ما علاقة الحمار المدلل بالجيش الأكثر أخلاقية في العالم؟

كان لرجل في قرية جبلية بعيدة حمار صغير. وذلك الحمار كان بمثابة ابنه المدلل. وقد أقنع العديد من معارفه بأن حماره ليس عادياً، بل عنده مواهب عديدة أبرزها قدرته على التحدث بعدة لغات.
وفي يوم قررت امرأة بسيطة من قرية مجاورة بعد أن سمعت عن صيت الحمار أن ترسل ابنها الراسب، الذي توعد المدير بطرده، ليتعلم من الحمار، عله يفلح قليلاً في المدرسة. كانت تأتي بابنها وتجلسه أمام الحمار وتقعد على مسافة قريبة منهما، وهي تتأملهما وتهز برأسها إعجاباً بالأستاذ وتلميذه. وكان ابنها يعود إلى البيت، وهو يتمتم بكلمات لا أحد يفهمها، مؤكداً أنها اللغة الإنكليزية باللكنة الأمريكية، التي أصبح يتقنها بجدارة بفضل الحمار. صدّقت الأم ابنها الأحمق، الذي ما كان أحد يفهمه سوى الحمار. كما صدّقه سكان القرية وبدأوا يرسلون أطفالهم للحمار. هكذا أصبح الحمار زعيم القرية. تُفرش له الأرض وروداً فيتمختر وهو يدوس عليها وامتلأت الطرقات بروثه وبوله، وباتت فضلاته تباع كمنشطات ذهنية تساعد من يتناولها في رفع منسوب ذكائه!
أمس كتبت هذه القصة القصيرة لابني الصغير، بعد أن تصفحت الجرائد وتابعت أخبار الجيش «الأكثر أخلاقيّة في العالم». إنها قصة قد تختصر الحرب على غزة و»عظمة» جيش الاحتلال.
أتساءل كم نحن مجحفون بحق الجيش الإسرائيلي؟ جيش مبدع كحمارنا، بل مبدع أكثر منه بكثير! ويتقن لغة الموت. لغة اتفقت عليها عدة بلدان وفرضتها في مقرراتها، التي تعتمد القتل أو المتاجرة بأرواح الأبرياء أو التطبيع مع القاتل.
أما المؤسف حقاً فهو تقصيرنا المخزي أمام تضحيات الجيش الإسرائيلي! لا أعرف ما الذي يؤخرنا عن فرش الورود له والتعلم منه؟!
ألم يبذل جهده تماماً كالحمار؟ ألم ينقذ الرهائن من بين أنياب الإرهاب؟ ألم يتعب ويجهّز للعملية عدة أسابيع معتمدا على معلومات استخباراتية شديدة الدقة تحدد مكان المحتجزين الأربعة في مخيم النصيرات؟ ألم تدخل الفرقة 98 منذ أسبوع للمخيم في مخطط مفصل لعملية محكمة كي لا ترهق الكثير من الأرواح؟
صحيح أن الجيش لم ينقذ سوى ست رهائن بعد ثمانية أشهر من القتال. ولكن كل رهينة إسرائيلية تساوي آلاف الفلسطينيين، الذين لم يتمكنوا يوماً من المذاكرة في مدرسة الحمار. ولا أعرف كيف ننسى أن جيش الأخلاق والجودة لم يقتل خلال الأشهر الثمانية الماضية سوى حوالي 36000 شهيد و80 ألف مصاب! كان بإمكانه أن يقتل عددا أكبر، ولكنه لشدة حبه للآخر ولعمق إنسانيته تأنى واكتفى بهذا العدد القليل. وكي نتعلم منه الأخلاق قتل ليلة إجلاء الرهائن الأربعة، 274 شخصاً! فيما حرر أربعة رهائن بشحمهم ولحمهم. كما قام  بإعادة الرهائن الى أحضان أهاليهم، بعد أن طهر وعقّم المخيم المزدحم بالنازحين المسالمين؟!

اللقمة العالقة في فم طفل

قد تسألوني كيف نظف مخيم النصيرات. سأخبركم بالتفصيل كي نعطي ذلك الجيش حقه. لقد نظفه بدماء طفل بريء كان يأكل إلى جانب أمه، بقيت اللقمة عالقة بفمه وطار الطفل، فجيش الأخلاق مناصر للبيئة، وذلك الطفل يشرب الحليب. قتله كي تطول حياة البقرة «بيبي» وصديقها «الحمار المدلل». قُتل كي تقع اللقمة العالقة في فم الصغير وتتغلغل بالتربة فتغذيها.
هكذا عقمها من كثرة الفرش على الأرض ومن شخير النائمين وصدى أحلامهم المزعج. فاستخدم أسلحة قوية محرمة تفتت الأجساد، فلا يبقى منها شيئا يُذكر.
لقد حاولت الأمهات إيجاد جثث أطفالهن، ولكنهن لم يتمكنَّ من معرفتها، كانت معظمها لحماً مطحوناً. ومع ذلك حاولن جمع «الفتافيت» أو البقايا بأقمشة بيضاء لينمّن قربها. قد يلتئم منها شيء عند صلاة الفجر. وتعود الحياة لتدب فيها فتستفيق من جديد، أو قد تسحب كل «فتفوتة» أمها معها نحو الأفق البعيد.
إن هذا الجيش لم يرغب أن ترى الأمهات أطفالهن أمواتاً، فطحن لهن تلك الأجساد الصغيرة! هكذا نظف بشكل كامل مخيم النصيرات وترك الدماء تعقم الأرض وتغذي ديدانها كي تنتعش التربة، ربما لذلك سمى الاحتلال «العملية الإنسانيّة» ببذور الصيف. يا الله كم هو جيش شاعري وحالم. كيف ارتقت به المعاني فشبه العملية بالصيف؟
لا بد أنه متأثر بصفاء سماء غزة هذه الأيام. إنها صافية جداً. لا دخان يتصاعد منها أو إليها، ولا غيوم سوداء تغطيها. فسماء القطاع زادت زرقتها زرقة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وقد شبهوا العملية ببذور الصيف. يا لحلاوتهم! من المؤكد أن التسمية تعود للطماطم والباذنجان والفلفل الحار والملوخية والكوسا وغيرها من الخضراوات والفواكه المتكومة فوق عربات البائعين المنتشرين في كل أنحاء القطاع.
بعد عملية التحرير الداعمة للقيم الإنسانية، قام الشعب التابع لحكومة الذبح بالتهليل بتمجيد القدرات الخارقة لدى جيشه الإنساني. كما صفق الإسرائيليون المستجمّون على الشواطئ وتغنوا بجيشهم العظيم! ولكن سرعان ما انتهت الاحتفالات بإعلان حركة حماس موت ثلاثة أسرى من بينهم أمريكي في مجزرة النصيرات العشوائية. معليش، كلو يرخص للجيش الأكثر أخلاقية في العالم! ربما التخطيط لأسابيع طويلة لم يكن كافياً. وقد يحتاج في العملية المقبلة إلى أشهر لتحرير أربعة أسرى جدد، وقتل ما تبقى من الفلسطينيين.

 كاتبة لبنانيّة

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    قال شاعر :
    مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً
    فلمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ
    وحَلَّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطالَما
    غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَح
    فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا
    وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ

  2. يقول Maram Massri:

    برافو مريم مقال صادق ومؤلم

  3. يقول alaa:

    العيب فينا– كنتم خير امه تامرون بالعروف وتنهون عن النكر–فهل نحن ننفذ ماكتبه الله لنا — لا–لذلك اصبحنا علي مانراه الان ولا حول ولا قوة الا بالله

اشترك في قائمتنا البريدية