نواكشوط ـ «القدس العربي»: في واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في تاريخ البلاد السياسي والقضائي، دخلت محاكمة الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، مرحلة مفصلية حيث اندلعت حرب الندوات الصحافية بين هيئات الدفاع، فيما يواصل قضاة محكمة الاستئناف مداولاتهم، وسط ترقب واسع لحكمها المرتقب خلال أسبوعين.
وانخرطت هيئات الدفاع عن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز والطرف المدني (الدولة الموريتانية) في “حرب ندوات صحافية”، يسعى كل طرف من خلالها لترسيخ روايته، والتأثير في الرأي العام وحتى على قرارات المحكمة، بحسب متابعين.
وفي مؤتمر صحافي عقده منسق هيئة الدفاع عن الرئيس السابق، محمدن ولد إشدو، تمسك الفريق القانوني لولد عبد العزيز بما سماه بـ “الحصانة الدستورية” للرئيس السابق، معتبرًا “أن أي حكم يصدر دون الرجوع إلى المادة 93 من الدستور سيكون باطلاً وغير عادل، حتى وإن كان حكمًا بالبراءة”.
وذهب ولد إشدو أبعد من ذلك، واصفًا القضية برمتها بأنها “انقلاب ناعم مرّ عبر ثماني مراحل، بدأت بـ “حملة دعائية ممنهجة”، ثم “فتنة المرجعية في الحزب الحاكم”، ومرورًا بـ “لجنة تحقيق برلمانية لم تُسلِّم تقريرها كاملاً، وانتهاءً، حسب قوله، بإقحام اسم الرئيس السابق في الملف رغم عدم وروده في تقارير التحقيق الأولى”.
وأضاف منسق الدفاع “أن المحاكمة جرت في ظروف تفتقر للعدالة، بدءًا من إغلاق الجلسات أمام بعض الأشخاص، ورفض المحكمة لطلبات الدفاع، مرورًا برفض تطبيق النصوص الدستورية، وتجاهل قرارات المجلس الدستوري”، مؤكدًا “أن النيابة العامة والطرف المدني قدّما مرافعات “تفتقر إلى الأدلة”، في حين قدّم فريق الدفاع ما وصفه بـ “حُجج قانونية مفصلة ومؤصلة تُثبت بطلان التهم”.
وفي الجهة المقابلة، عرض فريق الدفاع عن الطرف المدني رواية مغايرة تمامًا، حيث قال المحامي عبد الله ولد اكته، في بيان خلال مؤتمر صحفي مضاد: “إن الرئيس السابق فشل طيلة المرافعات في تبرير حجم الثروة العقارية والنقدية التي جمعها، والمتضمنة عقارات شاسعة وأموالًا بالمليارات مودعة في بنوك تحت إمرته”.
وأضاف ولد اكته “أن ولد عبد العزيز تخلى عن أبسط القواعد المحاسبية، وأدار المؤسسات العمومية بأساليب تتنافى مع الشفافية، ما وفّر له حصانة غير قانونية ضد المساءلة، وهو ما يُعد انتهاكًا صريحًا لروح القانون”، حسب قوله.
وأشار بيان الدفاع المدني إلى “وجود أدلة عقلية وتنظيمية وقانونية تثبت ضلوع المتهم الرئيسي وشركائه في أفعال فساد ممنهجة”، مطالبًا “المحكمة بمصادرة جميع العائدات النقدية والعينية التي تحصّل عليها المتهمون، باعتبار ذلك شرطًا أساسيًا لتحقيق العدالة وتعويض المتضررين”.
ووصف يرب ولد أحمد صالح، أحد أعضاء فريق الدفاع عن الدولة، ما يُتداول على وسائل التواصل الاجتماعي من مزاعم تتعلق بتقديم رشوة للقاضي، بأنه مجرد “تشويش متعمد على المسار القضائي”.
وأشار في نقطة صحافية لفريق الدفاع عن الدولة إلى أن “مصدر هذه الشائعات يرتبط بأوساط الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، المتهم الرئيسي في الملف”، معتبراً “أن الغرض منها هو التأثير على مجريات المحاكمة قبل النطق بالحكم النهائي”.
وأضاف أن لجوء المتهمين إلى نشر مثل هذه المزاعم يعكس “ضعف موقفهم أمام القضاء، ومحاولة ضرب مصداقية المؤسسة القضائية وبالتحديد مصداقية القاضي المكلف بالملف”.
وأكد المحامي “أن فريق الدفاع عن الطرف المدني لا يملك أية معلومات موثقة بشأن تلك الادعاءات، التي وصفها بأنها “غير مدعومة بوقائع ملموسة، ولا تدخل ضمن الملفات المعروضة أمام المحكمة”، مشدداً على أنها “تبقى في حدود الافتراءات التي لا قيمة قانونية لها”.
هذا، ويتابع الشارع الموريتاني مجريات القضية بكثير من الاهتمام والانقسام، حيث كتبت النائبة البرلمانية منى الدي، وهي من أبرز معارضي الرئيس السابق، تعليقًا لافتًا على صفحتها، قالت إن في محاكمة ولد عبد العزيز العجب العجاب: فمن تسجيل يهدد رئيس المحكمة بالقتل، إلى إشاعات حول محاولة رشوة القضاة بمئات الملايين؛ لكن مهما قيل، لا يمكن تبرير ما عُثر عليه من ثروات هائلة؛ وما ظهر ليس سوى رأس جبل الجليد”.
ومن المرتقب أن تُصدر محكمة الاستئناف في نواكشوط حكمها في 14 مايو المقبل بحق الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، الذي يواجه اتهامات ثقيلة بالفساد وتبييض الأموال، بعد اختتام جلسات محاكمته التي استمرت لأشهر وشهدت جدلًا واسعًا داخل البلاد وخارجها.
وكان ولد عبد العزيز، الذي تولى الحكم بين عامي 2008 و2019، قد أُدين ابتدائيًا في كانون الأول/ديسمبر 2023 بالسجن خمس سنوات نافذة، بتهم تتعلق بالإثراء غير المشروع وتبييض الأموال.
ويواصل الرئيس السابق نفيه القاطع لكافة التهم، معتبرًا أنها ذات طابع سياسي، وأنها تصفية حسابات دبرها خصومه”.
وخلال جلسات الاستئناف التي انتهت في 23 نيسان/أبريل الجاري، طالب الادعاء العام بتشديد العقوبة على الرئيس السابق لتصل إلى 20 سنة سجناً، مشيرًا إلى أن المتهم “حوّل مؤسسة الرئاسة إلى مكتب للابتزاز”، وفق تعبير النائب العام لدى محكمة الاستئناف، سيدي محمد ولد دي ولد مولاي.
وأضاف النائب العام أن ولد عبد العزيز “استغل موقعه الرئاسي لتحقيق مصالح شخصية على حساب الدولة والمستثمرين”.
ولم يكن ولد عبد العزيز وحيدًا في قفص الاتهام، إذ مثل إلى جانبه عدد من كبار معاونيه السابقين، بينهم وزراء ومديرون عامون، إضافة إلى رئيسي وزراء سابقين. وتواجه هذه المجموعة تهمًا تتراوح بين استغلال النفوذ، وسوء استخدام الوظيفة العمومية، والإثراء غير المشروع، وتبييض الأموال.
ويرقب الشارع الموريتاني والمراقبون الإقليميون والدوليون ما ستسفر عنه جلسة 14 أيار/مايو، التي قد تُعيد ترتيب أوراق المشهد السياسي الموريتاني بشكل عميق، سواء بتثبيت الإدانة أو نقضها، أو ربما تفتح الباب أمام تصعيد جديد في مسار هذه القضية التي أصبحت عنوانًا لصراع مستمر على السلطة والمشروعية.