محمد بن سلمان في الجزائر

حجم الخط
7

لسنا في حاجة إلى ذكاء كبير لاكتشاف أن الهدف الرئيس لهذه الزيارة، التي يقوم بها ولي العهد السعودي إلى الخارج، منذ مقتل جمال خاشقجي الشنيع، هو إقناع المواطن السعودي وأبناء عائلة آل سعود تحديدا، أن الرجل ما زال مقبولا دوليا، وبالتالي لا حاجة إلى البحث عن بديل له بعد الاضطراب السياسي الكبير الذي تسبب فيه سعوديا، خليجيا ودوليا. فالزيارة إذن تطمين للداخل السعودي الشعبي والرسمي، بأن ولي العهد لم يُنبذ بعد ولايزال قابل للاستعمال دوليا.
بن سلمان الذي يتوقع أن يزور الجزائر ضمن جولته العربية هذه التي اختار لها دولا يعتقد أن العلاقات معها محكومة بمنطق “الرز السعودي”، حسب التعبير الشهير للرئيس المصري، فقد اختار ولي العهد، تونس وموريتانيا ومصر، زيادة بالطبع على حلفائه الخليجيين، على غرار الإمارات العربية والبحرين. الغريب أن هذه الجولة لا تضم المغرب الذي تربطه علاقات قوية بالسعودية، فهل ساءت العلاقات السعودية المغربية إلى هذا الحد؟ أم أنها زيارة مؤجلة فقط، وقد تحصل في أي وقت، وأن المطلوب من المغرب أكثر، من قبول زيارة الأمير والترحيب به.
في المقابل ما أثار انتباهي فعلا هو ضم الجزائر إلى هذه القائمة من الدول التي قرر ولي العهد زيارتها في أول احتكاك له مع العالم الخارجي، بعد الهزة التي أثارها اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، رغم أنه يعرف أن المطبخ الجزائري خال من الرز تقريبا! وهو ما يستدعي العودة بنا إلى الحديث عن العلاقات الجزائرية السعودية وما ميزها تاريخيا من صعود ونزول وما عاشتها من هزات وهواجس، لم يتم التعبير عنها علنا دائما، وبقيت غالبا في دهاليز الدبلوماسية والاتصالات السرية بين القيادات السياسية للبلدين. تاريخ العلاقات الجزائرية السعودية يخبرنا أن احتكاكات كثيرة حصلت بين البلدين في عدة ملفات ساخنة. بعد أن رفضت الجزائر فكرة “الزعامة السعودية” كقوة ناعمة حاولت فرض نفسها، بعد انهيار معسكر الصمود والتصدي. الجزائر التي عبرت عن استقلال دبلوماسيتها، قبل انطلاق الصراع مع إيران في بداية الثمانينيات. هي التي حافظت على علاقات متميزة عربيا مع إيران، ورفضت الدخول في محاور ضدها، سواء تعلق الأمر بلبنان وملف حزب الله، أو ما يحصل في اليمن من عدوان سافر على شعبه الفقير، أو ما حصل قبلها من حرب مع العراق التي حاولت أثناءها الجزائر التوسط بين البلدين لغاية وفاة وزير خارجيتها بصاروخ عراقي، كما شهد بذلك أخيرا خالد نزار وزير الدفاع خلال تلك الفترة.
موقف جزائري سياسي ودبلوماسي من إيران يمكن فهمه بالعودة إلى الخلفية التاريخية والدينية التي تؤطر الدبلوماسية الجزائرية، وهي تقوم بقراءة سياسية للتغيير الحاصل في إيران، بعد القضاء على حكم الشاه، باعتباره حالة صعود شعبي، ولم تتعامل معها كحالة مذهبية شيعية أو عرقية فارسية، معادية لمحيطها العربي بالضرورة، ما جنبها السقوط في معاداة التجربة الإيرانية التي كانت وما زالت ترى فيها دعما للمواقف العربية والعالمثالثية عندما يتعلق الأمر بسوق النفط الدولية، أو قضايا دولية وعربية أخرى، وهو ما يؤدي بنا إلى الحديث عن الملف الأول الذي تحتك عنده العلاقات السعودية الجزائرية، وأعني بذلك ملف أسعار النفط، التي حاولت فيه الجزائر ونجحت إلى حد ما في تقريب وجهات النظر بين المنتجين الأساسيين أكثر من مرة، عن طريق لعب دور الوسيط بين إيران والسعودية والكثير من الدول الأخرى، التي تملك معها الجزائر علاقات متميزة كفنزويلا وروسيا. دفاعا عن سوق نفطية تخدم مصالح الشعوب، بدل الشركات والدول الغربية. أسعار النفط التي تتخوف الجزائر من أن تستعملها السعودية ضدها كوسيلة ضغط لابتزازها حول ملفات سياسية، عربية خاصة، وهو ما حاولت السعودية القيام به أكثر من مرة بنسب نجاح متفاوتة، للهشاشة التي تميز حالة الجزائر كمنتج صغير، يعتمد كليا على مداخيل النفط لتمويل برامجه التنموية التي تعرف الكثير من المطبات.
الملف الثاني الحاضر بقوة بين البلدين هو الملف الأمني الداخلي في الجزائر. بعد أن تبين بالشواهد التي لا يرقى إليها الشك أن السعودية لعبت لسنوات بالملف الديني الأمني داخل البلد، عن طريق دعم واضح للجماعات الإسلامية العنيفة في بداية أزمة التسعينيات، عندما تحولت قوافل “المعتمرين” من الشباب الجزائري إلى جبال أفغانستان مرورا بمراكز التدريب في باكستان التي كانت تشرف عليها المخابرات السعودية، فقد تمكنت السعودية من افتكاك حضور ديني وسياسي داخل الجزائر عن طريق بعض القوى والجماعات الدينية التي تمولها بشتى الطرق، وتدعمها بالكتاب الديني والفتوى التي تخصص في إصدارها أبناء مؤسساتها الدينية الرسمية عبر وسائط عدة، “علماء” لم يكونوا يتحرجون في تكفير جزء مهم من المجتمع الجزائري، بدءا من قيادة الجيش ونعتهم بالكفار و”أبناء فرنسا” الذين يستحقون الموت، أثناء فترة الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر بداية تسعينيات القرن الماضي. كان لابد من انتظار وصول آفة الإرهاب إلى داخل السعودية وتبعات أحداث نيويورك في 2011 حتى نشاهد ذلك التحول في الخطاب السعودي الذي عكس ابتعادا رسميا وليس “شعبيا”، عن الجماعات الإسلامية العنيفة في الجزائر، من دون أن يعني ذلك غيابا سعوديا كليا عن اللعب داخل الساحة الدينية الجزائرية. الحصان وحده أاستبدل، فبدل التيارات السلفية العنيفة والجهادية، ركبت السعودية حصانا جديدا تمثل هذه المرة في “المدخلية” والتيارات السلفية الأخرى التي انتجتها الحالة السعودية، من بداية التسعينيات وسوقتها لاحقا للعالم العربي والمنطقة المغاربية تحديدا. تيارات ما زالت حاضرة جزائريا داخل بعض الأوساط الشعبية والنخبة الجامعية الدينية، تنادي بطرح ديني موغل في سلفيته، ميزته الأساسية ولاؤه الكبير للسعودية كنظام سياسي ونمط حياة مجتمعي، لا نعرف بالضبط كيف سيتأثر بحالة الاضطراب والأزمة التي تعيشها السعودية داخليا، بعد وصول محمد بن سلمان إلى موقع ولاية العهد، وظهور شروخ جدية على النموذج الذي روجت له السعودية تاريخيا كقوة ناعمة، عبر رزها المبارك.
لهذا يمكن أن نقول إن زيارة بن سلمان للجزائر، المرفوضة شعبيا والمحرجة في توقيتها رسميا، ستتم أساسا، بهدف اتقاء شرور النظام السعودي ضد الجزائر، قبل كل شيء وهو ما تعودت القيام به الدبلوماسية الجزائرية، التي عرفت حتى الآن كيف تُحيد السعودية عن لعب أدوارها التي تعودت القيام بها، منذ أن أحست أن الساحة العربية قد خلت لها، بعدما حصل من اختلال، في موازين القوى العربية.

*كاتب جزائري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عبد الوهاب عليوات:

    أتفق مع التحلبل الجيد الذي أورده الكاتب لزبارة بن سلمان إلى الجزائر مع اختلاف بسيط يتعلق يترتبب الأولويات اذ أن موضوع النفط أراه ثانويا مقارنة بالامن الداخلي بعد اتفاق بن سلمان وبوتين وتبقى مسألة الحصص مسألة ثانوية ..
    لا بد من تحييد السعودية عن الاضرار بأمن الجزائر لكن هل يكفي لأجل ذلك استقبال ين سلمان؟؟

  2. يقول الودغيري:

    هي فرصة جيدة يجب اغتنامها في الظروف الخاصة التي تمر بها السعودية بسبب حرب اليمن وقضية خاشقجي بعد التضييق الديبلوماسي من طرف الغرب وتركيا على الخصوص فالتقرب من دول المغرب العربي فيه متنفس في ظل الخلافات الحادة مع حلفائها
    من جانب آخر أن السعودية كانت دائما في خلاف غير بارز مع الجزائر ما دفعها الى مساندة المغرب في ملف الصحراء وتبعتها في ذلك دول الخليج باعتبارها دولة رائدة ولكن هذا الموقف غير ثابت ويمكن حسب تقلبات المصالح مع المغرب وهو ما لاحظناه أثناء بروز الازمة وموقف المغرب المائل قليلا نحو قطر مما أوعز لبعض القنوات باظهار ملف الصحراء على شكل أغاض المغرب .
    اليوم الوضع قد يسير في نفس الاتجاه فزيارة الملك بن سلمان وتمديدها ليومين خلافا لكل محطاته السابقة لها عدة دلالات منها على الخصوص ادراك السعودية بان الموقف الثابت للجزائر قد تستفيد منه اقتصاديا بالاستثمار في مجالات صناعية وفلاحية ونفطية في تنافس غير ظاهر مع قطر ، وربما هذا يكون سببا آخر في تغيير موقفها من ملف الصحراء من تأييد المغرب في طرحه الى الحياد وتبني قرارات الامم المتحدوة وهذا عقابا للمغرب على عدم وقوفه الى جانب السعودية مرتين متتاليتين (قطر-خاشقجي)

  3. يقول عبد الوهاب عواسه:

    ماذا لو يعود ابو منشار إلى السعودية فيجد ان ولاية العهد قد طاف بها طائف وهو غائب، الا تكون الجزائر التي شاركت في تلميع صورته قد خسرت “الڨط والشريط” ؟

  4. يقول المغربي-المغرب.:

    رغم أن المغرب غير معني بالزيارة. …إلا أنه مااسترعى انتباهي هو لغة الخشب التي يتكلم بها كتبة العسكر. …زخم من الألفاظ والجمل. ..وصفوف من الكلمات والمماحكات التعبيرية. ..بدون مدلول أو معنى واضح…والشيء الظاهر فقط هو توهمهم بأن مثل هذه الزيارة ستجلب تأييدا للطرح الفرنكوي….!!!! ولم يدر بخلدهم أن موضوع الصحراء المغربية لم تؤثر فيه أكبر دول العالم بما فيها تلك التي يتحكم في قرارها السياسي الصهيوني بولتون حليف العسكر. ..فاحلموا ياقوم فما فاز إلا الحالمون والنوم….

  5. يقول حائر:

    بعد ان صارت تطبع أوراق على انها نقود بدون قيمة لا بأس أن تتسول الرز السعودي ولو على حساب الكرامة ، حقيقة الفقر كافر!
    من يصدق ان بلد البترول والغاز يستجدي الأمير ؟

    1. يقول عبد الوهاب عليوات:

      الثرثرة الفارغة لا يرد عليها عادة ولكني أود أن أعرف حجم الرز السعودي الذي دعم ميزانية المداويخ ذات 80 مليار دولار دين طيلة العشرين سنة الماضية لان الجزائر لا تزال تملك 75 مليار دولار احتياطي نقد .
      شفى الله قلوبكم من سواد الحقد

    2. يقول king usa:

      الرز السعودي غمر الجزائر وحولها الى موطئ قدم لآل سعود…الجزائر انكشفت عورتها الغليضة بعد أن فضحها الرز السعودي.وكشف معدنها الذي كنا نعتقد أنه معدن أصيل ……..لكن ………

اشترك في قائمتنا البريدية