلي والمقتول عربي، فلا بأس من التزام الصمت.
خلال العقود الماضية كانت إسرائيل تتصرف بهمجية مختلفة. رغم استباحتها دماء من تعتبرهم أعداءها، كانت هناك مكابح تلجم تهورها. كانت تقتل ولا تتبجح. أما القتل الجماعي الذي مارسته في غزة خلال السنة المنقضية، وفي لبنان خلال الشهر الماضي، فهو ثمرة توظيف لعقيدتها التوراتية والحربية تجاه العرب. وهذا التوظيف نابع من عنصرية دفينة لا ترى خللا أو مشكلة في قتل مئات العرب، أطفالا ونساء وشيوخا، إذا كان ذلك سيحقق لها هدفا عسكريا أو سياسيا، ولو صغيرا.
هذه العنصرية الدفينة وحدها تفسّر قتل 300 فلسطيني لتحرير أربعة رهائن في مخيم النصيرات. ولا تجد غضاضة في قصف مدرسة أو مربع سكني على رؤوس الأبرياء العزّل لمجرد الاشتباه أن شخصية من حماس موجودة هناك. وتقتل عشرات الأبرياء في بيروت لأن بزعم أن اللوم على الشخص المستهدف لأنه اختبأ في عمارة مأهولة بالمدنيين.
هذه العنصرية وحدها تُفسر تفجير آلاف أجهزة الاتصال في أيدي حامليها وسط الناس في الأسواق والمستشفيات والبيوت وسيارات الأجرة. هذا إرهاب دولة لا يختلف عن تسميم خزان مياه الشرب في مدينة مأهولة بملايين الناس، ويستحق أشد أنواع العقاب.
الأشياء مربوط بعضها ببعض، هذه العنصرية الدفينة فاضت لأنها لم تجد من يلجمها ويُبدي الحد الأدنى من المروءة والرفض لها.
لهذا، وللإنصاف وحتى لا نظلم إسرائيل والغرب وحدهما، يجب القول إن العرب شركاء في هذه المذابح. كلٌّ بطريقته. بعض القادة شركاء مباشرون. بعضهم الآخر بالصمت والتواطؤ. الشعوب والنخب كذلك شريكة.
من المفروض القول إنه ليس من الطبيعي أن يصمت القادة العرب وإسرائيل تلقي حمم نيرانها على الضاحية فقط لأن تلك الحمم قد تريحهم من حسن نصر الله. لكن عندما نتذكر أنهم صمتوا على الإبادة الجماعية في غزة، وربما حرّض بعضهم عليها، يصبح صمتهم عن ذبح بيروت وجنوب لبنان أكثر من طبيعي.
النخب الثقافية ونشطاء الحقل العام شركاء هم أيضا بسوء التقدير وبسماحهم بالتطبيع مع هذا الوضع غير الطبيعي. الشعوب شريكة هي الأخرى بعجزها وباستسلامها للأمر الواقع.
الإعلام الذي منذ سنوات يحتفي بصاروخ يسقط في منتصف الطريق، أو يهلل للحظات من الذعر أصابت حفنة من المستوطنين الإسرائيليين، ويعتبر إطلاق صافرات الإنذار في مدينة إسرائيلية انتصارا استراتيجيا وردًّا ساحقا على قتل إسرائيل عشرات العرب، هذا الإعلام يتحمّل مسؤولية تربية الجمهور على انتصارات لا وجود لها وعلى الرضى بالحد الأدنى وعلى التقليل من قيمة روح الإنسان الفلسطيني أو اللبناني مقابل اليهودي الإسرائيلي.
التطبيع مع أرقام الضحايا العرب ليس وليد الصدفة ولم يبدأ في غزة أو لبنان خلال الشهور الماضية. إنه ثمرة تراكم ثقافي ونفسي في مجتمعات، بحكامها ونُخبها وشعوبها، تربَّت وسط رصيد هائل من الخلل الذي من أبرز تجلياته الانهزامية والرضى بالحد الأدنى مع واجب الشعور بالامتنان.

كاتب صحافي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول مجرد رأي:

    إضافة لما تفضل به الكاتب المحترم، العربي رخيص كذلك حتى في وطنه ،فكم قتلت أنظمة عربية الألوف من شعوبها بدعوى محاربة المخربين و الارهابيين والعملاء…فالتطبيع مع الموت في اعتقادي داخليا في الأصل قبل أن يصبح خارجيا على العرب.

    1. يقول جيرار فوري:

      صح ما تقول يا أخي راجع كتاب الاستقصاء لصاحبه احمد ابن خالد الناصري

    2. يقول بوعكاز:

      هذا كلام حقيقي فلماذا يتألم البعض منه.

  2. يقول الجنتلمان:

    السعر عند الله.
    الله هو الذي يقدر و يقيم.
    السعر هو الجنة.

  3. يقول محي الدين احمد علي رزق:

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ما أرخصك أيها العربي المسكين. أستاذ توفيق رباحي تحياتي لحضرتك في مقال صغير تمكنت من شرح موضوع من أخطر المواضيع هذا الموضوع يحتاج كتاب بل كتب لكي نصل لماذا وصل رخص الإنسان العربي على مستوي العالم إلى هذا الرخص جميع الشعوب العربية لا تعرف كيف تقوم بالدفاع عن نفسها لا في الداخل ولا الخارج الانسان العربي يقتل وليس له سعر في أي مكان وزمان القضية الفلسطينية من 1948 جميع المجازر ضد الفلسطينيين منهم أطفال ونساء وكبار السن وشباب اعزل تمت امام العالم ولم يتحرك أحد في حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل تم ضرب مدرسة بحر البقر للأطفال امام العالم ولم يتحرك أحد والان يتم ذبح بل إبادة الشعب الفلسطيني بالكامل وأيضا لم ولان يتحرك احد وبعد ذألك القضاء على الشعب اللبناني ولان يتحرك احد هذا العالم أمريكا والغرب منافقين يكذبون هم يريدون بلادنا ولكي يتم الحصول على بلادنا يجب قتلنا وهاذا ما نحن فيه اصبحنا مثل الهنود الحمر اذ لم تتحد دول العالم الإسلامي وتقف واقفت رجل واحد علينا السلام.

  4. يقول أبو رحاب.:

    عندما تكون هناك جيوش جرارة في العدد ثقيلة في العدة. ولم تطلق رصاصة في تاريخها سوى ضد شعوبها. وعندما تسأل عن دورها يقال لك بأنها تحرس الوطن. ولكن ضد من. إنها تحرسه ضد المواطن نفسه خشية أن يفكر في مسائلة محل هؤلاء الحكام من الإعراب السياسي والاقتصادي والرجولي إذا صح التعبير. والعربي الذي انجب خالد بن الوليد والمعتصم والخطابي وعمر المختار ليس رخيصا ولكنه مسترخص بسبب حكام وجيوش رخيصة.

  5. يقول عبدو:

    إسرائيل اخذت الموافقة من أمريكا بإبادة الشعب الفلسطيني وتهجير ما بقي منه الفيتو الأمريكي خير شاهد على ذلك كما اخــــــــذت الاذن بالموافقة على اغتيال الأمين العام لحزب الله ومن كان معه فهدمت الحي بأكمله. شراسة إسرائيل في القتل والتشريد والتجويع والتهجــــــير اما أمريكا تتفنن في مراوغة الحكام العرب المنبطحين اللذين يزعمون انهم أصدقاء أمريكا ومازالوا يصدقونها كأنها رسول ينزل عليه الوحي من السماء متى يتحررون من هذه الأوهام.

  6. يقول الحسين واعزي ( المغرب):

    الإنسان العربي ليس رخيصا. الذين يحكمونه هم الذين استرخصوه وباعوه لأعدائه من أجل بقائهم حكاما فوق كراسيهم. الإنسان العربي أوصل الإسلام إلى الصين وشمال إفريقيا وفي أدغالها، ونشره في الجزء الجنوب من أوروبا، أي في الأندلس سابقا. وأخرج أقواما عديدة من عبادة الأوثان والنار إلى عبادة الواحد القهار. وعلمهم القراءة والكتابة والاستحمام والتطيب بعد أن كانوا لا يعرفون للاغتسال سبيلا. الإنسان العربي قاد العالم عشرة قرون متلاحقة.

  7. يقول سلام عادل -المانيا:

    ذكرتني يا سيد توفيق بكلام صدام حسين بعد غزو الكويت للصحفيين بقوله لهم اطمئنوا لن يكون هناك حرب لان الغرب عندما يقتل منهم شخص تخرج الناس بمظاهرات ضد الحكومة وبالتالي من نلوم شعوبنا ام حكوماتنا ولكن دائما يعجبني بعض المعلقين الذين يشتمون الغرب واخلاقه

  8. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل.
    من رَخَّصَ الإنسان العربي !!!؟؟؟
    الكاتب صَدَقَ ووُفِق في مقاله، إلا في اتهام غير الحكام في ترخيص وإذلال وتجبين الإنسان العربي. الحكام لا يريدون إنسان مثقف متشبع بقيمه العربية الإسلامية، غيور على حريته وأرضه وعرضه، وساعدهم الغرب المتصهين في مهمتهم، لكل منهما هدفه.
    ومن حاول من العامة أو النُخب بالتفوه بغير المسموح بيه فمصيره “غوانتانامو عربي” أو المنشار.
    الحكام هدفهم تأمين عروشهم وتوريثها لأبنائهم، والغرب هدفه ثرواتنا.
    فالحاكم العربي لا يتردد في سجن الفقهاء والمثقفين أو ذبحهم وسلخهم ولو بمنشار، ولا يتردد في قذفهم في البحر ولو كانوا صغار. ولا يهمه التنازل عن الأرض والسكوت عن العرض ما دام ذلك يضمن له الاستمرار في الحكم والثناء من الغرب.
    وفي المقبل نعلم أن الحاكم العربي، يستطيع لو أراد أن يرفع من شأن الإنسان العربي، ذلك ما رأيناه في صفقة اليمامة مع بريطانيا وقضية هانيبال القذافي مع سويسرا، لكن شتان بين هؤلاء وبقية الشعب.
    …/…يتبع

    1. يقول غزاوي:

      …/…تتمة 1/2
      مجرد تساؤل.
      من رَخَّصَ الإنسان !!!؟؟؟
      في مقال نشرته “القدس العربي”، يوم:13/05/2024، تحت عنوان:”فورين أفيرز: بسبب تداعيات 7 أكتوبر.. أمريكا تخسر العالم العربي والصين تجني الفوائد “، نقلت فيه تحليلا لثلاثة أكاديميين أمريكيين، جاء فيه ما نصه:
      “أن العديد من المحللين والسياسيين الأميركيين…كثيرا ما أشاروا إلى أنه لا ينبغي إيلاء “الشارع العربي” أهمية كبيرة في السياسة الخارجية، متذرعين بأن القادة العرب “المستبدين” لا يكترثون كثيرا بالرأي العام في بلدانهم.
      ويشدد هؤلاء المحللون والسياسيون على أنه يتوجب على صُنّاع السياسة الأميركية إعطاء الأولوية لعقد صفقات مع أصحاب النفوذ على (بدل) كسب قلوب وعقول المواطنين العرب.
      ووفق الباحثين فلطالما اعتبر العرب أن الولايات المتحدة تعمل على تأمين مصالحها ومصالح القادة العرب المتحالفين معها قبل مصالح المواطنين العاديين، حتى في الوقت الذي يسعى فيه المواطنون العرب إلى دعم أكبر لجهود التحول الديمقراطي ومكافحة الفساد” انتهى الاقتباس
      …/…يتبع

اشترك في قائمتنا البريدية