«مجزرة البيجرات» المفخخة: ما العمل؟

حجم الخط
26

تشير المعلومات المتداولة عن «مجزرة البيجرات» المفخخة التي ضربت، في وقت متزامن، شبكة واسعة من أعضاء «حزب الله» اللبناني (وبعض حلفائهم في إيران وسوريا) إلى إصابة نحو 3000 آلاف ضمنهم نساء وأطفال، ثلاثمئة منهم في حالة حرجة، وإلى مصرع 12 بينهم طفلان، وأن مئات العمليات الجراحية أجريت لمصابين في العيون والوجه، كما تتابعت المجزرة أمس الأربعاء، حيث أعلن عن مقتل 9 وجرح ثلاثمئة آخرين.
اجتهدت مصادر متعددة، إعلامية وسياسية وأمنية وصحية، في تقديم معلومات وتحليلات لتركيب صورة أوليّة للعملية الاستخباراتية التي ستبقى بعض خيوطها غامضة، لأسباب تتعلّق بإسرائيل نفسها (التي لم تُعلن مسؤوليتها رسميا) وبالشركة التايوانية التي حملت الأجهزة ماركتها ثم أعلنت أنها ليست من صنعها بل شركة أخرى في المجر (والتي يبدو أنها شركة «خلّبية») وبالحزب اللبناني نفسه الذي استورد شحنتها قبل خمسة أشهر، والذي لن يتبرّع بإفشاء ما قد يضرّه من معلومات.
حسب وسائل إعلام أمريكية، مثل «أكسيوس» و«نيويورك تايمز» و«مونيتور» فقد نجح جهازا الموساد (الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية) و«أمان» (الاستخبارات العسكرية) في زرع مادة متفجرة صغيرة الحجم من نوع «آر دي إكس» (وتسمى أيضا هكسوجين) بجانب بطارية كل جهاز من الشحنة التي تلقاها الحزب. تملك هذه المادة طاقة انفجارية عالية (وسرعة انفجار تتجاوز 7 آلاف متر/ثانية) ويمكن خلطها مع ملدنات لجعلها قابلة للتشكيل بشكل يجعلها مثالية لمهام تتطلب إخفاء الشحنة، كما يمكن خلطها بمواد لتصبح مستقرة في التخزين. تم الإطلاق، حسب الروايات، بانفجار الجهاز بعد تلقيه رسالة خطية بأربع ثوان.
يقترح أحد التحليلات أن إسرائيل تركت هذه «الخلية الإرهابية النائمة» لتفعيلها خلال حرب شاملة في لبنان بقصد تعطيل قدرات الاتصال لدى الحزب، وأنها اضطرت لإطلاق العملية بشكل مبكّر بعد اكتشاف اثنين من أعضاء الحزب خرقها.
هناك تفسير آخر ممكن ويتعلق بالنزاع السياسي داخل الحكومة الإسرائيلية بين الشريكين اللذين تتهمهما الجنائية الدولية بالإبادة الجماعية للفلسطينيين: بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة، ويوآف غالانت، وزير الحرب، فبهذه العملية الهائلة يمكن للخصمين امتلاك «امتياز» ضرب الخصم اللبناني ـ الإيراني الخطير، ثم استعادة «صورة الضحيّة» في حال أقدم الحزب وطهران على ردّ عسكري كبير، وهو ما سيوفّر لهما مبررا أمام العالم لحرب في لبنان تتضمن احتلال جزء من شريطه الحدودي (في ما يشبه تكرارا لحرب 1982 التي أخرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان).
بانتظار تقديم «حزب الله» روايته لما حدث فإن العملية تعتبر فشلا أمنيا صارخا للحزب، يبدأ من عدم التحقق من الشركة التايوانية الأم التي حمّلت شركة مجرية غامضة (والتي قد تكون فخا استخباريا بحد ذاتها) المسؤولية عن «التصنيع» مرورا باستيراده في الأشهر القليلة الماضية بعد بدء المواجهات مع إسرائيل، واعتماده أمنيا من قبل مسؤولين إيرانيين كبار مثل مجتبى أماني سفير طهران في بيروت الذي جُرح في العملية.
تأتي «مجزرة البيجرات» بعد سلسلة عمليات خطيرة ومعقدة نفّذتها إسرائيل ضد مسؤولين كبار في الحزب وحركة «حماس» وضمن جغرافيا واسعة تمتد بين لبنان وسوريا وإيران، ولكن ما يميز العملية الأخيرة أنها استخدمت جهاز اتصالات الحزب، وهو ما يشبه المركز العصبيّ للإنسان، لاستهداف شبكة عناصره في كل مكان وبضربة واحدة متزامنة بحيث عطّلت هذه الشبكة وكشفتها بعد أن كانت سرّيتها أحد أسباب القوة في الحزب.
معلوم أن الضربات السيبرانية تؤدي إلى كشف العناصر الأمنية المستخدمة لدى الجهة التي هاجمت وتسمح للطرف الذي هوجم بإغلاق الفجوات وبكشف الثغرات الأمنية.
بعملياتها المنتشرة على جبهات غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا وإيران واليمن، تقوم إسرائيل، عمليا، بتأكيد «وحدة الجبهات» ولكنها، أثناء ذلك، ربما تستنفد ترسانة مفاجآتها، وتساهم في دفع خصومها لإعادة ترتيب قواتهم والتفكير بمفاجآت مقابلة. التأكيد المتكرر من قبل هؤلاء على السبب الرئيسي لاندلاع النزاع، وهو الحرب الإبادية ضد الفلسطينيين، هو الخط الاستراتيجي الوحيد الذي يردّ سياسيا على خطط إسرائيل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سمير:

    إلى عبد الله
    لو كان بمقدور إسرائيل دخول الأراضي اللبنانية لكانت قد دخلت مباشرة بعد تفجيرات البيجرات. إسرائيل أجبن من أن تتجاوز الحدود وتدخل لبنان. الخوف من الغرق في المستنقع اللبناني هو الذي يجعل الكيان الصهيوني الغاصب يهدد ويتوعد على احتلال الجنوب اللبناني، لكنه لا يقوى على ترجمة أقواله إلى أفعال. جيش الكيان منهك وغارق في أوحال غزة، فمن أين تأتيه القدرة للدخول إلى الأراضي اللبنانية الوعرة التضاريس والتي فيها مقاومة أقوى بأضعاف مضاعفة من مقاومة حماس؟؟؟؟

  2. يقول ابن الاردن:

    نعم بكل المقاييس وحقيقة لا يختلف فيها اثنان من العقلاء ، فشل استخباراتي. لحزب الله وفشل تكنولوجي لحزب الله ونجاح كبير لاستخبارات العدو. وتقدم تكنولوجي غير مسبوق للعدو ؟ وسابقة ادهشت العالم ؟ أظن ان معظم الخبراء والمهندسين من ذوي الاختصاص مصابون بالدوار.؟؟ ، ومدووشون ؟؟ولا يعرفون حقيقة الكارثة وأسبابها ، وكيف وقعت ؟ ومستقبلا هل اجهزة الاتصال التي سيستعملها حزب الله وهي للسيطره ستكون آمنه ، ؟ في المعارك والحروب يسعى كل طرف إلى تدمير وسائل السيطرة للطرف الآخر وهي اجهزة الاتصال ؟؟ حتى يجعله كمن يمشي مغمض العينين ، ثانيا وهل اجهزة الموبايلات سمارت بين أيدي المدنيين آمنه ( وهل اجهزة سمارت تلفزيون في البيوت آمنه ؟ وهل الأجهزة الأخرى سمارت آمنه ،،؟؟؟ غطيني يا صفيه فش فايده ؟؟؟؟

1 2 3

اشترك في قائمتنا البريدية