مجازر غزة خلف ستارة الحرب على لبنان ونتنياهو يمضي في مخطط «الأبطال» و«الجنرالات»

أشرف الهور 
حجم الخط
0

غزة ـ «القدس العربي»: بعد أن قامت حكومة الاحتلال اليمينية بوأد كل جهود الوسطاء الرامية لإنهاء الحرب وإقرار تهدئة في غزة، عمدت خلال الأيام الماضية توسيع وتصعيد العدوان على القطاع، مستغلة بذلك توجيهها الأنظار صوب ساحة لبنان، حيث بدأت هناك هجمات دامية قد تفضي إلى حرب أخرى.

ومستغلة لما يحصل على جبهة لبنان، وتوجه أنظار العالم والإعلام الدولي لما يجري هناك، من هجمات دامية على حزب الله والعديد من المناطق اللبنانية، صعدت قوات الاحتلال من هجماتها الدامية ضد قطاع غزة، بعد أن توقف الحديث تماما عن أي جهود تبذل لإنهاء الحرب والتوجه نحو تطبيق مقترحات التهدئة، وهو أمر جرى الحديث عنه صراحة من قبل الوسيط الأمريكي.
وشهدت أيام الأسبوع الماضي سلسلة جرائم ومجازر عنيفة، على وقع توسيع جيش الاحتلال هجمات التدمير ونسف المباني على مقربة من محوري «فيلادلفيا ونتساريم» وبوتيرة متصاعدة هاجمت قوات الاحتلال العديد من مناطق قطاع غزة، ونفذت العديد من المجازر الدامية، مع بدء الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على لبنان.
فلم يمر يوم من بداية الهجوم على لبنان، إلا وشهد مجازر إسرائيلية كانت أعنف من سابقاتها، حيث بدأت المجازر باستهداف مركز إيواء. ففي اليوم الأول للهجوم الواسع على لبنان، قصفت قوات جيش الاحتلال مركزا للإيواء في حي الزيتون، الذي يعيش وضعا صعبا جراء عملية برية عسكرية مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 20 مواطنا بينهم أطفال، حيث ظلت طواقم الإنقاذ والإسعاف تعمل على مدار يومين لاستخراج ضحايا القصف من تحت الركام.
ولم يكد يمر أقل من يوم على هذا الاستهداف الدامي، حتى عادت قوات الاحتلال واستهدفت مدرسة كفر قاسم وهي عبارة عن مركز إيواء، في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، ما أدى إلى سقوط أكثر من سبعة شهداء وعشرات المصابين. وقبل أن تجف دماء هؤلاء الضحايا ويتم إخراج جثامينهم من تحت الركام، قصفت قوات الاحتلال مكانا يقيم فيه نازحون غرب مخيم النصيرات، ولتقم مع بدء وصول طواقم الإنقاذ بقصف آخر، ما أدى إلى استشهاد أكثر من عشرة مواطنين وإصابة آخرين بجراح متفاوتة، ولتعود بعده بأقل من 14 ساعة على استهداف مدرسة إيواء «خالد بن الوليد» التي يقيم فيها آلاف النازحين، لتقتل وتصيب عددا منهم، ولم تنته مجازر النازحين والسكان عند هذا الحد، فطالت أحد المجازر مدرسة في منطقة الفالوجا في جباليا شمال القطاع، وهناك سقط 15 شهيدا مع عدد كبير من الإصابات.
وتلا ذلك قصف متكرر، شهد تصاعدا في الأحداث الميدانية، حيث كانت تقع المجازر مع بدء شن جيش الاحتلال هجمات كبيرة وعنيفة على لبنان. ففي يوم الثلاثاء الماضي مثلا، في الوقت الذي كانت فيه طائرات الاحتلال الحربية تستهدف بعشرات الغارات عدة مناطق في لبنان، كانت طائرات من ذات الطراز تقصف بعنف مناطق أخرى في قطاع غزة، حتى أن إحدى الغارات طالت منزلا في مخيم النصيرات، أدت إلى تناثر جثامين الشهداء وبينهم أطفال في الشوارع، وذلك بعد أن ارتكبت مجزرة دامية في مخيم البريج المجاور، بقصفها مجموعة أطفال كانوا يلهون في الشارع، ما أدى إلى استشهاد أكثر من ستة مواطنين، وسقوط عشرات المصابين، حيث دللت برك الدماء الكبيرة التي خضبت الأرض هناك على حجم المجزرة، وليتيع ذلك استهداف منازل وقتل الأمهات وأطفالهن الصغار، وهو أمر تكرر في مدينة دير البلح ومدينة رفح خلال الأيام الماضية.
وتوالت الهجمات الدامية على كافة مناطق قطاع غزة، وسجل أكثر من مرة تزامن هذه الغارات التي توقع ضحايا كثر، مع شن جيش الاحتلال غارات على لبنان، مستندا إلى انشغال وسائل الإعلام الإقليمية والدولية بما يحدث على ساحة لبنان، بقدر أكبر مما يحصل في غزة.

تدمير ممنهج

ولم تكن عمليات التصعيد تقف عند حد المجازر، سواء تلك التي تطال مراكز الإيواء أو المنازل المدنية وتدمرها بشكل كامل فوق رؤوس ساكنيها.
فقد شهدت أيام الأسبوع الماضي، عمليات قصف عنيف وتدمير منازل فارغة في مناطق التوغل ونسف مربعات سكنية بالكامل، وتركز ذلك بشكل كبير في مناطق التوغل جنوب مدينة غزة، وشمال المنطقة الوسطى، وهي المناطق التي يفصل بينها «محور نتساريم» بما يوحي أن الاستهدافات كانت بغرض توسيع المحور.
وترافق ذلك مع عمليات تدمير ممنهجة للعديد من المباني الواقعة قرب الحدود الفاصلة بين مدينة رفح أقصى جنوب القطاع والأراضي المصرية، وهي المنطقة التي يوسع فيها جيش الاحتلال ما يعرف باسم «محور فيلادلفيا».
وترك ذلك تخوف من تصعيد أكبر قد يطال قطاع غزة، ويعيده إلى أيام الحرب الأولى التي كان يسقط فيها أكثر من 500 شهيد في اليوم الواحد، خاصة وأن إسرائيل تريد بدلا من التوصل إلى تهدئة تمرير مخططها الرامي لإبقاء احتلالها لقطاع غزة، من خلال محوري «فيلادلفيا ونتساريم».
وجاء هذا التطوير الميداني الخطير ضد غزة، بعد أن كانت دولة الاحتلال، قد أنهكت وسطاء التهدئة من خلال وضعها للشروط التعجيزية التي تحول دون تنفيذ بنود التفاهمات التي كان الرئيس الأمريكي قد أعلن عنها قبل خمسة أشهر.
ورغم التدخلات التي كانت قائمة قبل الهجوم على لبنان، إلا أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أبقى على شروطه الخاصة بعدم الانسحاب من «محور فيلادلفيا» كما لم يوافق على عودة النازحين بحرية من الجنوب إلى الشمال، ما يعني إبقاءه على احتلال «محور نتساريم» ووضعه أيضا شروطا تعجيزية.
وزعم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، رغم ما قام به لإفشال وساطات التهدئة، أن حركة حماس طلبت 26 تعديلا في الاتفاق، وأن إسرائيل لم تطلب شيئاً، وقد نافى بذلك ما أعلنه حليفه الأمريكي، الذي سبق وأن حمله مسؤولية تعطيل الاتفاق.

خطة الأبطال والجنرالات

ورغم مخططاته العسكرية زعم أنه ضد السيطرة العسكرية على قطاع غزة، وانه سيتم إيجاد حلول أخرى، وكشف أن من بينها تنفيذ «خطة الأبطال» التي يجري دراستها حاليا، والتي تشمل السيطرة على المساعدات الإنسانية كعنصر أساسي.
وبما يؤكد على خطط الاحتلال للإبقاء على احتلا ل غزة، كشفت تقارير عبرية أن رئيس الشعبة الإستراتيجية في الجيش الإسرائيلي، إليعزر توليدانو، أطلع نتنياهو على أنه سيتم تقديم عدة خيارات له في الأيام المقبلة ضمن «خطة توزيع» تهدف إلى «سلب حركة حماس سيطرتها المدنية على قطاع غزة». ومنتصف الأسبوع الماضي قال هذا المسؤول العسكري «في غضون يوم أو يومين سيتم عرض الخيارات المختلفة لتغيير الجهة المسؤولة عن التوزيع على نتنياهو» وهناك ترجيحات أن تشمل هذه الخيارات سيطرة الجيش الإسرائيلي على توزيع المساعدات الإنسانية في قطاع غزة.
وجاء ذلك بعد أن كشفت النقاب أن نتنياهو أبلغ قيادة الجيش بأنّ عليه الاستعداد لتغيير طريقة توزيع المساعدات الإنسانية في غزة بحيث لا تصل إلى حركة حماس، مطالبًا بتوزيعها تحت إشراف الجيش في مناطق محددة فقط تخضع لسيطرته وليس في كل مكان في القطاع، ونقل عن نتنياهو خلال اجتماع لحكومته اليمينية «أنا مقتنع بقدرتنا على القيام بذلك، وأتوقع من الجيش الإسرائيلي ترتيب أموره من أجل هذا الأمر، ومكان البدء بذلك هو شمال القطاع».
وتلا ذلك أن كشفت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن كلا من نتنياهو ووزير الجيش، أعطيا الضوء الأخضر لدراسة «خطة الجنرالات» في قطاع غزة، والتي تشمل السيطرة على مناطق شمال القطاع، واستيطانها بعد طرد سكانها.
وهذه الخطة وضعها جنرالات سابقون خدموا في جيش الاحتلال، وتنص على إجلاء أكثر من 300 ألف غزي وفرض حصار مشدد على تلك المناطق، وقطع جميع المساعدات الإنسانية الواصلة إلى الشمال. ويدلل ذلك على خطط نتنياهو تنفيذ مخطط الاحتلال الممنهج لغزة، في ظل انشغال العالم في التصعيد الحاصل على جبهة لبنان، وفرض المزيد من الوقائع على الأرض، وهو ما من شأنه أن يفاقم من وضع سكان شمال غزة الذين يعانون بالأصل من نقص حاد في المواد التموينية، حيث سيزداد الأمر صعوبة بعد سيطرة الاحتلال على هذه المساعدات وتوزيعها.
ووسط هذه الخطط والتصعيد الحربي، كشفت «القناة الـ12» العبرية تفاصيل اجتماع نتنياهو مع المجلس الوزاري المصغر بشأن مستجدات الوضع في لبنان وغزة، حيث زعم أن بتصعيده ضد حزب الله سيدفع باتجاه عقد صفقة تبادل في غزة، وأنه يريد من وراء التصعيد قطع العلاقة بين جبهة لبنان وجبهة غزة.
ويظهر من وراء هذه التصريحات جليا، أن نتنياهو يخطط لإطالة أمد الحرب ضد غزة وقطع أي مساعدة عسكرية في جبهات القتال لها، وبالأساس جبهة لبنان التي تنشط منذ بدايات الحرب.
وفي هذا السياق، أكدت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، أن توسيع الحرب الإسرائيلية ضد حزب الله لا يشير فقط إلى التصعيد الأكثر حدة منذ حرب لبنان الثانية، بل أيضًا إلى الفجوة الكبيرة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بما يدلل على رفض نتنياهو مقترحات التهدئة في غزة.
ولذلك ذكرت الصحيفة أن إدارة بايدن بدأت تدرك أن فرص التوصل إلى صفقة رهائن ووقف إطلاق نار في الشمال والجنوب في الأشهر الأربعة الأخيرة من ولاية بايدن، «أصبحت صفر» وذكرت أن نتنياهو يعلم أنه إذا أعيد انتخاب دونالد ترامب، «فستكون لديه حرية أكبر في محاربة حماس وحزب الله على النحو الذي يراه مناسبًا».
ولفتت الصحيفة، إلى أن «العديد من أعضاء فريق الأمن القومي التابع لبايدن، يؤكدون دومًا إحباطهم من نتنياهو. وهم يتحدثون الآن بشكل أكثر صراحة عن الخلاف الصعب بين بايدن ونتنياهو، وعن زيارات بلينكن المحبطة إلى القدس، حيث تلقى وعودا خاصة من نتنياهو، ليُناقضها بعد ساعات، وليواصل فرض شروط جديدة على مفاوضات وقف إطلاق النار من أجل الحفاظ على ائتلافه الهش، أو البقاء في منصبه وتجنب المحاكمة، وفي نفس الوقت يقولون إن له كل الحق في مهاجمة حزب الله، الذي أصبح دولة داخل الدولة في لبنان».
وكان أكبر دليل على سعي نتنياهو للاستمرار في الحرب على جبهتي لبنان وغزة التي يريد تدميرها واحتلالها، هو تراجعه عن «تفاهمات» مع واشنطن بشأن المبادرة الأمريكيّة – الفرنسيّة لوقف إطلاق النار في لبنان، حيث اختار نزوله من الطائرة في نيويورك، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، للقول من هناك «سنواصل ضرب حزب الله بكل قوتنا» رافضا بذلك مبادرة وقف إطلاق النار التي يتردد أنها تشمل في بنودها ما يخص ملف غزة.
وكشف مسؤولان أمريكي، وإسرائيلي، الخميس 26 ايلول/سبتمبر الجاري عن آخر مستجدات مقترح وقف إطلاق النار في لبنان وقطاع غزة.
وكما كشفت تقارير عبرية، فإن مقترح وقف إطلاق النار مع حزب الله كان يشمل على هدوء مؤقت لمدة 4 أسابيع في غزة ولبنان، تجري خلالها مفاوضات مكثفة مع حزب الله والمقاومة في القطاع بوساطة أمريكية وفرنسية للتوصل إلى صفقة خلال الأسابيع الأربعة، كما يشمل المقترح اتفاقا لإعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة، وإطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين وتطبيق قرار 1701 لإبعاد حزب الله عن الحدود في الشمال.

تحذيرات مصرية وفلسطينية

ودفع ذلك مصر الوسيط في التهدئة للطلب بوقف إطلاق نار ‏فوري وشامل ودائم في غزة ولبنان، وقد حذرت من أن الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية «تهدد بانزلاق منطقة الشرق الأوسط إلى حالة من المواجهات والفوضى، ستعرض شعوب المنطقة لعواقب خطيرة يصعب السيطرة عليها».
وبسبب هذه المخططات الإسرائيلية حذرت وزارة الخارجية الفلسطينية، من مخططات دولة الاحتلال واليمين الحاكم للاستفراد بالشعب الفلسطيني، واستمرار جرائم حرب الإبادة والتهجير ضده، وارتكاب المزيد من الجرائم الجماعية في قطاع غزة، كما حصل مؤخرا باستهداف المدارس التي تؤوي النازحين الفلسطينيين بما تُخلّفه من شهداء وجرحى ومفقودين.
وحذرت الوزارة من محاولة الاحتلال توسيع دائرة الصراع بالمنطقة، لحرف الأنظار عن جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، وإزاحة صورها عن المشهد السياسي والإعلامي العالمي، ونقل ثقل الانشغال العالمي إلى مناطق أخرى، وأكدت مجدداً استمرار الجهود الدولية للوقف الفوري لحرب الإبادة والتهجير ضد الشعب الفلسطيني.
أما حركة حماس، فأكدت على ما قدمته منذ بداية الحرب في رؤيتها ذات الثلاث المراحل، والتي تدعو إلى الوصول لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى وإعادة الإعمار وكسر الحصار، وتحقيق المصالحة الفلسطينية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل الجميع، والانخراط في عملية سياسية شاملة، تستند إلى القرارات الدولية ذات الصلة لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين.
وحملت حكومة الاحتلال وداعميها المسؤولية الكاملة عن إفشال مفاوضات وقف إطلاق النار، مؤكدةً موقفها الذي أعلنته مسبقًا بعدم الذهاب إلى مزيد من جولات المفاوضات، ورفض مناقشة مقترحات جديدة من شأنها توفير الغطاء لعدوان الاحتلال ومنحه المزيد من الوقف لإدامة حرب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية