ما يحدث في غزة طوال شهرين وأسبوع يحدث في العالم. القتل العنيف والتدمير والحصار والإذلال والتجويع، والاستباحة التي تتجاوز حدود الإنسانية، كلها تحدث في العالم، في كل مكان من العالم. الدعم الغربي المتطرف لإسرائيل والفجور في الانحياز لنظام يجمع بين الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والاستعداد الإبادي، يحدث في العالم، فيصنع وقائع وممكنات؛ وقائع سيئة وإجرامية تجعل الحاضر لا يطاق، وممكنات من نوعها، تصادر قطعة كبيرة من المستقبل. ثم أن «ما نفعله في العالم نفعله لأنفسنا» على ما يقول إيمانويل وولرشتاين، في عبارة محكمة تتضمن امتناع الفصل بين أفعال التدمير الموجهة نحو الخارج وما يحدث في دواخل الأنفس والدواخل الاجتماعية من دمار. فإذا كان ما يُفعل في العالم هو الاستباحة والإبادة، وهو ما يجري فعلاً، فإن هذا يحدث في كل مكان، ليس لهم وحدهم، بل لنا كذلك، أياً يكونون هم وأياً نكون نحن. يحدث للبيئة كذلك، فلا عدالة بيئية في أرض محتلة، بحسب ما قالت غريتا ثونبرغ، الناشطة البيئية الشهيرة، وهي أشد امتناعاً في أرض تعرضت لخمسة وعشرين ألف طن من المتفجرات خلال أقل من شهرين، ما يعادل نحو 12 كيلوغراماً للفرد الواحد في غزة، بما يجعل مساحات من القطاع غير قابلة للعيش، حتى لو توقف حرب الإبادة والتدمير الإسرائيلية اليوم.
وما يحدث في غزة يحدث في كل مكان لأن العالم أكثر تمازجاً من أي وقت مضى على مستويات متعددة: المعلومات والصور وتكنولوجيات الاتصال، فضلاً عن درجات متقدمة من الاختلاط البشري، وتماثل في النظم الاقتصادية. هذا التمازج بنيوي وغير عكوس، أو تستحيل معاكسته بغير بعنف مهول يمزق ما صنعته تفاعلات طويلة الأمد، ليعيد إقامة العالم حول انقساماته وفوارقه السياسية والثقافية والدينية القديمة، على ما تسعى تيارات اليمين القومي والديني في كل مكان.
اليوم، لا يبعد أن يصير هذا المستحيل واقعاً، فالعنف المهول نراه سلفاً يمارس في غزة، ويمارس عنف خطابي ورقابي في بلدان الغرب، موجه نحو إعادة نصب حواجز ضد التفاعل العالمي. في الوقت نفسه تريد الحكومات الغربية أن تساهم في الحرب ضد غزة وأن ترفض وقف إطلاق النار على أهلها، ثم أن لا يكون ثمة رد فعل على ذلك. يبدو هذا مستحيلاً بدوره. وإلى اليوم لا يبدو العنف خيراً ممكناً لتحقيق هذا المستحيل، ليس في المجتمعات الغربية على الأقل.
ما يحدث في غزة يحدث في كل مكان لأن العالم أكثر تمازجاً من أي وقت مضى على مستويات متعددة: المعلومات والصور وتكنولوجيات الاتصال، فضلاً عن درجات متقدمة من الاختلاط البشري، وتماثل في النظم الاقتصادية
ثم أن ما يحدث في غزة يحدث في العالم كذلك لأن فلسطين شأن عالمي بدلالة كون محتليها أبطال العالم في العالمية، وممن لا يكفون ليل نهار طوال السنوت والعقود عن الترويج لأنفسهم عالمياً. لقد عوْلم التحالف الأمريكي والغربي الإسرائيلي فلسطين، نقلها معه إلى كل مكان، ما يعني استحالة معاكسة هذا الاتجاه دون فك التحالف نفسه. في هذه المساحة الصغيرة ينعقد ويتعقد صراع يعني مباشرة مليارين من البشر وأكثر، وبصورة غير مباشرة جميع البشر، فلا يمكن المبالغة في أن ما يحدث في غزة وعموم فلسطين يمكن أن يكون حاسماً في رسم مستقبل العالم ككل.
والواقع أن ما حدث في فلسطين منذ النكبة إلى اليوم يبدو مستحيلاً؛ هذا المسلسل من عذاب لا ينتهي أشد استحالة من أن يكون واقعياً، وهو ما شهدت عليه الطفلة الغزاوية المصابة التي كانت تلح في مساءلة مسعفيها «عما إذا كان ما حدث لها حلم أم جد وحقيقة». مستحيل كذلك أن تجري تعرية وإذلال فلسطينيين أمام الكاميرات، وأن يعرض ذلك في إسرائيل وفي منابر إعلامية غربية كأمر عادي، بل كإجراء قتالي مشروع، دون أن يذكر أحد أن التعرية والإذلال كانت من أول ما يجري لليهود المجلوبين إلى معسكرات الاعتقال النازية. هذا ليس المثال الوحيد للقول إن إسرائيل التي ولدت، جزئياً على الأقل، من إبادة، وطورت حول تلك الإبادة مظلومية أصلية وفوق تاريخية لا تقبل التقادم، تستبطن بفعل ذلك بالذات إبادة، نراها بالفعل تنبسط أمامنا منذ عقود، وإن في إيقاع أبطأ من الإيقاع النازي العاصف. وليس بعيداً عن الإبادة المستبطنة في مشروع إسرائيل أن الطرف الآخر في إبادة اليهود، ألمانيا، لم تكن أقرب إلى ماضيها التوتاليتاري أكثر مما هي الأسابيع الماضية بعد «طوفان الأقصى». هناك اليوم ما يقارب عقيدة رسمية بخصوص إسرائيل يراد فرضها على الجميع.
لا يقتصر الأمر على أن ما حدث في ألمانيا أيام النازيين يعاود الحدوث في فلسطين، بل أن ما يحدث في الماضي يحدث في الحاضر أيضاً. الزمن يمضي، لكن التاريخ لا يتغير. وهذا أثر مباشر للفرادة الجوهرية للجينوسايد اليهودي، الهولوكوست، ولامتناع مقارنته بشيء آخر، أي لتعاليه على التاريخ، على نحو يجعله أصلاً دائماً مستمراً. فإذا انطلقنا من أولوية التاريخ على الزمن أو أن الزمن تاريخي، بدا لنا مضي الزمن مقاساً بالشهور والسنوات والعقود شيئاً سطحياً وغير حقيقي، وأن الزمن التاريخي في واقع الأمر لا يتغير، أنه أبد مثل الزمن السوري طوال أكثر من نصف قرن من حكم السلالة الأسدية. ليس الأبد زمناً فارغاً، أو زمن سرعة منتظمة يسير متهادياً؛ بالعكس، إنه زمن مراوحة في المكان لا تتحقق بدورها دون عنف مهول. عنف خطابي يقرر فرادة معاناة بعينها، وفرادة معنى مستخلص منها، كما عنف فيزيائي يميز احتكار أدواته إسرائيل أكثر ما يميز. وهما معاً، العنف الخطابي والعنف الفيزيائي، مما يميزان «سوريا الأسد» منذ نشاتها مطلع سبعينيات القرن الماضي.
على أن الميزة الجوهرية للأبد هي غياب الوعد العام. ليس هناك وعد للفلسطينيين بغدٍ مختلف إذا هم استسلموا اليوم. مشكلة الفلسطينيين هي وجودهم، ولذلك فإن استسلامهم السياسي لا يكفي. وفي الأصل بالمناسبة ظهرت حماس، وتظهر الإسلامية عموماً، بأثر افتقار مجتمعاتنا إلى وعود أرضية، والسعي وراء وعود سماوية بديلة. بل وليس هناك وعد للإسرائيليين بغير مزيد من القلق الوجودي في مواجهة أي تحديات سياسية وأمنية وديمغرافية، ومزيد من ترسيخها كدولة يهودية مسلحة، وما يبثه ذلك الصفاء من مزيد من القلق الوجودي ومن نوازع التطهير والإبادة.
ونعرف كذلك أنه ليس هناك وعد سوري عام من أي نوع. فقط ميراثية عائلية بحماية أجنبية.
ويبدو مركب الأبد واللاوعد شرطا عالمياً اليوم. عالم بلا بديل، أي بلا مستقبل كذلك. نعيش زمناً تكرارياً راكداً، يبدو أنه يزداد تصلباً وتعصباً بعد غزة. هذا نذير فقط بمستقبل انفجاري، باجتياحات طوفانية للعنف، بأهوال قيامية، قد تكون غزة مجرد نافذة عرض صغيرة لها.
عنف اليوم عنف إبادي موجه نحو الأبد، ليس «العنف الثوري» الذي كان ملء الأنظار والأسماع قبل قرن من اليوم وحتى قبل عقود خلت. إسرائيل التي «وجدت لتبقى» نموذجه الأصفى. ومع هذا النموذج يعود كل عنف تاريخ الاستعمار، وكل عنف تاريخ الطبقات ذات الامتيازات، وكل عنف المشاريع الفاشية القائمة على النقاء العرقي أو الديني.
إنه عنف مُوضّع ومنتشر في الوقت نفسه، محلي وعالمي، في غزة وفي كل مكان من العالم.
كاتب سوري
شكرًا أخي ياسين الحاج صالح. من الجدير بالذكر أن حماس كانت تعتبر منذ وقت طويل أن هدنة مع إسرائيل ممكنه على أساس أن النبي محمد رسول الله أقام هدنة مع المشركين، لكن إسرائيل وخاصة نتنياهو الذي كان دومًا ضد أوسلو وضد السلام وضد حل الدولتبن وأراد تدميرها جميعًا ولم يعترف ولم يوافق أساسًا على قرارات حماس بهذا الشأن. حرب إبادة غزة يتحمل مسؤوليتها نتنياهو بحماقته وفاشيته كما يتحمل بشارون أسدوف تدمير سوريا وقتل شعبها بحماقته وفاشيته. وكلاهما أراد الحرب والإجرام هربًا من نهايته إلى الهاوية وهم في طريقهم إلى مزبلة التاريخ وإن شاء الله. لو لم يتهاون العالم ويترك الشعب السوري يقتل بأبشع الطرق بلا رادع ولاضمير ومن ثم كان التطببع معه وكأن شيئًا لم يحدث، لما وصل حال العالم إلى هذا الحد وتركت إسرائيل ونتنياهو يتمادى في جرائمه في حرب إبادة غزة، حتى أن أنظمة التطبيع بلا حراك والله أعلم أنها ستتابع تطبيعها مع إسرائيل فيما بعد وكأن شيئًا لم يكن. وبايدن وأوباما فلا نجد فارق بينهما فذاك ترك الشعب السوري بذبح بيشاعة وبفاشية وحماقة وهذا يترك الشعب الفلسطيني يذبح ببشاعة وبفاشية وحماقة.
أین المجاهدون الذین کانوا یقاتلون لتحریر الشعب السوري وإطاحة نظام الأسد مثل الجیش الحر وجبهة النصرة وداعش؟ لماذا لا یساعدون حماس وأهل غزة ولو کلامیا؟!!
والآن من یساعد حماس وغزة عملیا؟
بالمناسبة داعش هي من نتاجات مخابرات بشارون أسدوف! وهو حارس جبهة الجولان ومنذ نصف قرن! ولولاه لرأيت الشعب السوري وجيشه بحال أخر على جبهة الجولان! ألم يقلها ابن خاله رامي مخلوف أمن إسرائيل من أمن النظام السوري! لنا الله ومالنا غيرك ياالله.
الان نرى ونسمع بعض الاصوات والمثقفين، بالمقارنه بين ما يحدث في سوريا وفي فلسطين…
من قتل أهلنا في العراق وسوريا وافغانستان وليبيا واليمن والصومال هم نفسهم من يقتل اهلنا في فلسطين ولكن الفرق هنا بأنه تستخدم كميات كبيره من القنابل للقتل السريع….
من يقاتل بالطائرات في سماء سوريا هم نفسهم موجودون في سماء غزه….
فقط قارن بين إدارة بايدن وإدارة أوباما وكبف جاء ببوتين (الذي احتل شرق أوكرانيا) ليحمي بشارون أسدوف، وهما كما هو معروف من طينة واحدة! وقارن أيضًا بين فيتو روسبا وفيتو بايدن! الفاشي بشارون أسدوف الذي ارتكب أفظع الجرائم ودمر سوريا كانت تحميه روسيا وأمريكا معًا! وأمريكا تدعم إسرائيل وأيضًا هناك إتفاق بين بوتين ونتنياهو حول أجواء سوريا! نتنياهو وبشارون أسدوف من طينة واحدة هي الفاشية وحماقتها ومجرمي حرب فاشيبن يقومون بالتدمير والقتل والإجرام البشع هربًا من النهاية إلى الهاوية.
بدى وقت كادت فيه المقولات االمغرضه تترسخ في عقول كثير من المواطنين خصوصا بسوريا ، بما معناه ، ان قضية احتلال فلسطين ومعانة الشعب الفلسطيني يجب ان لاتعنيه . لكن كيف ذللك .,,?? وهم الذي عا شوا سويا فوق هذه الأرض ، وناضلوا سويا للوحده العربيه، وشاركوا وناضلوا سويا للتحرر والتقدم، سحلوا واعدموا وهجروا كبقية السورين ، الغالبيه من الشعب السوري عايش أهوال غزه من نظام فيه ملامح النظام االعنصري الاحتلالي الاسراءيلي ، وكما يقول الكاتب والمناضل ياسين الحاج صالح، بما معناه، ان هذه الحرب قد لاتكون فقط ضد الاحتلال الاسرااءيلي ، إنما الانعتاق من احتلالات داخليه متوحشه لاتقل اجراما من نظام الفصل العنصري الاسراءيلي.
نحنا كمسيحيين ، من ضمن معتقداتنا انه بني ص ه ي و ن هم اللي قتلوا المسيح، يعني هم قَتَلة الآلهة معوّدين، مهنتهم ومهمتهم القتل…
ومن 75 سنة لليوم والشعب الفلسطيني، عم بيعاني من الإحتلال.
بيت لحم هو مكان مولد السيد المسيح..
انتقامهم من الكبار لأنهم اقزام التاريخ واقزام البشرية ولكن لكي يخففوا عن أنفسهم يدّعون انهم شعب الله المختار، وهذا شي مستحيل، لأن الشعب المختار مليون مستحيل يكون مجرم ومجرم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
جايي الأيام ورح تعيش تل أبيب نفس مصير غزة، إنشالله.
كل ما يحدث بالعالم لا يشبه ما يحدث في غزة لأن غزة تحت الإحتلال والحصار ، ويُمنع دخول أيّ كان إلى داخل المدينة كي لا يفضحوا جرائم الجيش الإسرائيلي المجرم .
أختي مواطنة لبنانية، استغرب هذا الكلام! لماذا تقولين هذا! باعتقادي لايجوز التعميم أبدًا بهذا الشكل! وماذا عن المسيحيين الصهاينة مثلًا! الإنتماء لامعنى له فقط الإنسان تفسه يحدد من هو وماهو سلوكه! فهناك بهود (أو من ديانات أو قوميات أخرى كذلك) هم ضد هذا الإحتلال وضد هذا الإجرام والفاشية بل أعرف منهم من تضامن مع الشعب السوري والفلسطيني أكثر من بعض من أعرفهم ودون ذكر للإنتماءات! هي أولًا وأخيرًا الأنظمة الفاشية والإيديولوجيات السياسية البائسة .. وما إلى ذلك!
إلى الأستاذ أسامة/
شو ممكن قلك ، بصراحة اليهود دين وليس دولة، من هون مشاكلنا كلها بالمنطقة، 22 دولة عربية مُحاطة ب 3 دول غير عربية وهي إيران الفارسية، تركيا، والكيان الصهيوني، اللي منطقياً وقانونياً ليست دولة بالمعنى المعروف لأنه ما عندها حدود جغرافية مرسومة ومعروفة…
موضوع االدين معقد متلهم ، هلا حتى ما عصّب اكتر ما انا معصّبة بسبب اللي بعده عم بيصير بمدينة غزّة وأهلها الأبرياء ، رح اختصر الموضوع وقلك شكراً لتعليقاتك كلها، من ردك عليي ومن تفاعلك بشكل عام على صفحات مبدعين آخرين، شي منيح انك أنسان بيحب السلام وهالشي اهم صفاتك.
الشعب المسيحي متل ما انا ذكرت بيآمنوا انه اليهود صلبوا المسيح وهم عارفين وبينكروا،
عندك الصهاينة العرب كمان المطبّعين والخونة واللي حكيت عنهم معك حق بس للأسف اللي استنكروا الأوادم حتى تهددوا.
بالمختصر المفيد، ما كانت العصابات الصهيونية قدرت تتحرك لها الدرجة لولا موافقة اولاد الحرام اللي بعلمك منهم.
مدينة بيرن بسويسرا اكبر مدينة شيطانية بالعالم وفيها تمثال غول بشكل رجل عم ياكل أطفال.
ما رح ادخل بالتفاصيل شوف الموضوع وقت فيك ع انترنت ورح تفهم قصدي.
كن بألف خير… 🌹🌹
شكرًا أختي مواطنة لبنانية وأنا سعيد بتبادل الأراء معك. نقطة صغيرة فقط أنا أعرف أن بيلاطس سلم المسيح عليه السلام لأحبار اليهود الذين صلبوه، لكن ماذنب اليهود جميعهم إذا كان أحبارهم أرادوا ذلك، وهذا زمن قد مضى! تذكرت بعض المواقف لدينا في الإسلام حيث يتم فيها انتقام باسم الدين مع أن الضحايا دومًا ليس لهم علاقة بذلك! برأيي علينا دومًا قراءة التاريخ بالشكل الصحيح أي أن نفكر بالمستقبل بدلًا من حشر التاريخ في دائرة التبرير لتكرار الأفعال الخاطئة ذاتها! والإحتلال الصهيوني وحرب إيادة غزة خير مثال!