مديرة الوثائق الملكية في المغرب تثير مجدداً مشكلة الحدود مع الجزائر بطرح قضية «الصحراء الشرقية»

الطاهر الطويل
حجم الخط
52

الرباط ـ «القدس العربي» : بالتزامن مع التقارب الحاصل هذه الأيام بين الرباط وباريس، اختارت مديرة الوثائق الملكية في المغرب، بهيجة سيمو، العودة مجدداً إلى إثارة مشكلة الحدود مع الجزائر، من خلال الحديث عن “أحقية” السيادة المغربية في ما يسمى بـ “الصحراء الشرقية”، والمقصود بها مناطق تندوف وأدرار وبشار، الغنية بالمعادن.
وسبب ربط هذا الموضوع بحدث عودة المياه إلى مجاريها بين قصر “الإليزيه” والمغرب، راجع لكون هذا الأخير يعتبر أن فرنسا هي التي “اقتطعت” ـ بحسبه ـ “الصحراء الشرقية” من أراضيه وأدرجتها ضمن التراب الجزائري خلال فترة الاستعمار.
ومن ثم، يبدو أن طرح موضوع “الصحراء الشرقية” يعدّ بمثابة ورقة ضغط على فرنسا، التي لم تعد علاقتها على ما يرام مع قصر “المرادية” في الجزائر؛ وذلك من أجل تحقيق المكسب الأساس، والمتمثل في اعتراف صريح من لدن باريس بالسيادة المغربية الكاملة على الصحراء الغربية؛ ما دام القصر الملكي يريد من شركائه التقليديين وحتى الجدد “الوضوح” في التعامل مع ملف الصحراء الذي يعدّه “النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، والمعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات”.
ومن جهة أخرى، تأتي تصريحات المسؤولة المغربية بعد أيام من احتضان الجزائر لما سمّي الإعلان عن “تأسيس جمهورية الريف”، في سياق الحرب الإعلامية المستعرة بين البلدين الجارين، على خلفية نزاع الصحراء الغربية، إذ يتهم المغرب الجزائر بدعم جبهة “البوليساريو” التي تطالب بالاستقلال.
التصريحات التي أطلقتها المؤرخة بهيجة سيمو خلال محاضرة في الرباط، خلّفت نقاشات وردود فعل في شبكات التواصل الاجتماعي، إذ قالت إنها تتوفر على وثائق تؤكد أن المغرب لم يتوان قط في الدفاع عن حدوده الشرقية التي امتلكها منذ القرن 17 إلى غاية وصول الاستعمار الفرنسي في 1912. وأوضحت أنه “منذ حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، وفي نيسان/أبريل من السنة نفسها وكذلك سنة 1957، حاولت فرنسا الدخول في مباحثات مع المغرب لحل مشكلة حدود الصحراء الشرقية، عبر سفير باريس آنذاك في الرباط، ألكسندر بارودي، الذي أصر على لقاء الحكومة المغربية، واقترح عليها حلاً للمشكلة. وأشار إلى أن من بين القضايا التي يتعين حلها منطقة تندوف.
وبحسب مديرة الوثائق الملكية، فإن فرنسا كانت تنوي إعادة تندوف إلى المملكة المغربية، غير أن العاهل الراحل محمد الخامس رفض هذا الاقتراح من منطلق أن القرار سيكون بمثابة طعنة في ظهر المقاتلين الجزائريين، ومن ثم فضّل ملك المغرب انتظار استقلال الجزائر لحل مشكلة الحدود هذه مع “الأشقاء الجزائريين”. وعلّقت بهيجة سيمو على ذلك بالقول إن هذا الموقف “يعكس المبادئ النبيلة القائمة على احترام حسن الجوار والأخوة في الإسلام وصلة الدم بين القبائل المغربية والجزائرية”.
وتفيد مصادر أن فرنسا كانت عرضت على المغرب استعادة بسط سيطرته على المناطق التي يطالب بها، شريطة تأسيس شركة فرنسية مغربية لاستغلال الموارد المنجمية المكتشفة حديثاً في الصحراء ووقف دعم الثورة الجزائرية، لكن العاهل محمد الخامس رفض العرض الفرنسي، مؤكداً أن المشكل الحدودي سيحلّ مع السلطات الجزائرية بعد استقلال الجزائر عن فرنسا.
وبعده، وقّع الملك الحسن الثاني سنة 1961 اتفاقاً مع رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية فرحات عباس، يعترف بوجود مشكل حدودي بين البلدين، وينصّ على ضرورة بدء المفاوضات لإيجاد حلّ مباشرة عقب استقلال الجزائر. وبعد عام من هذا الاستقلال (سنة 1962)، وما شهدته الحدود من مناوشات، نشبت “حرب الرمال” بين البلدين في تشرين الأول/أكتوبر 1963 بسبب المشكلات الحدودية نفسها. واستمرت الحرب أياماً معدودة قبل أن تتوقف نتيجة وساطة بادرت بها كل من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، لكن قضية الحدود ظلت قائمة، ولم تنهها المعاهدة الموقعة بين المغرب والجزائر سنة 1972. وزاد نزاع الصحراء الغربية من حدة المشكلات بين البلدين الجارين، خاصة بعد تنظيم المغرب لما أطلق عليه “المسيرة الخضراء” سنة 1975، لتحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني. وبلغ الصراع ذروته بعد تفجيرات شهدها أحد الفنادق في مراكش سنة 1994، حيث وجهت أصابع الاتهام إلى مسلحين جزائريين؛ ما دعا الرباط لفرض التأشيرة على جيرانها، وردّت عليه الجزائر بإغلاق الحدود البرية مع المغرب.
والواقع أنه ليست هذه المرة الأولى التي يثار فيها موضوع “الصحراء الشرقية”، فقد سبق للمؤرخة نفسها بهيجة سيمو، أن طرحته في محاضرة احتضنها مقر وكالة الأنباء المغربية، العام الماضي. ووصل السجال إلى ذروته حين انتقل إلى صفحات المجلة المغربية “ماروك إيبدو” الناطقة بالفرنسية، التي نشرت في آذار/مارس 2023 خريطة للمغرب شملت مناطق واسعة من الجنوب الغربي للجزائر. وجاء في المجلة أن المشكلة الحقيقية بين الطرفين هي هنا، أي في الصحراء الشرقية، محور الخلاف المغربي الجزائري. وبحسبها، فإن فرنسا هي التي اقتطعت مناطق تندوف وأدرار وبشار وأعطتها للجزائر؛ واعتبرت المجلة أن هذه الأخيرة تثير دائماً مسألة الصحراء الغربية للتغطية على قضية الصحراء الشرقية. الرد الجزائري جاء سريعاً، فتحت عنوان “الويل لمن تمتد يده لذرة تراب مسقية بدماء الشهداء”، كتبت وكالة الأنباء الجزائرية أن “المخزن المغربي أوعز لبعض وسائل إعلامه المقربة من القصر الملكي نشر ملف دعائي يفتقد لأية احترافية إعلامية يعكس الأطماع التوسعية المغربية، بضم أجزاء من التراب الوطني المستقي بدماء الشهداء”. كما انتقد رئيس المجلس الشعبي الجزائري، إبراهيم بوغالي، تصريحات المسؤولة المغربية بهيجة سيمو، واتهم الرباط بـ “التشويش” على الجزائر، وقال إن الجيش الجزائري مستعد “للدفاع عن حدودنا وبسط السكينة والطمأنينة في ربوع البلاد”، وفق تعبيره. وكانت الجزائر قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في آب/أغسطس 2021، متهمة الرباط بـ “أعمال عدائية”، وهو قرار اعتبرته المملكة “غير مبرر إطلاقاً”. وأوقفت الجزائر تدفق الغاز عبر أنابيب إلى إسبانيا كانت تمر عبر الأراضي المغربية في شمال البلاد. وفي وقت لاحق، منعت الطائرات المغربية من عبور المجال الجوي الجزائري. وتصاعدت حدة التوتر بين البلدين وسط تراشق إعلامي وحرب كلامية، لدرجة أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، صرح بأن القطيعة بين البلدين “وصلت إلى نقطة اللاعودة”، وبلغ التوتر حدته بعد إعلان الرباط استئناف علاقاتها مع إسرائيل في 10 كانون الأول/ديسمبر 2020.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الحنفي السبتي فؤاد:

    أحيي هذه السيدة على اثارة هذآ الموضوع الذي يستحق ان يناقش في هذآ الوقت بالذات مع جار السوء .لازم ان نأخذ روح المبادرة في اخد حقوقنا بالقانون الدولي وليعلم النظام الجزائر ي انا لهم بالمرصاد.

  2. يقول محمد الجزائري:

    إلى السيدة “سيمو”: الجزائر سطرت حدودها بدماء شهدائها؛ لقد سقط لتحرير الجزائر من المستدمر الفرنسي أزيد من ستة ملايين شهيد منذ دخول فرنسا للجزائر؛ عدد سكان الجزائر بقي تقريبا نفسه (حوالي 9 ملايين) منذ دخول فرنسا إلى غاية خروجها مما يدل على حجم التضحيات التي قدمها الشعب الجزائري؛ كفاح الشعب الجزائري لم ينقطع من 1830 إلى 1962؛ فبفضل ثورة نوفمبر 1954 منحت فرنسا الاستقلال لكل الشعوب الأفريقية التي كانت تحتلها بما في ذلك المغرب وتونس وموريتانيا كي تتفرغ لتصفية الثورة الجزائرية؛

    1. يقول محمد:

      إلى الأخ المسلم.
      من فضلك إبحث في النت عن خريطة المغرب في سنة 1880م وسترى مساحة الجزائر الحقيقي.

  3. يقول الهاشميى:

    الويل لمن تسول له نفسه مس ذرة تراب من ارض الجزائر….

  4. يقول عيسى:

    الكيان الصهيوني، ذراع أمريكا في الشرق الأوسط، هل أصبح له “أصابع”، يحركها متى شاء، في المغرب؟.
    الشعوب المغاربية تربطها روابط الدين واللغة والجيرة والثقافة والتقاليد، لا يفرقها شيطان، إلا شياطين الإنس مثل الكيان الصهيوني.

1 2 3 4

اشترك في قائمتنا البريدية