مجمع ناصر الطبي شاهد على جرائم الاحتلال: أدوية تنفد وأرواح تُزهق

بهاء طباسي
حجم الخط
0

غزة ـ «القدس العربي»: تهديد، ثم تهديد أشد، ثم صوت انفجار يطيح بالمئات؟ مكان الاستهداف هو مستشفى مفترض أنه محمي بمواثيق إنسانية ودولية، والضحايا هم المرضى وأُسر مدنية ظنت أن سعار انتقام الاحتلال الاسرائيلي لن يطول أي مستشفى.
مجمع ناصر الطبي ثاني أكبر مستشفيات قطاع غزة والذي يقدم الرعاية الطبية لسكان مدينة خانيونس ورفح، لكن المستشفى نفسه طوقته مستوطنة «نافيه ديكاليم» من جهتي الغرب والجنوب ليصبح مرضاها وزاورها منذ سنوات في مرمى نيران جنود الاحتلال المتمركزين داخل المواقع العسكرية في محيط تلك المستوطنة قبل تسعة عشر عاماً.
وأوضح مديرُ مجمعِ ناصر الطبي الدكتور ناهض أبو طعيمة أن المستشفى تعرض للعديد من الاستهدافات من قبل جيش الاحتلال أثناء احتلال قطاع غزة من الجهة الغربية وأثناء الاجتياجات، واستقبل المصابين والجرحى على مدار سنوات عديدة.
وبين لـ «القدس العربي» أن الكوادر الطبية في المجمع تعاملت مع الكم الهائل من المصابين خلال الحروب السابقة جميعا، وخلال الانتفاضات انتفاضة عام 1987، والانتفاضات المتتالية. مستدركاً بقوله: «لا زال المجمع يقدم الخدمات الجراحية لعموم قطاع غزة بسبب نزوح المواطنين إلى المنطقة الجنوبية وخصوصًا مجمع ناصر الطبي».
وحلال الحرب الحالية «أغلب الإصابات تحتاج إلى دخول العناية المركزة، بل كثير منها، ما اضطرنا إلى فصل جهاز التنفس الصناعي عنه مبكرًا، لكي يتم إنقاذ مصابين آخرين، لكن الحمد لله وبتوفيقه، أغلب المصابين تم إنقاذهم لحظة فصلهم المبكر عن التنفس الصناعي» وفق قوله.

من صفحة مجمع ناصر الطبي على «فيسبوك»

كواليس أروقة مستشفي ناصر الطبي في خانيونس تحمل نفس معاناة المستشفيات التي تعمل تحت خطر القصف، وشبح انتهاء مخزون الوقود، وعدم توفر المستهلكات الطبية التي دونها تتحول المستشفى إلى مقبرة جماعية تتسبب في مجزرة ناعمة تسقط مئات الضحايا؛ لكن دون قصف يدان به الاحتلال كما سقطت عنه ورقة التوت بعيد قصف مستشفى المعمداني، فالأساليب تختلف والهدف في القتل والإسراف في الضحايا هو واحد.
وفي هذا الإطار بين مدير الاستقبال والطوارئ في مستشفى ناصر الدكتور محمد قنديل أن : «حجم العمل الحقيقي في المستشفى أكبر مما يصدق، فالوضع الطبي كارثي والمصابون كثيرون وإصاباتهم خطرة بالغة الخطر، إذ تتدفق إلى المستشفى بالمئات يوميا».
ودق قنديل ناقوس الخطر قائلاً: «سرر المستشفى مليئة بالمصابين، والأدوية ستنفد تماما عما قريب، والمستشفى يعمل منذ يومين على المولدات الكهربائية التي تعتمد على الوقود لعدم توفر الكهرباء».
ولفت إلى أخطر المواقف التي رأوها خلال عملهم في المستشفى أن «معظم المصابين الذين وصلوا إلى المجمع هم من الأطفال والنساء تقريبا بما يعادل ستين إلى خمس وستين بالمئة من الجرحى، ومعظم الشهداء كذلك من النساء والأطفال، وأغلب الجرحى مدنيون.
وقال: «أسوأ شيء رأيناه في هذه الحرب أن معظم الشهداء يتمثلون في أشلاء، أو جثث مفحمة، أو جثث محروقة، أو جثث لا نستطيع معرفة هويتها، تقريبا يدفنها معارفها، لا يعرفون أهو لهم أم لغيرهم لأنه لا يوجد له معالم بالمطلق».
النقص الشديد في العلاج والأدوية والمحاليل والغازات اللازمة لتشغيل غرف العمليات، إضافة إلى نقص قطع الغيار للأجهزة الطبية تجعل المصاب يفارق الحياة سريعا فينتقل إلي خانة شهيد مع عجز الإمكانات، ويزداد الخوف بين أهل المصابين، والجرحى مع دعوات ألا يمر قصف يقتل أسرا كاملة.
وتروي والدة الطفلة المصابة حنين التي تتلقى العلاج الطبي في مستشفى ناصر «كنا قاعدين في البيت فجأة الصاروخ نزل علينا، وفجأة وجدنا حنين ملقاة على الأرض، وحملها أهلي، ووضعها الآن صعب للغاية، وضع الأطباء» بلاتين في رجليها وتحتاج إلى عملية أخرى في يدها».
وتبدي والدة حنين تخوفها على حياة ابنتها بسبب النقص في الأدوية، والتأخر في إجراء عمليات لها قائلة: «ابنتي تتألم من جروحها ومن المفترض أن يدخلوها إلى غرفة العمليات لإجراء عملية أخرى، لكن من كثرة المصابين الذين يحتاجون إلى العمليات الطارئة أُجلتْ عمليتها مرتين».
رائحة الموت، وأنين الضحايا وأنفاس الخوف التي تملأ هواء فناء مستشفى ناصر الذي بات ملاذاً لآلاف الأسر هربًا من جرائم الاحتلال، وافترش المواطنون بأسرهم الكاملة الأرض في حديقة المستشفى، وممراتها الخارجية، لعلهم يجدون بعض رصيد الأمان، لكن أين الأمان في حرب هدفها أصلًا تفريغ القطاع من سكانه؟.
مجمع ناصر في خانيونس الذي تم إنشاؤه عام 1956، بمساحته التي بلغت أربعين دونمًا، وأقسامه تُقاوِمُ بالمتاح، يتحمل بطواقه الطبية مسؤولية كبيرة وهم يواجهون عدوًّا يمتلك ضوءًا أخضر بالقتل.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية