محاولة بعض السياسيين ادراج المواضيع والاهتمامات الاجتماعية في بوتقة الدعاية الانتخابية ليست الا تهربا من مواجهة النزاع الاسرائيلي الفلسطيني
اولمرت سيقود التسوية المطلوبة مع الفلسطينيين الي مسافات بعيدةمحاولة بعض السياسيين ادراج المواضيع والاهتمامات الاجتماعية في بوتقة الدعاية الانتخابية ليست الا تهربا من مواجهة النزاع الاسرائيلي الفلسطيني في الأيام القادمة، سوف يذكرنا ايهود اولمرت برئيس الوزراء الاسبق ليفي اشكول، فقد صَعُب علي الاسرائيليين الصفح عنه لانه ليس كبيرا مثل دافيد بن غوريون، وكذلك، فان ارييل شارون لن يترك فضاءا فارغا، مثله مثل بن غوريون، وأنه كما كان اشكول وزيرا للمالية فان اولمرت وزير للمالية وسياسي مهني بالحجم الطبيعي، فهو مجرَّب للغاية وسوف يظهر كرئيس لحكومة اسرائيل التي تحتاجه علي ضوء حقيقة أنه يتمتع بشعبية مثل شارون، وربما بالاساس هذه هي الميزة المهمة في هذه الاوقات.لم يحظ احد من رؤساء الحكومات التي خلفت بن غوريون، بما فيهم غولدا مائير، مناحم بيغن واسحق رابين بشعبية كبيرة كالتي تمتع بها ارييل شارون، وربما كان السبب في ذلك أن شارون تمكن خلال حياته السابقة من عدم صبغ نفسه بصبغة السياسيين، مثله مثل بن غوريون فقد صبغ نفسه بصبغة الدولة ذاتها.شارون كان وظل رجلا عسكريا، وحتي حين اصبح رئيسا للحكومة فانه حرص علي ادارة الدولة كقائد عسكري أعلي وليس كمواطن يتساوي مع غيره من مواطني الدولة. معظم الاسرائيليين أيدوا الانسحاب من منطقة غوش قطيف، ومن المشكوك فيه أن يتمكن سياسي لا يتمتع بالقدر نفسه من القوة من الاقدام علي خطوة كهذه، وحتي لو حكمت العدالة التاريخية وأقرت بأن شارون كان محقا حين قرر تفكيك مستوطنات يهودية في قطاع غزة وفي شمال الضفة الغربية، فانه من الصعب للغاية ادراج هذه العملية ضمن الساعات الجميلة للديمقراطية الاسرائيلية.وبعد مرور حوالي أربعين سنة منذ دخوله للساحة السياسية والعمل فيها، وبعد أن فهم كل منحنياتها ومداخيلها فإنه يُصنف مع مجموعة السياسيين الاكثر سخرية في توجهه، ولكن الي جانب بنيامين نتنياهو وعمير بيرتس فانه يشكل النموذج الاكثر تحديدا للديمقراطية.إنهم يعرفون ماذا يفعلون وماذا لا يمكن فعله، وعلي عكس شارون فلم يدخل الي السياسة أي منهم بعد مسيرة عسكرية تاريخية طويلة، ولا أحد منهم اتصف بصفته المعروفة كـ اب قومي ومع ذلك فان الحاجة الفجائية الطارئة لمن يخلف شارون لا يصاحبها وجود جو من اليتم، ومن الخيارات المطروحة الان امام الناخب الاسرائيلي للاختيار تبدو خيارات مهنية خالصة. والي جانب هؤلاء يوجد عدد من السياسيين الذين سيقفون الي جانب هؤلاء (اولمرت، نتنياهو أو بيرتس) عددا من البدائل التي لا يمكن وصفها بالعمالقة او الاقزام.الحاجة لسياسي مهني تكون شخصيته ليست بعيدة عن قدراته الفعلية الحقيقية تقوي اكثر فأكثر نتيجة الاستهزاء المتصاعد ضد الديمقراطية، وان هذا الشعور بات يشكل قاسما مشتركا لدي الكثيرين من الاسرائيليين الي درجة التخوف والامتناع عن المشاركة فيها. حتي الان لا يوجد خطر كبير يحدق بالديمقراطية الاسرائيلية، فحتي وقت غير بعيد فان هذا الشعور كان يأتي مصاحبا للتشوق اثر وجود زعيم قوي يمكنه العمل اذا ما اضطر لذلك، بصورة منفردة ولا ينتظر مشاركة مواطنين في قراراته المصيرية، وهذا مثلا ما فعله شارون حين رفض اخضاع قراره الانسحاب من غزة لتصويت الجمهور الاسرائيلي وموافقته.وعلي هذا المنوال، فان الموضة الجديدة التي تدرج المواضيع الاجتماعية في اطار سلم الاختيار الديمقراطي في الانتخابات، فانها ولا شك ليست الا محاولة خفية للتهرب من ضرورة التعامل مع موضوع حل النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. فهذا ولا شك يجب أن يكون الموضوع الاساسي الذي يجب وضعه في محور العملية الانتخابية، فمن الاسهل جدا الجدل والنقاش حول الحد الادني للاجور من الحاجة للنقاش والجدل حول عملية اخلاء مستوطنات من مدينة الخليل. لا أحد يعرف الي أين كان ارييل شارون يريد توجيه هذا النزاع فيما لو واصل عمله ومنصبه. ربما كان سيعكف علي بلورة الحدود النهائية للدولة، ويجب الملاحظة بأن رفضه (شارون) اجراء المفاوضات مع الجانب الفلسطيني الان لا يعني اساسا للاعتقاد بان هذه الطريقة (رفض التفاوض) سوف توصل الي تهدئة الاوضاع.فقد خط اولمرت طريقه السياسي منذ وقف الي يمين مناحم بيغن وطوال حياته منذ ذلك الوقت انتهج سياسة غير قابلة للحلول الوسط. وحتي حين شغل منصب رئيس بلدية القدس، فقد حرص اولمرت علي الظهور بمظهر الزعيم القومي وعمل من أجل ذلك مثل صقر. وان مواقفه ضد نشاطات منظمة التحرير الفلسطينية في المدينة ولا شك بأن اكمال شق النفق بجانب حائط المبكي قد زادت كثيرا من حدة الاحتكاك والتوتر بين اسرائيل والفلسطينيين، ولكن من الملاحظ أن اولمرت قد اتخذ مواقف أكثر واقعية خلال السنوات الاخيرة، فهو ابن الستين حاليا، وليس في عمر يمكنه من العودة الي اختبار احلام شبابه.لم يتضح حتي الان الدور الذي لعبه اولمرت في الانقلاب الاخير الذي سلكه شارون، ويجوز الاعتقاد بأن شارون قرر التخلي عن قطاع غزة لدوافع عسكرية بالاساس، ولم يحدث ذلك كنتيجة لتحوله (شارون) من يوم وليلة من عسكري الي سياسي استطاع ان يري ضوءا للسلام، ولكن من الواضح ـ ايضا ـ ان اولمرت تمكن من التأثير علي شارون. فاذا كان اولمرت قد توصل الي فهم اشمل بأنه لا بد من التوصل الي تسوية مع الفلسطينيين اكثر من الفهم الضيق لرجل عسكري مثل شارون فانه ولا شك سوف يقود هذه التسوية المطلوبة مع الفلسطينيين الي مسافات أبعد من ذلك.توم سيغفمحلل سياسي في الصحيفة(هآرتس) 6/1/2006