محمد الأشعري
إن التنوع الذي يميز المنجز الأدبي للكاتب محمد الأشعري وتفرعه إلى القصة والشعر والرواية والمقالة الصحافية، وانفتاحه على الفنون يطرح علينا مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالحدود بين الشعر والسرد، هل ما زال ممكنا كتابة شعر نقي منغلق على نفسه منشغل بأسئلته الوجودية وبشكله المغلق اللغوي الخالص؟ هل ما زال ممكنا الحديث عن نقاء الأجناس الأدبية في عالم لا يكف عن التغيير والتحول والانفتاح والتشكل وولادة أشكال وأنواع للتفكير تهدم ما سبقها؟ هذا المنجز الأدبي للكاتب محمد الأشعري لا يقطع صلته، أو لا ينفصل عن الطروحات الأدبية والفكرية التي تناولت هذه الإشكالية بالبحث والتنظير، سواء قديما او حديثا. لماذا لا يكتفي الشاعر بكتابة قصيدته والبحث فيها ومراودة أسئلتها ومجهولها، لماذا اختراق السرد لفضاء القصيدة، وهذه الرغبة الحديثة في حكي العالم، بعد أن كان الشعر قديما ينفي عن نفسه مهمة حكي العالم، ليحظى بأهميته الرمزية والأمومية المرتبطة باللغة. في هذه الورقة ارتأيت أن أقف عند إشكالية السردي والشعري، التي يفجرها المنجز الأدبي للكاتب محمد الأشعري وطرحت مجموعة من الأسئلة المرتبطة بهذه الإشكالية، التي اهتم بها النقاد والمفكرون ونظروا لها في تساوق مع متغيرات الواقع والفكر.
أولا هل الرواية رواية أم ليست رواية وهل القصيدة قصيدة أم ليست قصيدة؟
إن السؤال لا يطرح فقط على الشاعر اليوم، الذي بسبب شعوره بالسوء تجاه نفسه وبالانزعاج اتجاه العالم ومتغيراته، يبحث في الرواية عن قشة الخلاص، المتمثلة في «مساحة للكتابة» زكما يقول بارت، بما أنه يمكن أن نضع كلمة «باطوس» «بين علامتي تنصيص». فإنه سيتخلى عن أن يكون سريا. إنه سؤال يطرح على هؤلاء الذين يترددون في رؤية القصيدة تتحول إلى مقاطعة صغيرة من عالم الفن مخترقة ومعدلة جينيا. ليس إذن لأسباب تكتيكية للبقاء، يضطر الشاعر إلى التشكيك في العلاقة بين القصيدة والرواية ومستقبل حدودهما غير المؤكدة. لأن السؤال «الشعر أم الرواية؟» ليس عتيقا، على الرغم من القدرة المطلقة لنوع الرواية، ورغم ذلك فإنه لا ينطبق فقط على الشاعر الذي يميل إلى الانتقال إلى الرواية، بل يسري أيضا على الروائي، لأن الأخير، إذا كان أكثر من مجرد كاتب سيناريو بسيط، يرى بالضرورة أن أسئلة الشكل والعروض (الكتابة) تنشأ في قلب عمله، وتعتبر ضرورية للشعر. لكن في الوقت نفسه، إذا أدرك أن هناك أسبابا شعرية جيدة (لكن أيضا تاريخية وسياسية، وما إلى ذلك) لرغبته في تخريب النوع الروائي والتحايل عليه وتفكيكه، فإنه يرى أنه ربما يكون هناك العديد منها (الأنثروبولوجية، الجمالية والأخلاقية والسياسية وما إلى ذلك) للرغبة في استمرار الرواية وتجديدها. لأن الروائي، على عكس الشاعر، لا يتحرر من مهمة اختراع روايات قادرة على إلقاء الضوء على حياتنا وقضايا الواقع.
في الواقع، إن النموذج الذي يجعل الشعر معارضا للرواية هو السائد، والغطرسة الاقتصادية للرواية، مثل اليقين الفني الذي يعرضه الشعر، لا يمكن إلا أن تساهم في تعزيزه. ألا تؤدي تجربة الكتابة بالضرورة إلى الاختيار؟ ألا ينحاز الكاتب عند الكتابة إما إلى جانب السرد (الذي يتطور) أو إلى جانب القصيدة (التي تختصر)؟
تحدث نيتشه عن حرب داخلية بين الشعر والنثر. لكنها حرب عاشقة وخصبة، تتغذى أيضا بحماستها، منذ دانتي على الأقل، على حلم كتابة متفوقة وأندروجينية، من شأنها أن تحقق ما سماه أوكتافيو باز «زواج الامتداد والكثافة». وبهذه الطريقة يمكن الجمع بين الفضائل المحددة للرواية والشعر: فضائل القصة التي تكشف مسارها بشكل كبير نحو الخاتمة، وفضائل الشعر، أي الأشكال التي تتكثف وتتقطع وتتشظى وتتشابك وتعود وتتصادى. مع ذلك، يتمسك بودلير بالشكل المختصر لقصيدة النثر (قصيدة النثر الصغيرة). إذا أردنا حقا المزاوجة بين الامتداد والكثافة، فيجب علينا أن نجمع ونحول كثافة الشعر إلى شكل أطول، كالقصص أو الروايات. يجب أن تكون الرواية «شعرا بكل معنى الكلمة» كما طالب بذلك نوفاليس.
نظّر الرومانسيون الألمان للطرق التي توصلنا لشكل ثالث بين الشعر والرواية، حيث كثافة البيت الشعري يمكنها أن تتزاوج وتلتئم مع الامتداد السردي. لقد رأوا في رواية Poikilos هذه الكلمة اليونانية التي تعني مختلطا غير متجانس بمعنى رواية المختلط غير المتجانس) احتمالية تمديد أو ارتقاء الشعر إلى النثر، كما قال نوفاليس (أي للشكل الطويل في النثر). لتشتمل الرواية أيضا على الشكل الأعلى للشعر
لكن، باعتبار الرواية الشكل المتكامل والأعلى، حيث يتحقق الشعر كليا، ولأنها تعتمد التركيب، فهي تضم جميع الأنواع الأدبية. يضع فريدريش شليغل التعريف التالي: «إن فكرة الرواية الرومانسية، كما أسسها بوكاتشي وثيرفانتيس، هي فكرة كتاب رومانسي، وتركيب رومانسي، حيث تمتزج وتتشابك جميع الأشكال وجميع الأنواع. يشكل النثر الكتلة الرئيسية في الرواية، التي تعد الأكثر تنوعا من أي جنس تم وضعه من طرف القدماء، بالإضافة إلى الأجزاء التاريخية والبلاغية والحوارية وجميع الأساليب البديلة، فهي متقنة ومعتمدة على الطريقة الأكثر براعة والأكثر اصطناعية، فهناك القصائد من جميع الأنواع، والكلمات، والملاحم، والتعليم، منتشرة في جميع أنحاء العمل، كما أن هناك الغلو في المحسنات، والتنوع الغزير للأنواع المركب بأغنى وأروع طريقة.
أن يتحول الأدب إلى موسيقى، حيث يكون النص قابلاً للكتابة أكثر من كونه قابلاً للقراءة. نجد تعريفا جميلا لهذا النموذج ذي الأصل الرومانسي عند نوفاليس. يكتب: «يمكننا أن نتخيل قصصا بلا تسلسل، لكنها مع ذلك مرتبطة ببعضها بعضا، مثل الأحلام، والقصائد، تصدح بكلمات ساحرة، لكنها خالية من المعنى والتماسك، لا يفهم منها سوى بضعة مقاطع، مثل أجزاء من الأشياء الأكثر تنوعا. وهذا الشعر الحقيقي يمكن أن يكون له معنى استعاري عام، وفعل غير مباشر كالموسيقى. لأنه إذا كانت خاصية الشعر، كما يشير ج. ل. نانسي، هي التأكيد على الأشكال وإنتاجها، وتفضيل «الفعل» بدلاً من «القول» والابتكار العرضي بدلاً من اختراع الحبكات، فإن ذلك ليس محظوراً. أن تحلم بشكل كبير أو ثالث يعكس القصة والسرد، دون إهمال الأوزان؛ التي من شأنها أن تدمج الشعر، وعلى نطاق أوسع، الأشكال المحددة للشعر (الأبيات، الفراغات، المسافات، الأدوات النصية المختلفة…) في شكل سردي مفتوح على اضطراب السرد «الخادع» الذي يمكنه أن يمزج بين الشكل الروائي والقصيدة الطويلة.
إن البيت الشعري له سلطة مثالية، تصورية، تأملية، بينما النثر هو الذي يروج للفكر في الرواية، أيا كان شكله (مونولوج داخلي أو تطورات تحليلية). القصيدة، مكثفة جدا بحيث لا يمكنها «اتخاذ محتوى روحي مهم». بينما «يستطيع النثر القيام بذلك». مخترقا بإيقاعات الشعر.
لأنه إذا كان هناك، شكل معين من التفكير يرتبط بالشعر، بإبهاره، وإلقائه (وبالتالي فإن القصيدة تنطلق دائما بشكل أو بآخر من هذه الكتابة البرابولية التي يتحدث عنها ميشيل ديغي، تلك التي يعانق فيها السرد الشعر، كتابة مكثفة تمنح مادة للحلم وللفكر، نثر شعري وشعر منثور مرن ومتنافر بما يكفي للتكيف مع حركات الروح وتموجات الأحلام وهزات الوعي ويقظة الفكر.
كاتبة ومترجمة من المغرب
فقط نصف كلمة تحت ظل هد ا الموضوع الفني التحليلي ان صح التعبير لكن ادا سمحتم لنا شكرا لكم وكدالك الكاتبة المحترمة رجاء ا لطا لبي الكتابة جهد كبير لا يمكن الوصول لسر من أسرار الشعر مهما حاولنا عجيب أمره والله دكي جد ا جد ا يعرف كيف يتعامل مع هد ا وداك وتلك .