يبدو أن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة يمر بأزمة حقيقية، وقد وصلت محاولات اختيار مرشح يكلف بتشكيل الحكومة، بات أزمة مستعصية، وصلت إلى نهايات مسدودة، إذ أدى فشل محمد توفيق علاوي في حيازة ثقة البرلمان إلى إلقاء الكرة مجددا في ملعب رئيس الجمهورية، لاختيار مرشح بديل لتكليفه بتشكيل الحكومة، ورئيس الجمهورية بدوره، يبدو حائرا أمام مواد الدستور العراقي الملغزة والمتضاربة في هذا الشأن.
فقد أشار البعض إلى البند الثالث من المادة 76 من الدستور العراقي، ومما جاء فيه «يُكلف رئيس الجمهورية، مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً، عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة، خلال المدة المنصوص عليها في البند ثانياً من هذه المادة».
واعتبر بعض فقهاء القانون أن هذا البند من المادة الدستورية، يعفي رئيس الجمهورية من اختيار مرشح الكتلة النيابية الأكبر، لعدم إشارة المادة إلى ذلك. وهنا يبدو الأمر أكثر تعقيدا، فهل يصبح الاختيار المطروح أمام رئيس الجمهورية مطلقا ومن دون محددات؟ وهل من حقه اختيار شخصية المرشح لتشكيل الحكومة، خارج الأطر التي تضعها الكتل النيابية؟ وفي حال اختيار رئيس الجمهورية لشخصية، يثق بنزاهتها وقدرتها على تحمل المسؤولية، كيف يمكن أن تمرر في البرلمان وتحظى بثقته؟ وإذا لم يحض المرشح الجديد بالثقة، كيف يمكن أن توضع نقطة النهاية لهذه الدائرة المفرغة من اللف والدوران؟ لكن من جانب آخر يرى بعض المحللين السياسيين والقانونيين، أن الأزمة الآن قاربت على الحل، إذ يجب أن يتولى رئيس الجمهورية مهام رئيس الوزراء لتسيير أعمال الحكومة الانتقالية، التي ستهيئ لانتخابات مبكرة.
لا حل في العراق سوى بحكومة انتقالية تعبر إلى بر الأمان وستفرضها الانتفاضة عاجلا أم آجلا
وقد اعتمد المنادون بهذا الرأي على المادة 81 من الدستور، التي تنص على «أولاً: يقوم رئيس الجمهورية، مقام رئيس مجلس الوزراء، عند خلو المنصب لأي سببٍ كان. ثانياً: عند تحقق الحالة المنصوص عليها في البند «أولاً» من هذه المادة، يقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة، خلال مدةٍ لا تزيد على خمسة عشر يوماً، ووفقاً لأحكام المادة (76) من هذا الدستور». وهنا يبدو أن من قال بهذا الرأي كان قد أغمض عينيه عن الفقرة الثانية من المادة الدستورية، التي سترجعنا إلى الحلقة المفرغة نفسها، التي تستدعي تكليف مرشح جديد بتشكيل الحكومة، ليبقى السؤال، كيف سيتم اختيار المرشح القادم لتشكيل الحكومة الجديدة؟
هنا ظهرت موجة جديدة تحاول تسويق عادل عبد المهدي، على إنه رئيـــس وزراء تم توافق الكتل السياسية على اختياره مسبقا، ولا بأس من إعادة تكليفه بتسيير الحكومة المقبلة، مع تحديد موعد لانتخابات مبكرة، وعند هذه النقطة تحديدا تبدو آثار اللعبة الشيطانية، التي تحاول كتل السياسة الفاسدة أن تلعبها.
من جانبه صعّد عادل عبد المهدي من لهجته، وأعلن إنه سوف يبدأ مرحلة سماها «غيابا طوعيا»، وهو مصطلح جديد وغير مفهوم في خضم الفوضى، وغياب المعايير القانونية التي تمر بها العملية السياسية في العراق، فالمعروف أن رئيس حكومة تصريف الاعمال ملزم قانونيا باستكمال أعمال حكومته، لحين تشكيل الحكومة الجديدة، وإن الامر ليس كيفيا أو متروكا لمزاج الوزراء، أو رئيس الوزراء للبقاء أو الرحيل.
وقد جاء تصعـــــيد عبد المهدي بعد فشل محمـــد علاوي في حيازة ثقــة البرلمان على كابينته الوزاريــــة، وبدا عبد المهدي وكأنه يحاول لعب دور الزاهد في المنصب، والراغب في مغادرة المسؤولية في أسرع وقت.
وقد أشار عادل عبدالمهدي إلى إنه لم يعد يضطلع بمعظم واجبات المنصب الرسمية، داعيا نواب البرلمان إلى الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة، وحذّر من أن الأحزاب السياسية ليست جادة في تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها المتظاهرين، وقال في بيان رسمي إن «أخطر شيء نواجهه حاليا هو احتمالية الدخول في فراغ دستوري وإداري»، وهنا يبدو أن عبد المهدي يلقي حبل الحل للكتل السياسية لإخراجهم من الأزمة، عبر تمرير صفقة إعادة تكليفه، مع تعهده بإجراء انتخابات مبكرة في ديسمبر/كانون الاول المقبل. وقد كشفت تصريحات صحافية أدلى بها نائب رئيس الوزراء الاسبق بهاء الأعرجي، عن طلب قدمه رئيس الجمهورية برهم صالح، لقادة الكتل السياسية بشأن تكليف رئيس وزراء جديد، بعد اعتذار محمد توفيق علاوي. وقال الأعرجي في تصريح صحافي، إن «الرئيس برهم صالح طالب الكتل السياسية بتقديم كل كتلة مرشحين اثنين لمنصب رئيس الحكومة، على أن يتم جمعهم سوية لاختيار أحدهم وطرحه على القوى السنية والكردية، قبل أن يجري تكليفه». وأضاف الأعرجي مبينا أن «هناك كلاما جديا جرى في كواليس اجتماعات القوى السياسية، لكنه لم يصل بعد إلى مرحلة الاتفاق أو التوافق بشكل نهائي على الإبقاء على رئيس الحكومة المستقيل عادل عبد المهدي، حتى إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة».
وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذه الخطوة ليست جديدة، إذ سبق لأحزاب الإسلام السياسي الشيعي المقربة من طهران، أن شنت حملة بعد استقالة عادل عبد المهدي في ديسمبر 2019 مفادها إبقاء الرجل في منصبه، وإعادة تكليفه بترؤس الحكومة الانتقالية، مع تحديد موعد الانتخابات المبكرة، وقد صوّر الأمر حينها على إنه مجرد بقاء الحكومة ورئيسها لمدة أشهر، فلماذا نطالب بإزاحة الرجل الذي لم يتهم هو وحكومته بملفات فساد؟ كما إنه قادر على إدارة المرحلة الانتقالية لحين انتخاب برلمان جديد، يضاف إلى ذلك التأكيد على أن الكتل الشيعية والكردية والسنية متوافقة على القبول بعبد المهدي وحكومته، وبذلك لن تمر حكومته الجديدة بأزمة ثقة في البرلمان، لان الكتل السياسية استحوذت بالفعل على حصتها من الوزارات والإدارات، وبالتالي ستمرر حكومة عبد المهدي في البرلمان بسلاسة.
ولأن سياسيي الصدفة في العراق، وصلوا مديات غير مسبوقة من عدم الحياء والصفاقة وفقدان الحس والشعور الأخلاقي والوطني، لذلك نراهم اليوم يطالبون بإعادة تكليف المستقيل عادل عبد المهدي، وقد تناسوا موجة القمع العنيفة التي شنتها قوى الأمن والجيش وميليشيات الحكومة في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، للضغط على ساحات الانتفاضة للقبول بإعادة تدوير حكومة عبد المهدي، وقد سقط حينها عشرات الضحايا ومئات الجرحى في هجمات شنت على ساحات الاعتصام في كربلاء والناصرية وبغداد، وقد قال المنتفضون حينها وبأعلى صوت، إنهم ضد إعادة تكليف عبد المهدي، المتهم هو وقادته الامنيين ووزيري الداخلية والدفاع في حكومته بقتل المتظاهرين السلميين. فكيف يتخيل البرلمان العراقي وكتله السياسية الفاسدة، أن الانتفاضة سوف تخنع وتخضع وتقبل بإعادة تكليف عادل عبد المهدي بعد كل هذه الدماء؟
كتل العملية السياسية وأحزابها وتياراتها الشيعية والسنية والكردية كلها في عراق اليوم موصومة بالفساد ونهب المال العام وقتل المتظاهرين، وإن إجراء انتخابات مبكرة تحت وطأة انفلات السلاح خارج قبضة الحكومة الرسمية، وتغول الميليشيات، وحيازة ونثر المال السياسي الفاسد في انتخابات مبكرة، لن ينتج إلا استمرارا لحكومات الفساد التي مرت على العراق طوال السبعة عشر عاما الماضية، ولا حل سوى بحكومة انتقالية تعبر إلى بر الأمان وستفرضها الانتفاضة عاجلا أم آجلا.
٭ كاتب عراقي
لقد دعى عبدالمهدي لإنتخابات مبكرة بشهر 11 ! فلماذا لا يتم التوافق على ذلك؟ وإنها فرصة لإنشاء حزب من شباب الثورة!! ولا حول ولا قوة الا بالله