محور صلاح الدين (فيلادلفيا)… تاريخه وأصل تسميته وقيمته العسكرية

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة ـ «القدس العربي»: حاولت زوجة رئيس حكومة الاحتلال سارة نتنياهو، الدفاع عن زوجها إزاء توبيخ حاد وكلمات ثاقبة صدرت عن أب إسرائيلي ثاكل (الحاخام الحنان دانينو)، فقالت، ضمن محاولة تبريرها لتعنّته في السيطرة على محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، إن هناك أنباءً عن احتمال تهريب المخطوفين عبر المحور والحدود مع سيناء إلى إيران، أو اليمن.
ولاحقاً، نفى ناطق بلسان المؤسسة الأمنية وجود مثل هذه المعلومات.
وفي الأيام الأخيرة، كشفت عدة جهات إسرائيلية أن نتنياهو رفض مقترح الجيش، قبل شهور، باحتلال محور صلاح الدين، مؤكدة أنه لا ينطوي على قيمة عسكرية عملياتية إستراتيجية.
وكرّر نتنياهو مزاعمه بأن «فيلادلفيا» “شريان أوكسجين” لـ “حماس” ينبغي قطعه، وأن السيطرة عليه تنطوي على قيمة أمنية وسياسية إستراتيجية، وربما يتضمن هذا تلميحاً لمأربه غير المعلن بالسيطرة على القطاع لسنوات طويلة، كما تشي مؤشّرات متنوّعة، ما يفسّر رفضه لإتمام صفقة، ويفضح رغبته بتحويل المخطوفين لعبء على «حماس» وعلى غزة، بالمزيد من التدمير والتهجير، كالمذبحة الأخيرة، أمس، بدلاً من كونهم ذخراً للمقاومة الفلسطينية.
ويهيمن موضوع فيلادلفيا على السجال الإسرائيلي الداخلي بشكل متصاعد، منذ حادثة قتل ستة إسرائيليين داخل نفق، بعد محاولة الاحتلال الاقتراب منهم، من بينهم ابن الحنان دانينو المذكور، فما هو هذا المحور، وما أصل تسميته، وما تاريخه وعلاقته بالجانب الإسرائيلي؟

إصرار إسرائيل على البقاء فيه يكشف نواياها لاحتلال غزة

ويوضح تقرير للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» أنه بعد 23 يومًا من بدء العملية البرية في رفح، احتل الجيش الإسرائيلي محور صلاح الدين (بالعبرية: محور فيلادلفيا، أي الحدود بين غزة ومصر).
وأعلن الجيش أنه اكتشف، حتى الآن، 20 نفقًا، وأن بعضها يمتد إلى الأراضي المصرية، بالإضافة إلى 82 فتحة أنفاق بالقرب من المحور. وفي نهاية آب/أغسطس 2024، أعلن نتنياهو، خلال جلسة الكابينت، أن إسرائيل لن تنسحب من محور صلاح الدين بأيّ شكل من الأشكال.

ما هو محور صلاح الدين؟

طبقاً لـ «مدار»، فإن محور فيلادلفيا هو الحدود التي تربط قطاع غزة مع مصر، ويبلغ طوله 14كيلومتراً، ويعود ترسيم الخط إلى عام 1906، خلال «تفاهم» بين الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا التي كانت تحكم مصر. ولم تكن هذه الحدود مكان خلاف بعد النكبة لأن قطاع غزة وقع تحت الحكم المصري في حينها، ولم تكن أيضاً مكان خلاف بعد النكسة لأن إسرائيل احتلت قطاع غزة وسيناء، لكن مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من سيناء، عام 1982، وتوقيع اتفاق سلام مع مصر، تمت إعادة تأكيد مسار الحدود، وتم ترسيم ما بات يعرف بمحور صلاح الدين، والذي ظل تحت سيطرة أمنية إسرائيلية كاملة حتى العام 2005، وهي سيطرة كانت مدعومة من قبل مجتمع استيطاني صغير يسكن معظمه في تكتل مستوطنات قطيف القريبة من الحدود المصرية.
وتسمية «محور فيلادلفي» (وليس فيلادلفيا التي هي اسم مدينة أمريكية) هي تسمية عشوائية ظهرت أول مرة في ترسيم الخرائط التي وضعها الجيش الإسرائيلي في عام 1982-1983.

حدود تقطع مدينة رفح

تقع مدينة رفح الفلسطينية على جانبي محور صلاح الدين، بنسبة 80% في الجانب الفلسطيني، و20% في الجانب المصري، لكن بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجانب المصري، العام 1982، قدم أرئيل شارون (وكان في حينه وزيراً للدفاع) اقتراحاً في اللحظة الأخيرة، بحيث يتم نقل سكان رفح الذي تبقوا على الجانب المصري إلى داخل القطاع. وبالفعل، قامت إسرائيل ببناء محور حدودي من خلال هدم مئات المنازل الفلسطينية الواقعة على المحور، وإنشاء شريط بعرض 40 مترًا، وتم بناء جدار إلكتروني، وتشييد معبر رفح.

الأنفاق والتهريب

وطبقاً للتقرير، يُعتقد أن حفر الأنفاق تحت محور صلاح الدين بدأ قبل وقت طويل من حفر الأنفاق داخل قطاع غزة، حيث كانت الأنفاق، في البداية، تهدف إلى تهريب البضائع والأسلحة، وحتى الأشخاص بين مصر وغزة، ولكن مع مرور الوقت، أصبحت تشكل جزءًا من اقتصاد سري ضخم يشمل تهريب السلع الاستهلاكية والوقود والمعدات العسكرية.
ويعود أول نفق اكتشفته إسرائيل تحت محور صلاح الدين إلى عام 1983، أي بعد بناء الحدود بفترة قصيرة، ويُعتقد أنه كان يستخدم لربط أفراد الأسر على جانبي الحدود.
ولكن خلال الانتفاضة الأولى، في عام 1990، بدأت الأنفاق تتحوّل إلى صناعة واسعة تستخدم لتهريب البضائع والأسلحة. ومع اندلاع الانتفاضة الثانية، توسّعت شبكة الأنفاق بشكل كبير، حيث بدأت عمليات الحفر تأخذ طابعًا أكثر تطورًا، بمشاركة مهندسين لتحديد أبعاد النفق والخدمات اللوجستية، بما في ذلك الناقلات الكهربائية لنقل البضائع وخطوط الاتصالات.
ويقول “مدار” إنه في البداية، كانت الأنفاق تستخدم لتهريب السلع اليومية مثل الغذاء والدواء والملابس، لكن مع مرور الوقت توسّعَ نشاط التهريب ليشمل السيارات ومواد البناء وحتى الأسلحة، التي أصبحت حيوية لحركة “حماس”.

خاصرة ضعيفة

وبحلول عام 2007، عندما سيطرت “حماس” على المعبر بعد الانقسام الفلسطيني، تحولت الأنفاق إلى “رئة” اقتصادية وعسكرية لـ “حماس”، حيث شكّلت مصدرًا رئيسًا للتمويل العسكري والاقتصادي، بما في ذلك تهريب الأسلحة الثقيلة والمتفجرات. وأصبحت الأنفاق تجارة مربحة للغاية، ما أثار منافسة وصراعات بين عشائر غزة للسيطرة على هذه التجارة المربحة.
وقد أصبح محور صلاح الدين ساحة معركة مكثفة أطلق المقاومون الفلسطينيون من خلالها مئات الصواريخ والقذائف المضادة للدبابات، وفجّروا مئات العبوات الناسفة، ونفذوا آلاف هجمات إطلاق النار على طول المحور. وفي 11 أيار/ مايو 2004، وقعت الحادثة الشهيرة عند تفجير مدرعة إسرائيلية، وفي اليوم التالي، أي 12 أيار/ مايو، انفجرت ناقلة جنود أخرى على المحور، ما أدى إلى مقتل ما مجموعه 13 جنديًا إسرائيليًا. وقد أثارت الحادثتان، وصور الجنود الإسرائيليين من المكان، ردود فعل واسعة النطاق في إسرائيل، ويعتقد أنها سرّعت من قرار الانسحاب، الذي كان مطروحًا قبل الانفجارات.
في 12 كانون/ الأول ديسمبر، قام الفلسطينيون بتفجير نفق تحت محور صلاح الدين، وأدى الانفجار إلى تدمير نقطة عسكرية إسرائيلية، ما أدى إلى مقتل خمسة جنود إسرائيليين.

معبر رفح

وكان تشغيل معبر رفح محفوفًا بالعراقيل والتوترات نتيجةً لرفض الفلسطينيين تلبية المطالب الأمنية الإسرائيلية. وتصاعدت التوترات في كانون الثاني 2006، عندما اقتحم مسلحون فلسطينيون الحدود باستخدام جرافات.
لكن في 14 حزيران/ يونيو 2007، سيطرت “حماس” كليًا على محور صلاح الدين، تلا ذلك فرض حصار على غزة.
وفي كانون الثاني 2008، فجّرت «حماس» الجدار الحدودي، ما سمح لمئات الآلاف من الفلسطينيين بالعبور إلى مصر، وهي حالة لم تستمر طويلاً.

أهمية المحور

«نحن الآن موجودون على طول محور فيلادلفيا… معبر رفح أصبح في أيدينا. رأيناه مهجورًا متروكًا، وهو الآن تحت السيطرة المطلقة للجيش الإسرائيلي. نحن نتواجد في المكان الأكثر أهمية في الحرب… إنه هنا، هذا المثلث الذي يربط إسرائيل مع غزة مع مصر، هذا هو لبّ الموضوع”.. بهذه الكلمات افتتح المراسل العسكري للقناة 14 فيلمًا وثائقيًا عن احتلال مدينة رفح، والسيطرة على محور صلاح الدين.
ويوضح “مدار” أن بقاء إسرائيل في محور صلاح الدين، وإصرار طيف واسع من أعضاء الكابينت الإسرائيلي على البقاء في المحور، حتى على حساب تقدّم المفاوضات مع حركة “حماس”، هو مؤشر إلى إمكانية عودة الاحتلال العسكري إلى القطاع.
ويضيف: “للتذكير، عندما اقترح شارون خطة الانسحاب من قطاع غزة، كان معارضًا لانسحاب الجيش الإسرائيلي من حدود مصر– غزة (محور صلاح الدين). لكن المستشارين القانونيين للحكومة أصرّوا على الأمر، لأنه بدون الانسحاب من هذا المحور لا تستطيع إسرائيل “تسويق” مسألة انسحاب الاحتلال من القطاع أمام المجتمع الدولي.
ويختتم بالقول إن عودة إسرائيل إلى المحور في العام 2024، ونيّتها الاحتفاظ بتواجدها العسكري هناك، يعنيان وجود جيش محتل في قطاع غزة، وبهذا تسيطر إسرائيل على كل حدود فلسطين التاريخية مرة أخرى، بعد أن ظل محور صلاح الدين خارج سيطرتها ما بين 2007-2023.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية