الجزائر- حسان جبريل:
زكّى البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي ومجلس الأمة) قانون المالية لعام 2023، والذي يوصف بأنه تضمن أكبر موازنة في تاريخ البلاد قاربت 100 مليار دولار.
وبعد مصادقة البرلمان الذي تسيطر عليه كتل الموالاة على قانون الموازنة، بقيت خطوة واحدة لدخوله حيز التطبيق مطلع يناير/ كانون الثاني القادم بعد تصديق رئيس الجمهورية عليه.
ورصدت الحكومة للعام 2023، أضخم موازنة في تاريخ البلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962، بلغت 99 مليار دولار.
وبلغت الإيرادات الإجمالية المتوقعة في المشروع 7901 مليار دينار (56 مليار دولار).
وجرى إعداد الموازنة على أساس سعر مرجعي للنفط يبلغ 60 دولارا للبرميل، وسعر سوق يبلغ 70 دولاراً.
وتوقع وزير المالية إبراهيم كسالي، أمام البرلمان تراجع التضخم في السنة المقبلة إلى 5.4 بالمئة، نزولا من 9.4 بالمئة حاليا، في حين ستصل نسبة نمو اقتصاد البلاد 4.1 بالمئة.
ستبلغ نسبة عجز الموازنة 20.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بأكثر من 43 مليار دولار، صعودا من 15.9 بالمئة خلال العام الجاري، التي تعادل 31 مليار دولار.
وبرر وزير المالية إبراهيم كسالي ارتفاع نسبة العجز، بالأثر المالي المتوقع لرفع الأجور والمرتبات المنتظرة، خلال السنة المقبلة، إضافة لمراجعة علاوة العاطلين عن العمل (زيادتها).
وفي رده على أسئلة أعضاء البرلمان حول طريقة تمويل هذا العجز غير المسبوق، قال الوزير إنه سيتم “عن طريق استغلال موارد صندوق ضبط الإيرادات المتاحة في نهاية 2022.
ويتوقع أن يبلغ إجمالي أموال صندوق ضبط الإيرادات المتاحة في 2022، بنحو 16.6 مليار دولار. كما تعول الحكومة على فوائض قد يتم تسجيلها في 2023.
وصندوق ضبط الإيرادات، هو مؤسسة مالية لادخار عائدات النفط ويتضمن الإيرادات المحسوبة من الفارق بين سعر النفط المرجعي للبرميل عند إعداد الموازنة، وسعر السوق حيث يباع الخام فعليا.
كما سيتم التمويل حسب الوزير، من “سوق قيم الخزينة الذي أجريت عليه تحديثات، من خلال وضع أرضية إلكترونية لإصدار وتداول القيم، أدت إلى توسيع قاعدة المستثمرين في قيم الخزينة السيادية”.
يضاف إلى ذلك، حسب كسالي، السيولة البنكية التي شهدت خلال 2022 تطورا ملحوظا حيث بلغت 1800 مليار دينار (13 مليار دولار) في أواخر سبتمبر/ أيلول 2022.
وهذه السيولة، ستساهم بالإضافة إلى تمويل المشاريع الاقتصادية، في تمويل عجز الخزينة من خلال الاكتتاب في سوق سندات الخزينة.
رصدت السلطات الجزائرية موازنة دفاع قاربت 23 مليار دولار وهي الأكبر في تاريخ الجزائر.
وورد في قانون الموازنة والذي عرض على البرلمان، أنه تم رصد حوالي 3186 مليار دينار (قرابة 23 مليار دولار) لنفقات الدفاع الوطني، دون تفاصيل حول طبيعتها.
وفي موازنة العام 2022 بلغت نفقات الدفاع الوطني 1300 مليار دينار (قرابة 10 مليارات دولار).
ولم يصدر أي تعليق من السلطات حول مشاريع الدفاع التي ساهمت في تضاعف موازنة 2023.
وظهرت مؤشرات حول توجه الجزائر، نحو صفقات تسلح جديدة، من خلال استقبال قائد أركان الجيش الفريق أول سعيد شنقريحة، لعدة مسؤولين عسكريين أجانب خلال الأسابيع الأخيرة، في مقدمتهم مدير الهيئة الفيدرالية للتعاون العسكري التقني الروسية، ديمتري شوغاييف.
وحسب تقارير دولية، تعد الجزائر ثالث مستورد للسلاح الروسي في العالم، فيما تعتبر موسكو أول مموّل للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة الحربية بنسبة تفوق الـ50 بالمئة.
في هذا السياق، يرى والبروفيسور والمحلل الاقتصادي، محمد حميدوش، أن موازنة بهذا الحجم تقارب 100 مليار دولار، تشير إلى توجه نحو نموذج اقتصادي جديد يقود قاطرة النمو فيه الاستهلاك وليس القطاع العمومي (الحكومي).
وأوضح محمد حميدوش، الذي اشتغل سابقا كخبير لدى البنك الدولي، أن هذه الموازنة التي تعد الأضخم في تاريخ البلاد، موجهة بالدرجة الأولى لزيادات الأجور المرتقبة في العام المقبل.
ويشرح المتحدث أن هذا يعني وجود توجه لتغيير النموذج الاقتصادي، بحيث عوض أن يكون القطاع العمومي الحكومي والذي يقود قاطرة النمو، “سنتوجه تدريجيا إلى أن الأسر هي التي تحفز النمو من خلال الاعتماد على الاستهلاك”.
واعتبر الخبير أن هذا التوجه سيعطي دافعا للنمو الاقتصادي؛ موضحا أنه عكس ما يتوقعه قانون الموازنة ذاته بأن يكون أكبر من 4 بالمئة في 2023، ستقترب النسبة من 6 بالمئة.
استباق أزمة اقتصادية
من جهته، يعتقد الصحافي المتخصص في القضايا الاستراتيجية والدفاعية، أكرم خريف أن اعتماد السلطات هذه الموازنة الضخمة، يمكن تفسيرها بسببين رئيسيين.
وذكر أكرم خريف، أن الموازنة الضخمة التي قاربت 100 مليار دولار، تشير إلى وجود نية إطلاق إصلاحات كبرى خصوصا من الناحية الاقتصادية.
وأضاف خريف السلطات متوجسة أيضا من الحالة الاجتماعية، واحتمالات تفاقمها جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، التي طالت عديد البلدان ويمكن أن تصل الجزائر أيضا ولو بأقل حدة.
“الموازنة الضخمة هي نوع من الاستباق، للتصدي لأي طارئ اجتماعي ومحاولات لتهدئة الجبهة الاجتماعية تحسبا لتداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية”.
وبخصوص موازنة قطاع الدفاع التي تعتبر هي الأخرى الأكبر في تاريخ الجزائر، اعتبر أكرم خريف أن ذلك راجع لتداعيات الحرب في أوكرانيا، واقتناع الجيش الجزائري بضرورة التطور أكثر، وأيضا التحضير لمواجهة الوضع المتأزم بمنطقة الساحل الإفريقي.
(الأناضول)
مقال في المستوى. بارك الله في من اعده.نورال