ما هي عملية «عربات جدعون» ولماذا اختيرت هذه التسمية التاريخية؟

وديع عواودة
حجم الخط
3

الناصرة ـ «القدس العربي»:رغم الانتقادات العالمية المتتالية ضد إسرائيل في حرب الإبادة التي تواصلها على غزة منذ نحو 600 يوم وتصفها بعض الأوساط المحلية بـ «تسونامي سياسي» لكنها لا تتوقف. والاحتلال يستعد للتصعيد في حملة عسكرية جديدة تعرف بـ «عربات جدعون» بعد فشل الحملة العسكرية السابقة في إخضاع حركة حماس واستعادة المحتجزين. يتناول تقرير للمركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية «مدار» هذه العملية العسكرية الإسرائيلية المرتقبة والمسماة «عربات جدعون»، والتي قد تكون من أكثر العمليات العسكرية الإسرائيلية إثارةً للجدل والخطورة تجاه قطاع غزة. منوّها أن هذه العملية لا تُعد مجرد تحرّك عسكري قتالي، بل تمثل، في حال تنفيذها، تحوّلاً نوعياً في الاستراتيجية الإسرائيلية، عبر الجمع بين المناورات البرية، والتطهير المكاني للسكان، وتوظيف سرديات دينية وتاريخية تمنحها بعداً رمزياً يخدم صعود اليمين الإسرائيلي في ظل تراجع حماسة الجمهور الإسرائيلي لمواصلة الحرب.

العملية وأهدافها

ويقول تقرير «مدار» إن عملية «عربات جدعون» ليست مجرد اقتراح، بل باتت خطة عسكرية جاهزة للتنفيذ وضعها رئيس هيئة الأركان إيال زامير وأقرّها المجلس الوزاري المصغّر في 4 أيار/مايو 2025، وهي بانتظار «ساعة الصفر» وإن كانت قوات الاحتلال قد شرعت منذ أيام التمهيد لها. يشار أن هذه العملية تأتي بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ في كانون الثاني/يناير، حيث جرى استئناف القتال في آذار/مارس 2025 عقب انتهاء موجات تبادل الأسرى وتعطيل رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو لمساعي إتمام الصفقة. بموجب «مدار» تهدف العملية إلى فرض سيطرة عسكرية ميدانية على الأرض، بحيث تتمكن قوات الاحتلال من إدارة حركة السكان عبر إقامة مناطق عازلة (تشبه الغيتوهات)، يتم فيها تجميع المدنيين الفلسطينيين، ما يتيح للجيش حرية العمل العسكري في بقية أنحاء القطاع. ومن أهداف العملية أيضاً: 1) تفكيك سلطة حركة حماس عبر ضرب بنيتها التحتية ونزع سلاحها. 2) استعادة الرهائن الإسرائيليين، رغم أن هذا الهدف يحتل مرتبة متأخرة بحسب تسريبات إعلامية، ما أثار انتقادات حيال أولويات القيادة. 3) إعادة رسم الخريطة الأمنية والديموغرافية للقطاع، بما يخدم مصالح إسرائيل الاستراتيجية.
طبقا للتقرير تتطلب الخطة تعزيزاً عسكرياً واسعاً داخل غزة، واستخدام معدات ثقيلة لتدمير الأنفاق والمواقع العسكرية، إلى جانب تنسيق عسكري ثلاثي بين القوات البرية والجوية والبحرية. كما تتضمن الخطة تنفيذ عملية تهجير منظمة لسكان شمال القطاع نحو الجنوب، خصوصاً إلى ما بعد محور موراغ، حيث تخطط إسرائيل لإنشاء «منطقة إنسانية» مبدئية تستوعب 100.000 شخص كمرحلة أولى، على أن يتم توسيعها تدريجياً.

ماكنة دعائية بالعربية

وسيتم توظيف أدوات دعائية بالعربية يقودها المتحدث باسم الجيش أفيخاي أدرعي لتشجيع السكان على «الإجلاء الطوعي» أما المساعدات الإنسانية الموعودة فستكون تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة بالتنسيق مع شركات أمريكية ومنظمات دولية مختارة، وفقاً لشروط أمنية صارمة. وسيُسمح فقط لممثل واحد من كل عائلة بالحصول على سلة غذائية أسبوعية (70 كغم) بعد اجتياز الفحص الأمني، ما يجعل الإغاثة أداة إضافية لإعادة تشكيل التوزيع السكاني في القطاع.

دلالات التسمية وأساطير الحرب

يحمل اسم العملية «عربات جدعون» دلالات دينية واستعمارية في آنٍ واحد، وجدعون هو قائد توراتي من سبط منشي، وردت قصته في سفر القضاة، حيث قاد 300 مقاتل لهزيمة جيش المديانيين الضخم بأمر إلهي وخطة عسكرية ذكية. سبق أن استخدمت إسرائيل هذه الرمزية في نكبة عام 1948، حين أطلقت «عملية جدعون» للاستيلاء على منطقة بيسان وتهجير سكانها الفلسطينيين. هكذا يتكرر توظيف الأساطير التوراتية لتأطير مشاريع الطرد والاستيطان، في إطار سردية استعمارية مقدّسة. وتروي القصة السردية التاريخية أن جدعون بدأ بـ 32.000 مقاتل، لكن الإله أمره بتقليص العدد: أولاً، سُمح للجبناء بالانسحاب، فغادر 22.000 رجل. ثم جرى اختبار الشرب من النهر، وتم اختيار من شربوا وهم واقفون ومتيقظون —300 فقط. هؤلاء خاضوا المعركة بإيمان ويقظة وانتصروا.
ويوضح «مدار» أن هذه الرواية التاريخية تشبه الوضع الإسرائيلي بعد 7 أكتوبر: تعبئة قومية شاملة بدأت بشعار «معاً ننتصر»، ثم تراجعت تدريجياً مع طول أمد الحرب والخسائر، لينقسم المجتمع بين من يريد إنهاء الحرب في مقابل استعادة الأسرى، ومن يصرّ على استكمالها حتى «النصر». في هذا السياق، يظهر من تبقى من مؤيدي الحرب كـ»جنود جدعون»: أقلية متماسكة، مؤمنة، ترى نفسها في مهمة مقدسة رغم العزلة. وتتلاقى هذه السردية مع المخيلة الغربية عن «الحضارة في مواجهة الهمجية»، كما يتجلى في «فيلم 300» الهوليوودي (من إنتاج العام 2007)، الذي يصور قلة منظمة من الإسبارطيين تقاتل جحافل فارسية إيرانية «همجية». كذلك، يتم تصوير الجيش الإسرائيلي كقوة تحمل «النور» ضد «قوى الظلام»، في مشهد يُخفي العنف الواقعي ضد المدنيين، والطرد الجماعي، وتفكيك المجال السكاني الفلسطيني. ويخلص «مدار» للقول إنه في المجمل، فإن «عربات جدعون» ليست مجرد عملية عسكرية، بل هي مشروع سياسي- أمني- رمزي استعماري لإعادة صياغة السيطرة الإسرائيلية على غزة، باستخدام أدوات دينية وأسطورية تمنحها غطاءً رمزياً. إن خطورتها لا تكمن فقط في تداعياتها على المدنيين، بل في كونها تعيد إنتاج مفاهيم «الشرعية» و«السيطرة» عبر مزيج من الأسطورة والتفوّق العسكري، ما يشكّل تحدياً صارخاً للقانون الدولي ولمبادئ العدالة الإنسانية.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول قدور:

    تتصرف إسرائيل وكأنه ليس هناك قانون دولي إنساني ولا مؤسسات دولية إنسانية
    متبجحة بأمريكا وعرب التطبيع
    في حين يخوض الفلسطينيون المعركة من باب الدفاع عن شرف الأمة والمسجد الأقصى المبارك ، وبالرغم من الفرق الكبير من القوتين إلا ان إرادة الله هي الفاعلة في النهاية ، ولم يكتب التاريخ أبدا ان أصحاب الأرض انهزموا أمام جحافل الاستعمار والاستدمار مهما كان ولنهم وجنسهم ودينهم، ولكن هذه المحطة التي يصنعها رجال البطولة في غزة كشفت عورات الخونة والمطبعين وبينت عوراتهم أمام شعوبهم وأصبحت غزة تسمى الكاشفة – والنصر بات قريبا قريبا قريبا إن شاء الله –

  2. يقول فصل الخطاب:

    ههه لا جدعون ولا شمشون إن الله ناصر الفلسطينيين وهازم عدوهم المحتل اللعين وعد رب العالمين وكان وعد الله أمرا مفعولا اقتربت نهاية عصابة تل أبيب يا حبيب والأيام بيننا ✌️🇵🇸☹️☝️🔥🐒🚀

  3. يقول Abdullah:

    العجيب ان هذه الخطوات تعني ان اسرائيل تسعى الى تجاوز الحدود التي كانت تراوح بالقرب منها لعقود وان دولا عربيه في خطر حقيقي فغزه والمقاومه الفلسطينيه هي حجر العثرة التي تقف في وجه اطماع الصهاينه ومخططاتهم التوسعيه والقضاء عليها -لاسمح الله- سواء بتواطؤ عربي “وهو المؤكد” او بعجز امامها , سوف يفتح الباب على الدول العربيه الاخرى المجاوره وسيتم قضم اراضيها واحدة تلو والاخرى واشعال الحروب فيها والازمات التي تقوضها

اشترك في قائمتنا البريدية