دمشق – «القدس العربي» : يحظى ملف اللاجئين السوريين باهتمام دول الاتحاد الأوروبي، لاعتبارات سياسية وإنسانية في المقام الأول، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي، الثلاثاء، دعم العودة «الآمنة والطوعية والكريمة» للسوريين، مشيراً الى أن هذه الشروط لم تتحقق بعد.
وأوضح بيان صادر عن بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا، عبر «تويتر»، أن رئيس البعثة دان ستوينيسك، التقى المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي في دمشق، وشدد على أن عودة جميع السوريين إلى ديارهم، هي حق لهم، لكن الشروط لم تتحقق بعد، وعلى رأسها ظروف العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، وفقا للقانون الدولي ومبدأ عدم الإعادة القسرية.
وتابع البيان «الاتحاد الأوروبي سيدعم عمليات العودة التي تسهلها الأمم المتحدة بمجرد أن تسمح الظروف بذلك» حيث أبدى التزامه الحل السياسي الدائم في سوريا، معتبرًا أن التطبيع مع نظام بشار الأسد وإعادة إعمار سوريا ورفع العقوبات أمور غير واردة ما لم تنته الحرب.
تنامي الخطاب العنصري
وتتجدد أزمة اللاجئين السوريين، في دول الجوار السوري، لاسيما تركيا ولبنان لحضورها في المشهد السياسي مع تصاعد الخطاب الشعبوي لدى بعض الأطراف السياسية، التي تسعى إلى اختصار المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الداخلية، بالوجود السوري.
كما ساهم هذا الخطاب الذي تتبناه أطراف عدة في لبنان بالدرجة الأولى وتركيا ثانياً، في تنامي موجة العنصرية والكراهية ضد اللاجئين السوريين، حيث شهد البلدان مظاهر عنصرية غير مسبوقة، شارك فيها مسؤولون وأحزاب سياسية.
ويطرح ملف اللاجئين السوريين جملة من التساؤلات نظراً لأهمية هذا الملف وحساسيته، وعلى رأسها ما هي الحلول في ظل غياب المعايير والشروط المطلوبة بالنسبة للدول الإقليمية وخصوصاً في لبنان وتركيا؟
وسط تصاعد الخطاب العنصري ضدهم… هل يخفف الدعم الأممي من أزمتهم؟
ثم وقفة وسؤال: هل يساهم الدعم المقدم من الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، للدول الإقليمية في التخفيف من أزمة اللاجئين السوريين هناك، لاسيما بعد دخولها البازار السياسي للأحزاب؟ وهل تندرج إجراءات العودة التي تنفذها السلطات التركية ضمن ملف العودة الطوعية؟
الاهتمام الملحوظ بهذا الملف لدى الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي يعود حسب الباحث لدى مركز الحوار السوري د.أحمد قربي، إلى أسباب إنسانية وسياسية، فضلاً عن ارتباطه بملفات داخلية لها تأثير مباشر على هذه الدول، كما يرتبط ملف اللاجئين بالحل السياسي بناءً على القرار الأممي الرقم 2254، الذي ينص على العودة الطوعية والآمنة للاجئين.
وبالنسبة للأمم المتحدة أشار القربي لـ«القدس العربي» إلى ارتباط الملف بـ»المبادئ التي تعلنها بما يتعلق بحقوق الإنسان، والمرتبطة بمسار الحل السياسي، فضلاً عن ذلك كله، فإن الأمم المتحدة متأثرة بسياسات دول الاتحاد الأوروبي لذلك من طبيعي أن يكون للملف مكانة وتأثير ضمن برنامجها وسياساتها».
وتفسر الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي فكرة العودة الآمنة «بمعنى أن يكون هناك انتقال سياسي، يشعر السوريون تحت ظله بالأمن، لكن الكثير من التقارير الحقوقية تحدثت عن أن كل اللاجئين الذين عادوا إلى مناطق سيطرة النظام تعرضوا لانتهاكات نفسية أو جسدية أو اقتصادية ومنهم من تعرض للاعتقال، وبالتالي فإن العودة ليست آمنة كما أن الأمم المتحدة كانت قد أعلنت عن 22 مبدأ بخصوص العودة الطوعية».
مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني عزا أهمية الملف في تصريح لـ «القدس العربي» إلى وجود أعداد كبيرة قد تضاف إلى اللاجئين السورين الموجودين في دول الاتحاد الأوروبي، «وذلك وفق استطلاعات تشير إلى أن 70 بالمئة من السوريين في الداخل يحاولون الخروج اتجاه الاتحاد الأوروبي كجهة مفضلة لهؤلاء، نتيجة الامتيازات والفرص، وهو أحد الأسباب لاهتمام الاتحاد الأوروبي».
وحول الحلول في غياب المعايير والشروط المطلوبة، استبعد الباحث لدى مركز الحوار السوري أن تتوفر الحلول لارتباط ملف اللاجئين بمسار الحل السياسي، حيث قال «طالما لم يتحقق الحل السياسي، فإن قضية اللاجئين معطلة دون حل، وكل محاولات التعاطي مع هذا الملف من خلال استقبال اللاجئين أو إعادة توطينهم هي حلول إسعافية، لا تعالج المشكلة بل تتعامل مع آثار الأمر».
الإشكالية الأساسية
وأضاف «لا شك أن دعم الأمم المتحدة سوف يساهم في تخفيف المعاناة الإنسانية، والاحتياجات المادية للاجئين من خلال زيادة الدعم المخصص لهم، لكن الاشكالية الأساسية ليست منحصرة في قلة الدعم الإنساني في دول اللجوء وإنما الأمر مرتبط بأكثر من ذلك، وللأسف حتى هذا الدعم لن يؤثر على تعاطي الدول الإقليمية مع ملف اللاجئين لأنه أصبح جزءاً من السياسة الداخلية للدول المعنية، كما أصبح ملفاً انتخابياً بين الأحزاب الداخلية سواء في لبنان أو في تركيا».
فهذا الأمر وفق المتحدث «لن يؤدي إلى سحب هذا الملف من البازار السياسي للأحزاب، وبالتالي سوف يبقى هذا الخطاب الشعبوي والمعاناة التي يواجهها اللاجئين نتيجة ارتفاع نزعات العنصرية والخطاب الشعبوي في الدول الإقليمية، وباعتقادي هذا الأمور لن تتأثر في زيادة الدعم».
عودة إجبارية
وتكمن الإشكالية الأساسية في تركيا بالترحيل الفوري إلى إدلب شمال غربي البلاد، وما يترتب على ذلك من أعباء إنسانية واقتصادية كبيرة على كاهل اللاجئ، حيث شهدت الآونة الأخيرة عددا من حالات ترحيل إلى إدلب التي لا تصنف على أنها منطقة آمنة.
وتتحدث الإحصائيات في تركيا عن عودة نحو 5 آلاف سوري شهرياً إلى إدلب، وفيما يتعلق مع التعاطي التركي مع ملف اللاجئين قال القربي «في هذه الحالة لا تنطبق معايير العودة الآمنة أو الطوعية» عازياً السبب إلى أن «كل اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا سواء تحت بند الحماية المؤقتة أو الذين لم يحصلوا على هذه الحماية نتيجة ارتفاع الخطاب العنصري، هؤلاء جميعهم يجب أن ينطبق عليهم تعريف اللاجئين للأمم المتحدة، ويجب أن يحظوا بهذه الحقوق لكن للأسف لم يتم تأمين الحماية لهم».
وأضاف «لا تنطبق إجراءات الحكومة التركية مع معايير العودة الآمنة، وهناك الكثير من التقارير التي أشارت إلى ذلك، ولو نفت السلطات التركية الأمر طالما أنه غير مطابق للواقع في كثير من الأحيان، إذ أن من عادوا إلى سوريا طواعية هم جزء صغير جداً».
استثمار سياسي في لبنان
ووفق دراسة لمركز جسور للدراسات الاستراتيجية، فإنه يسود شعور لدى اللاجئين السوريين في لبنان «بانعدام الأمن والاستقرار والخشية من إيجاد مأوى آخر في ظل الممارسات المتعددة من قبل الحكومة مثل الملاحقات أو المداهمات الأمنية لمتابعة قضايا أوراق الإقامة التي توجد صعوبة أصلاً في استخراجها أو إيفاء الشروط اللازمة لها. وهذه العوائق تؤثر في أغلب الأحيان على قدرة النازح على التنقل الداخلي وتحد من الوصول إلى فرص كسب الرزق والخدمات الأساسية. وقد تسبب التعاطي الأمني من قبل الحكومة اللبنانية مع اللاجئين السوريين في صعوبة حركتهم؛ خشية التعرّض للاعتقال المؤقت، أو حتى الترحيل».
وغالباً ما تعمد القوى السياسية في لبنان إلى الاستثمار السياسي في ملف اللاجئين السوريين، ويتجلى ذلك حسب المصدر على صعيد تحصيل التمويل من المجتمع الدولي وفي فترة الانتخابات وكذلك في الخطاب الحزبي، لكن هذه القوى تعيش انقساماً داخلياً حول التعامل مع هذا الملف، حيث يميل قسم إلى التماهي مع مطالب إيران وروسيا في حين يحاول قسم آخر من تلك القوى التأكيد على الالتزام والامتثال بمعايير الأمم المتحدة الواحد والعشرين لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.