حلب – «القدس العربي»: بعد الزلزال المدمر الذي خلّف الكوارث والمآسي، بدأ اللاجئون السوريون في تركيا، خاصة في الولايات المتضررة، بترتيب أولوياتهم، لاسيما أنهم فقدوا منازلهم وباتوا كالمشردين بلا مأوى، كما صار العيش في مناطقهم المنكوبة والمهددة بالخطر، مستحيلاً بالنظر إلى حجم الدمار في العمران والبنى التحتية، ما زاد من تعقيد أوضاعهم القانونية المعقدة أصلاً.
وتأخذ مواجهة آثار الزلزال بطبيعة الحال الأولوية القصوى في سلم أولويات مئات الآلاف من السوريين المشردين المتضررين في تركيا، وعلى رأسها تأمين المسكن والمواد الإغاثية والخدمات الطبية، وهنا يبرز السؤال الأكثر إلحاحاً: ما مصير آلاف السوريين بلا مأوى في جنوب تركيا؟ لاسيما أننا نتحدث عن نكبة جديدة مضافة، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً في ضوء خسارتهم ممتلكاتهم مع ما فرضه الزلزال من نزوح سوري جماعي جديد.
خيار وحيد
وما يثير مزيداً من التساؤلات هو أن الباب الوحيد أمام معظم اللاجئين السوريين الهاربين من النظام السوري وقبضته الأمنية، مفتوح على إدلب ومحيطها شمال غربي سوريا، وهي المنطقة المنكوبة أيضاً بفعل الزلزال وما أحدثه من أعمال هدم وتدمر الأبنية والبنى التحتية والمرافق العامة وسواها، وما أنتج من تعطل للحياة الصعبة وسط أزمات إنسانية وإدارية.
وهنا لا بد من التساؤل: هل المنطقة المنكوبة شمال غربي سوريا، التي يرتبط فيها دخول المساعدات الإنسانية بقرار سياسي تشكل ملاذاً مقبولاً يضمن حياة مستقرة بالحد الأدنى للسوريين المتضررين من الزلزال في تركيا؟
وهل تعتبر هذه المنطقة التي جرب فيها النظامان السوري والروسي على مدى أكثر من 10 سنوات، مختلف أنواع الأسلحة على رؤوس نحو 4 ملايين نسمة، ولم تزل ساحة للصراع حتى الآن، مؤهلة لاستقبال مئات الآلاف من السوريين القادمين من تركيا لتكون مكان إقامة آمنة للمنكوبين منهم؟
ما يجدر ذكره هو أن مفوضية الأمم المتحدة للاجئين كانت قد أعربت الأسبوع الفائت عن خشيتها من تسبّب الزلزال المدمّر بتشريد أكثر من خمسة ملايين شخص في سوريا، وقال ممثل المفوضية في سوريا سيفانكا دانابالا في مؤتمر صحافي عقد يوم الجمعة الفائت في مقر الأمم المتحدة في جنيف: “من المحتمل أن يصبح ما يقرب من 5.3 مليون شخص في سوريا في عداد المشردين من جراء الزلزال الذي ضرب البلاد مع تركيا”.
مليونا سوري جنوب تركيا
يعيش في ولايتي أنطاكيا وكهرمان مرعش بشكل خاص ما يقارب من مليوني لاجئ سوري، وأمام ما تقدم، يقول الباحث السوري علي أبو فياض لـ”القدس العربي”: يعيش السوريون معاناة ومأساة جديدة إثر الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وجنوب تركيا وتسبب بمقتل آلاف السوريين وسط ظروف مناخية قاسية وانعدام للاحتياجات الأساسية، فضلًا عن الطبية والإغاثية، وفشل دولي وأممي والتأخر القاتل في الاستجابة لحاجات المشردين وضحايا الزلزال من السوريين.
وأضاف: تتضاعف نكبة السوريين المقيمين في تركيا في ضوء خسارتهم ممتلكاتهم مع ما فرضه الزلزال من نزوح جماعي جديد إلى الولايات التركية الأخرى بكل ما يحمله من مصاعب ومتاعب مضاعفة، خاصة فيما يتعلق بشكل الإقامة والسكن (قلق النزوح المستمر)، والعمل والسفر والعلاقة مع المجتمع التركي (الاندماج)، فضلاً عن ارتفاع نسبة غياب الإحساس بالاستقرار المجتمعي والمعيشي، إضافة إلى عدم وضوح الرؤية التركية تجاه اللاجئين السوريين في ظل تزايد الخطاب العنصري من بعض الفئات السياسية.
ورأى الباحث أن صعوبة الوضع المعيشي للسوريين قد تتضاعف في تركيا أيضاً، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، وخاصة أن الحكومة تجد صعوبة واضحة في إدارة ملف السوريين في ظل الضغط الشعبي المتصاعدة ضد تواجدهم في تركيا، إلى جانب الضغوطات الاقتصادية والتي تضاعفت إثر الزلزال. وبالتالي، فإنه من المحتمل أن تتخذ الحكومة بعض الإجراءات بحق السوريين لتخفيف حدة الغليان الشعبي (بتحريض من بعض الأحزاب) كفتح المعابر الحدودية مع سوريا وتسهيل عودة السوريين إلى مناطق الشمال، وهو ما ظهر سريعًا مع الإعلان عن فتح باب زيارة السوريين للشمال السوري عبر معبر باب الهوى.
في المحصلة، وفق رأي المتحدث فإن الأعداد الكبيرة للسوريين في تركيا، وتباين نمط معيشتهم ونوعية إقاماتهم (طبقة متوسطة، طبقة فقيرة، طبقة معدمة، مجتمع المخيمات.. مجنسون، الحماية المؤقتة، إقامة سياحية، إقامة دراسة.. إلخ)، وطبيعة المجتمع التركي وتفاعله مع “الضيف”، والاستقطاب السياسي الحاد، وغياب الأفق للحل في سوريا، كلها عوامل تفرض على السلطات التركية ومؤسسات المعارضة السورية ضرورة استحداث قوانين جديدة ومؤسسات جديدة، بل ورؤية جديدة تتسق مع حجم الجالية السورية في تركيا ومستقبلهم هناك، بما ينسجم مع حقوق الإنسان واللاجئين وبما لا يؤجج مشاعر الرفض لدى المجتمع المضيف.
وكانت قد أعلنت إدارة معبر باب السلامة على الحدود السورية التركية، في ريف حلب الشمالي، عن فتح الإجازات أمام السوريين، في كافة الولايات التركية، لا سيما السوريين المقيمين ضمن الولايات المتضررة من الزلزال، لقضاء إجازات تتراوح مدتها بين شهر وستة أشهر. وسبق ذلك إعلان كل من معبر جرابلس شمالي محافظة حلب، ومعبر باب الهوى شمالي محافظة إدلب، ومعبر تل أبيض شمالي محافظة الرقة، عن فتح باب الإجازات أمام السوريين ضمن الولايات التركية المتضررة من الزلزال.
المحامي والناشط في حقوق الإنسان المحامي غزوان قرنفل، فسر التصريح التركي في أحد جوانبه على أنه إنساني “والغاية منه تسهيل مغادرة سوريين الذي يريدون دفن أحبائهم من أجل لم شملهم مع أحبابهم بسبب وجود منكوبين على الطرفين السوري والتركي”.
وفي الجانب القانوني، يقول المحامي لـ “القدس العربي”: معظم من غادر تركيا عائداً إلى سوريا، كان قد فقد بيته وعمله المرتبط بوجوده في الولاية التركية المتضررة. وبالتالي قانونياً لا يحق لمن يغادر الدولة العودة إليها، لأنه بقوانين اللجوء لا يحق لمن حصل على الحماية أو اللجوء يرجع للبلد الذي فر منه التماساً لملجأ آمن في دولة أخرى.
فقانوناً يفقد حقه في الحماية، وهذا منصوص عليه بقانون الحماية المؤقتة التي يخضع لها السوريون في تركيا فأنا أسلط الضوء على جانب قانوني وأنصح السوريين الذين يغادرون بأن يحسبوا حساب عدم إمكانية العودة وترتيب أمورهم في سوريا.
ونصح المحامي السوريين الموجودين في تركيا ممن ليست لديهم مخاوف أمنية على أنفسهم وعوائلهم في الشمال، أو ليسوا مرتبطين بجامعات أو ليس لديهم أعمال تخصهم يعتاشون منها، وبنفس الوقت لا يملكون القدرة على إيواء أنفسهم وعوائلهم وكفايتها، باتخاذ قرار العودة للشمال السوري.
آثار الكارثة
وقال “آثار الكارثة مديدة وطويلة الأمد وليس هناك من المانحين والمتبرعين من يلتفت للسوريين إلا بالحدود الأقل من الدنيا والأقل مما يحتاجه البشر لتستقيم حياتهم بحدودها الدنيا والطبيعية وهذا بدوره سيتراجع ويخبو عندما يبرد الوجع، لا ترهنوا حياتكم باحتمالات ترجح معظمها كفة الحاجة والعوز والعودة العاجلة أو الآجلة واتخذوا قراركم أنتم بشأن حياتكم الجديدة هنا أو هناك”.
وأكد قرنفل في مقال له، إنه لا يمكن اعتبار أي عودة لأي شخص تحت الحماية إلى بلده عودة طوعية ما لم يعبّر هذا الشخص بكامل إرادته الحرة بلا أي ضغط أو إكراه سواء أكان إكراها مادياً أو معنوياً عن قراره ورغبته بالعودة لبلده وتنازله عن حقه بالحماية، فضلاً عن أن يكون بكامل وعيه ورشده وعلى بينة من حقيقة الأوضاع في المنطقة التي سيعود إليها وأن يذهب بملء إرادته إلى مديرية الهجرة في الولاية التي يقيم فيها ويتقدم بطلب خطي مذيل بتوقيعه يعبّر فيه عن رغبته بإنهاء حالة الحماية عنه وقراره بالعودة لبلده، ومن ثم يتم تنظيم محضر بذلك بحضور مترجم ليتم تضمين تلك الرغبة وهذا القرار في متن المحضر الرسمي ومن ثم يوقع على ورقة العودة الطوعية دون أي ضغط أو إكراه وهو على بينة من مضمونها ومحتواها الذي يجب أن يكون مترجماً للغته، وأن يوقع على المحضر والوثيقة هو والمترجم معاً، عندها تقوم دائرة الهجرة بإنهاء وضع الحماية ثم يزود بوثيقة تخوله السفر إلى الحدود ومغادرة البلاد.
ويجمع السوريون أن الظروف على الأرض في لبلادهم ليست آمنه للعيش بسلامة وأمن وكرامة، كل مناطق سوريا خاضعة لقوى وميليشيات، وسوريا بكل المعايير ليست مناطق يأمن فيها الناس على أنفسهم أو أموالهم أو حقوقهم وحرياتهم. ولهذا فإن عودة السوريين للشمال سوريا هو كارثي بكل معنى الكلمة. المحامي عبد الناصر حوشان، رأى أنه من الضروري أن نعيد توصيف الوضع الانساني في المناطق المحررة بعد وقوع الكارثة على أنّه “وضع إنساني طارئ مُعقّد” ولهذا التوصيف مفاعيل قانونية مهمة وفق قوله.
وأضاف لـ “القدس العربي”: إن ما تشهده المناطق المحرّرة من أوضاع إنسانيّة كارثيّة بسبب اجتماع سببين رئيسيّين وهما: الأول: الحرب على الشعب السوري التي يقودها النظام السوري وحلفائه. والثاني: هو الكارثة الطبيعيّة ” الزلزال” وهما عاملان يجعلان الوضع الإنساني مُركّباً وهو ما يُعرف بـ ” الطوارئ المعقّدة” الناجمة عن تزامن الكوارث الطبيعية والنزاعات المسلحة، التي تشكِّل تهديداً بالغ الخطورة على حياة السكان المدنيين.
في هذه الحال هناك التزامان قانونيّان على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، الأول: واجب الحماية بموجب القانون الدولي الانساني “اتفاقيات جنيف الاربع وملحقاتها”. والثاني: واجب تقديم المساعدات الانسانية اثناء الكوارث والذي يستند الى قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 131 /43 لعام 1988 و100/45 لعام 1990.