رام الله ـ «القدس العربي»:على عكس المرجو، تحول اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني والذي رفع شعار الوحدة الفلسطينية إلى مصدر لتجديد الاتهامات وتعزيز الانقسام. فالمؤتمر الذي حمل عنوان: «لا للتهجير ولا للضم- الثبات في الوطن- إنقاذ أهلنا في غزة ووقف الحرب- حماية القدس والضفة الغربية، نعم للوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة»، حمل الكثير مما يتعارض مع جوهر هذا الشعار. لقد انسحبت من جلساته الجبهة الديمقراطية، كما قاطع الجلسات حزب الشعب في يومه الثاني، وامتنع عن المشاركة كل من الجبهة الشعبية وكذلك المبادرة الفلسطينية.
وبعيدا عما دار في جلسات المؤتمر من اتهامات وتجاذبات على مدار يوميه، فقد أقر المجلس مساء الخميس 24 نيسان/أبريل 2025، استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دولة فلسطين، وذلك خلال دورته الثانية والثلاثين التي انعقدت في مدينة رام الله.
وحسب ما نشرته وكالة «وفا»، فقد جاء القرار بـ«أغلبية ساحقة»، إذ صوّت لصالحه 170 عضوًا من الحضور. ونصُّ القرار الجديد على أن يُعيّن نائب رئيس اللجنة التنفيذية من بين أعضاء اللجنة، بناءً على ترشيح من رئيس اللجنة التنفيذية، ومصادقة الأعضاء، مع منحه صلاحيات تشمل تكليفه بمهام، أو إعفائه من المنصب، أو قبول استقالته من قبل رئيس اللجنة.
ولخص أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ ما انبثق عن اجتماعات المجلس حيث قال في تغريدة على صفحته على منصة «إكس» بإن المجلس طالب المجتمع الدولي بالتدخل الأكثر حسماً وحزماً لوقف حرب الإبادة المستمرة ضد الشعب الفلسطيني وتحديداً في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.
وقال إن المجلس شدد على أهمية الوحدة الفلسطينية للشعب الفلسطيني وقواه بكل أطيافها تحت مظلة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأكد على رفض ومقاومة تهجير الشعب الفلسطيني من وطنه مثمناً صمود وثبات الفلسطينيين، والمواقف العربية والإسلامية والدولية الرافضة للتهجير والمطالبة بوقف المجازر، وأكد على ضرورة تنفيذ القانون الدولي والشرعية الدولية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
وحسب خبراء ومحللين سياسيين تحدثت معهم «القدس العربي» فإن الاجتماعات ما كان لها أن تحقق أكثر من استحداث منصب نائب الرئيس الفلسطيني، في خطوة شكلية للإصلاح الفلسطيني.
مرحلة «الجرجرة»
وحسب أستاذ العلوم السياسية والوزير السابق علي جرباوي فإن المجلس المركزي في وضعه الحالي لم يعد قادرا على اتخاذ قرارات استراتيجية تخص الوضع الفلسطيني.
وأضاف: «المسألة اليوم ليس في انعقاد المجلس بل فعاليته وقدرته على إحداث التغيير المطلوب في الحالة الفلسطينية التي يواجه فيها الفلسطينيون وضعا خطيرا جدا».
واعتبر أن الحاجة أصبحت ماسة لوجود مطلب التغيير، وكذلك لفعل ما من أجل مواجهة الضغوط والتحديات التي يواجهها الفلسطينيون من الداخل والخارج، لكن السؤال: «هل يمكن للمجلس أن يقوم بذلك؟».
وكان جواب الجرباوي بالنفي: «باعتقادي لا يستطيع، وما يمكن أن يتحقق هو الموافقة على طلب استحداث منصب نائب للرئيس الفلسطيني بفعل الضغوط الخارجية».
وأكد الجرباوي: «»لن يتغير الكثير بعد الاجتماع، بالعكس لن يحدث أي تغيير لانعقاد المجلس، سيكون غدا مثل اليوم ومثل الأمس، ليس هناك أي امكانية في التغيير».
واعتبر أنه كان هناك أمل ما أن يعمل الاجتماع على لملمة القضايا الفلسطينية والانطلاق للأمام من أجل مواجهة التحديات في غزة والضفة والقدس، لكن لذلك لم يتحقق.
ووصف الحالة الفلسطينية بإنها وصلت إلى نقطة اللاعودة، «قدرتنا على الفعالية السياسية اضمحلت بشكل هائل، لم يعد الوضع الفلسطيني قادرا على مواجهة التحديات الخارجية في الضفة أو في غزة، نحن نعاني من انقسام مزمن، وبالتالي كانت هناك إمكانية أن نصل عبر التفاهم إلى حل مسألة الانقسام، لكن ذلك غائب، كما أن حسم الانقسام عبر السيطرة والقوة مسألة غير واردة، وبالتالي سيبقى الانقسام مزمنا».
ويرى أستاذ العلوم السياسية أن الانقسام الفلسطيني دليل على أن النظام السياسي بشكله الحالي تكلس ولم يعد قادرا على مواجهة ما يقابل الفلسطينيين من تحديات جسام.
ويصف الواقع الفلسطيني قائلا: «لقد دخلنا ما أسميه (زمن الجرجرة) أي أن نقوم بشؤوننا من يوم ليوم، نحاول أن نقضي يومنا في مواجهة التضييق المالي علينا أو مواجهة حرب الإبادة أو مواجهة هجمات المستوطنين في الضفة، لقد فقدنا القدرة على الفعل، وليست لدي بارقة أمل في ظل حالة تخندق المواقف عند الطرفين، وهو ما يجعل من إمكانية حدوث اختراق داخلي مسألة صعبة رغم أنها واجبة وينبغي لها أن تحدث».
وطالب بضرورة تجنب التفريق بين ما يطلق عليه سلوك «الينبغي» (ما يجب ان يحدث) وبين «الأمر الواقع»، «فالواقع يقول إن النظام السياسي بحاجة لنفض وتغيير شامل وكامل كي نقدر أن نبدأ في مواجهة التحديات الخارجية».
ووصف واقع السياسة الفلسطينية بإنها تقوم على «لعل وعسى»، أي عسى أن يحصل شيء في الإقليم، أو لعل وعسى أن تتغير الحكومة الإسرائيلية، أو لعل وعسى أن يتغير الموقف الأمريكي.
ويرى أن ما يضاعف الواقع أن سياسة «لعل وعسى» تلغي أي محاولة لإصلاح الوضع الداخلي، وتحجب أي قدرة على النظر إلى الإشكاليات الذاتية، فالانهيارات في كل القطاعات مثل التعليم والصحة والقضاء.
وتابع: «نعيش حالة سريالية حقيقية».
واعتبر الجرباوي أن القيام بالإصلاح الفلسطيني جاء بشكل شكلي، رغم كون الإصلاح مسألة جوهرية فلسطينية وهو مطلب داخلي.
واعتبر أن هناك قبولا لمطالب الإصلاح من الخارج والتي عليها علامات استفهام كبيرة، بينما لا يتم الالتفات إلى مطالب الإصلاح الداخلي.
ورأى أن دول العالم منذ أوسلو وحتى اليوم لم تكن تريد حل القضية الفلسطينية، بل كانت تريد أن تدير الصراع أي أن تجعله صراعا على نار هادئة ومحتملة بالنسبة للعالم، ومن أجل استمرار إدارة الصراع يجب ان يكون هناك استمرار لدور السلطة الفلسطينية، سلطة «على قد الطلب»، بمعنى تكون قادرة على الاستمرار بإدارة الصراع للمستقبل.
وتساءل: «الأهم بالنسبة لي ماذا نريد نحن من أنفسنا؟ ما هي قدرتنا؟ في ظل أن الهجوم علينا فوق طاقتنا، المشكلة تتمثل في أن هناك ما يمكن ان نفعله لأنفسنا ولكننا لا نفعله. فما يمكننا فعله لماذا لا نقوم به؟ وفي حال بدأنا بفعل ما نقدر على فعله عندها يمكن لمناعتنا الداخلية أن تعود للجسد الفلسطيني ولو بنسبة بسيطة، لكن الواقع يقول إننا فقدنا مناعتنا والدليل على ذلك توالي هجمات المستوطنين في الضفة الغربية والقدس وحرب الإبادة على قطاع غزة».
وخلص إلى أن النقطة الجوهرية أعمق من مسألة الحوار أو رفض المشاركة أو قرارات المجلس المركزي، المسألة أن كل الفصائل وتركيبة النظام السياسي الحالية انتهت وفقدت تأثيرها في الشارع الفلسطيني، فالشارع في واد وكل ما يجري في واد آخر، نحن في وضع سريالي تماما.
أهداف تحت الاستهداف
وبذات السياق يرى المحلل السياسي والباحث في التحولات السياسية إبراهيم ربايعة أن واقع جلسات المجلس المركزي تشير إلى أنه لا يوجد ما يدفع إلى التغيير في المشهد السياسي وخريطة الصلاحيات وذلك بعد استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
وتابع: «لا يوجد حقيقة ما يدفع إلى التغيير، لقد جاء ذلك من خلال تصريح الرئيس الفلسطيني في القمة العربية، وهو ما جاء متصلا ببعض الأجواء الإقليمية حول أفق سياسي في حينه، لكننا لا نرى اليوم أي مشاريع سياسية على الطاولة ولا رؤية لليوم التالي فيما يتصل بالنظام السياسي الفلسطيني، وكذلك فيما يتصل بالترتيبات الفلسطينية ذات الصلة».
وشدد على أن الحالة الفلسطينية تواجه انسدادا سياسيا، وبالتالي لا جديد ولا مفاجآت في نتائج ومخرجات المجلس المركزي.
وتابع: «ما حدث خلال يومي اجتماعات المجلس المركزي هو جزء من استمرار السياسة الفلسطينية كما كانت خلال السنوات الماضية على مستوى الصلاحيات وعلى مستوى مراكز القوى. وبالتالي ليست هناك أي مفاجآت تتصل بالمصالحة أو تغير المشهد الفلسطيني الداخلي. هناك حالة من الاستقطاب السياسي الفلسطيني وستستمر».
وخلص ربايعة إلى أنه لا توجد أدوات فلسطينية ذاتية للذهاب بعيدا لتغيير سياسات أو اتخاذ قرارات ذات أثر على كل المستويات سياسيا وماليا. «فنحن نعاني من استمرار في حالة الانقسام وعدم وجود روافع إقليمية وفلسطينية لمشروع فلسطيني جمعي».
وخلص إلى أن الأولوية الفلسطينية في المرحلة القادمة ترتبط بالعمل على تحقيق ثلاثة أهداف: أولها وقف الحرب، وثانيها، الحفاظ على الكيانية السياسية الفلسطينية، وثالثها الذهاب لحالة سياسية جمعية جديدة، لكن لا توجد مؤشرات أن أحد الأهداف الثلاثة دخل إلى المنطقة الآمنة في الحالة الفلسطينية، فبأبعادها الثلاثة هي تحت الاستهداف.
وكان المحلل السياسي هاني المصري قد سبق عقد المجلس المركزي بالقول إنه عقد المجلس المركزي بدون أن تسبقه جهود حقيقية لتوحيد القوى والمؤسسات داخل السلطة والمنظمة، وبدون وضع استراتيجية موحدة أو على الأقل تحقيق توافق وطني على أساس خطة ملموسة لمواجهة التحديات الراهنة التي تستهدف الكل الوطني وعلى رأسها خطة حسم الصراع وتصفية القضية الفلسطينية ووقف جرائم الإبادة والتطهير العرقي والضم والتهجير، وتوفير مقومات الصمود والبقاء للشعب والقضية، خطوة إلى الوراء تعمق الانقسام وتسهل على دولة الاحتلال تحقيق أهدافها بسرعة وتكاليف أقل.
يذكر أن المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو هيئة وسيطة بين المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. وهو هيئة دائمة، منبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني، ومسؤول أمامه. وقد تقرر تشكيله في الدورة الحادية عشرة للمجلس الوطني التي انعقدت في القاهرة في كانون الثاني/يناير 1973.
وكانت حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي قد انتقدتا مخرجات اجتماع المجلس المركزي، حيث اعتبرت حماس أنه تجاهل تطلعات الشعب الفلسطيني للوحدة الوطنية في مواجهة التحديات الكبرى، مثل حرب الإبادة الجماعية على غزة والتصعيد الاستيطاني في الضفة والقدس.
وقالت الحركة في بيان إن الاجتماع لم يقدّم أي استجابة وطنية للتصدي للعدوان الإسرائيلي أو وقف تهويد القدس وتعزيز الاستيطان، بل كرّس التفرد والإقصاء عن واقع الشعب المقاوم، وتجاهل اتفاقيات الحوارات الوطنية السابقة، مثل اتفاق «بكين»، واستحداث منصب نائب الرئيس بشكل غامض، يعكس استمرار المسار الأحادي.
أما حركة الجهاد الإسلامي فقالت إن «مقاطعة العديد من القوى الفلسطينية لاجتماعات المجلس واستبعاد قوى المقاومة، يجعل من مخرجات الاجتماعات غير ذات صلة بالواقع، وتفقد أية قيمة لها، لا سيما في ظل استمرار التنكر لتطبيق مقررات اجتماعات كثيرة سابقة».
وأضافت: «رغم الشعارات التي رفعتها الدورة الثانية والثلاثين، لا للتهجير ولا للضم، والثبات في الوطن، وإنقاذ أهلنا في غزة ووقف الحرب، وحماية القدس والضفة الغربية، ونعم للوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة، إلا أنّها هُمّشت، وكأنها قضايا ثانوية وغير ملحة».