مدير مهرجان «إسرائيل الأخرى» أيزيك زابولكي يتحدث عن مهمة عرض صورة دولة الإحتلال وممارساتها العنصرية

حسام عاصي
حجم الخط
0

لوس أنجلوس ـ «القدس العربي»: واجه صناع الفيلم الفلسطيني «مئتا متر» انتقادات لاذعة واتهامات بالتطبيع مع إسرائيل بسبب مشاركته في مهرجان أفلام «إسرائيل الأخرى» الذي اختتم فعاليته الأسبوع الماضي في نيويورك بعرضه، مع أن مخرج الفيلم أمين نايفة لم يحضر المهرجان. لكن منتجة الفيلم، مي عودة، قالت إن المهرجان أكّد لهم أن المهرجان ليس إسرائيليا ولا يحصل على دعم منها.
لدى الاتصال بالمهرجان للتأكد من ذلك، قال مديره، أيزيك زابولكي، إنه لم يعرف عن الانتقادات التي واجهها الفيلم ولم يكن يعرف السبب وراء غياب مخرجه عن المهرجان للحديث عنه. «كان من المفروض أن يحضر لكننا لم نسمع منه، فعرضنا الفيلم بدونه وقام الممثل الفلسطيني محمد بكري بالرد عن أسئلة الجمهور.»
تأسس مهرجان أفلام «إسرائيل الأخرى» عام 2007 على يد يهود أمريكيين ليبراليين أرادوا أن يقدموا إسرائيل من منظور مغاير للطرح الإسرائيلي الرسمي المهيمن في الولايات المتحدة من خلال عرض أفلام قلما تحظى باهتمام الإعلام الأمريكي ولا تعرض في دور السينما هناك بسبب الحملات ضدها من قبل مناصري إسرائيل. أيزيك يصر على أن المهرجان إسرائيلي-فلسطيني وليس إسرائيليا. كما رفض قبول أي دعم من حكومة إسرائيل ومؤسساتها. لكن كثيرا ما يرفض مخرجون فلسطينيون المشاركة فيه بسبب اسمه.

«تسمية الفيلم كان قرارا استراتيجيا»

«تسمية الفيلم كانت قرارا استراتيجيا،» يرد أيزيك. «أردنا أن نجذب مؤيدي إسرائيل للمهرجان لكي يشاهدوا حقائق مخفية عنهم من خلال مشاهدة هذه الافلام» يقول «هؤلاء هم جمهورنا وليس الجمهور الفلسطيني. لو لم نضع كلمة إسرائيل في اسم المهرجان لما حضروا وكنا فشلنا في مشروعنا. فنحن نواجه أيضا اليمين السياسي الذين استنكروا تسميته، إسرائيل الأخرى، مصرين على أن هناك إسرائيل واحدة وحسب ولا يوجد إسرائيل أخرى.»
من أفلام المهرجان هذا العام، ركبة عهد، للإسرائيلي ناداف لبيد، الذي يقدم إسرائيل كدولة فاسدة أخلاقيا وأدبيا وثقافيا من خلال طرح قصة مخرج يحاول أن يصنع فيلما عن الناشطة الفلسطينية عهد التميمي. وفيلم آفي مغربي، السنوات الاربعة والخمسون الأولى، دليل مختصر للاحتلال العسكري، الذي يكشف عن بشاعة الاحتلال الإسرائيلي من خلال شهادات جنود شاركوا في تنفيذه. والفيلم الوثائقي Cancelled: A Reel War- Shalaal، حيث تعثر فيه مخرجته على أرشيف السينما الفلسطينية في مخازن الجيش الإسرائيلي، الذي يعتقد أنه سرقه بعد اجتياحه بيروت عام 1982.
كثيرا ما يكون طرح هذه الأفلام صادما لجمهور المهرجان وذلك لأنهم تعودوا في السينما على طرح يصبغ إسرائيل بنزاهة أخلاقية راقية يفتقر لها جيرانها العدائيون، الذين يُوصفون كقتلة أطفال وعديمي الانسانية. «ذلك لا يعني أنهم ينقلبون فورا ضد إسرائيل،» يعلق أيزيك «فكثيرا ما أواجه التهديدات والمسبات من بعض الناس بسبب ما نطرحه في المهرجان. فأعرض عليهم تذاكر مجانا وأحثهم للعودة لمشاهدة فيلم ما وللتعرف على الحقيقة من منظور آخر. بعضهم يوافق ويأتي وتتغير نظرتهم تجاه إسرائيل والفلسطينيين وفي النهاية يشكرونني على تنويرهم. والبعض الآخر يستمر بالشتائم والتهديدات.»
من المفارقات أن اتحاد الجمعيات اليهودية الأمريكية عارض بشدة قرار الكونغرس الصهيوني عام 1898 تأسيس دولة يهودية في فلسطين، وصرح أن «أمريكا هي صهيوننا».
لكن كثيرا من يهود أمريكا صاروا يتعاطفون مع الفكر الصهيوني بعد المحرقة التي ارتبكت ضدهم في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية وتأسيس دولة إسرائيل عام 1948 على أرض فلسطين بعد تهجير سكانها.
وعندما انتصرت إسرائيل على الجيوش العربية عام 1967 شعر اليهود أنها أعادت مجدهم، وهذا ما حصل مع أيزيك الذي يقول «أنا أيضا كنت من هؤلاء الذين سُحروا بقوة إسرائيل وببسالة جنودها وتأثرت كثيرا من نهج التعليم الصهيوني،» ويضيف «الجيش الإسرائيلي تحوّل إلى أسطورة في أعين الأمريكيين ومصدر فخر لكل اليهود، الذين كانوا يسافرون هناك ويشاهدون الأمور من منظور الجنود الإسرائيليين ويتجاهلون تماما الجانب الفلسطيني.»
لكن تلك الرحلات إلى إسرائيل كشفت لبعض اليهود الليبراليين أيضا عن جانب مظلم لها ولجيشها وتحديدا التمييز العنصري ضد الفلسطينيين والاحتلال العسكري للضفة الغربية وغزة، ما دفعهم إلى التشكيك في مثاليتها الأخلاقية، التي كانت تروج لها في الولايات المتحدة، وصاروا يرون جيشها كمحتل قمعي يضهد شعبا آخرا ويناشدون الحكومة الأمريكية بالتوقف عن منحه الدعم السنوي، الذي يصل قدره 3.5 مليار دولار.
وإلى وقت قريب كان انتقاد إسرائيل يعتبر من المحرمات في الولايات المتحدة، لهذا نجحت اللوبيات المؤيدة لإسرائيل ذات النفوذ الخارق في الولايات المتحدة بإخماد أصوات الليبراليين. «هم يدّعون أن إسرائيل بحاجة لجيش قوي للدفاع عن الإسرائيليين واليهود وللحيلولة دون حدوث ما حدث في المحرقة وأن إسرائيل هي حصن الشعب اليهودي. لكن ذلك لا يبرر اضطهاد شعب آخر. وتنكيل الجيش الإسرائيلي بالفلسطينيين غير مقبول،» يعلق أيزيك.
وعندما رد أيزيك وزملاؤه الليبراليين بتأسيس مهرجان أفلام «إسرائيل الأخرى» عام 2007، واجهوا حملة شرسة ضدهم من قبل مناصري إسرائيل وتعرضوا للتهديد مع أنهم عرضوا أفلاما عن الأقلية الفلسطينية في داخل إسرائيل، تسبر التمييز العنصري وحسب، ولم يتطرقوا للاحتلال في الضفة وغزة، حيث ينتهك الجيش حقوق الانسان الفلسطيني.
«لم نتمكن حتى من تسميتهم فلسطينيين،» يقول أيزيك «لأن كلمة فلسطيني آنذاك كانت تستفز الكثير من اليهود الأمريكيين. فكان علينا أن نسمي الفلسطينيين مواطنين عرب في إسرائيل لكي لا نزعج الجمهور اليهودي. لكن هذا الأيام، نستخدم كلمة فلسطيني في ترويجنا للمهرجان بفخر لأن اليهود صاروا أكثر تفهما للواقع ومعرفة بالحقائق وتعاطفا مع الفلسطينيين وانتقادا لإسرائيل.»
فعلا في الاعوام الأخيرة صار يهود أمريكيون بارزون ينتقدون إسرائيل على الملأ، مثل المرشح الرئاسي بيرني ساندرس، الذي كان أول مرشح رئاسي أمريكي يسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي وانتقد بشدة انتهاكات إسرائيل لحقوقهم واصفا حكومتها بالعنصرية. بينما استنكرت النجمة الهوليوودية نتالي بورتمان قانون القومية اليهودية، الذي سنته الحكومة الإسرائيلية عام 2018، في لقاء لـ»القدس العربي» ووصفته بالعنصري ووعدت بالترويج لإلغائه، وسخر نجم آخر وهو الكاتب والمخرج والممثل الكوميدي سيث روغان من تعليمه الصهيوني في المدارس اليهودية، حيث قال في حوار إذاعي إن «كل ما غذوني به من معلومات عن إسرائيل كان كذبا ولم يخبروني بأنها كانت تضطهد شعبا آخر.»

سياسة الدولة العبرية

وفي الصيف الماضي، بعد حرب غزة الاخيرة، نشر تسعون طالبا من عشرين كلية يهودية وثيقة انتقدوا فيها بشدة سياسة الدولة العبرية تجاه الفلسطينيين واصفينها بأنها لا تعكس القيم اليهودية وناشدوا اليهود والحكومة الأمريكية التوقف عن تقديم الدعم لها. وتساءلوا: كم من الفلسطينيين عليهم أن يخسروا حياتهم، وبيوتهم وأراضيهم ومدارسهم حتى ندرك أن غاية إسرائيل هي طردهم من بلادهم واستعمارها إلى الأبد؟
«هذا التذمر بين يهود أمريكا كان موجودا منذ زمن بعيد، لكن لم يتجرأوا على الحديث عنه علنا إلى أن ظهر دونالد ترامب،» يقول أيزيك.
تأييد الحكومة الإسرائيلية لترامب وارتباط رئيسها آنذك بينيامين نتنياهو بعلاقة وطيدة معه، خلق فجوة بينها وبين غالبية يهود أمريكا، الذين عادة ينتسبون للحزب الديمقراطي المعادي للرئيس الجمهوري ويناصرون الحركات المناهضة للعنصرية مثل حياة السود مهمة. فانتهز اليهود الليبراليون الفرصة لانتقاد سياسات إسرائيل علنا ونجحوا في استقطاب تأييد الاجيال الجديدة من اليهود لهم.
«هذه الايام أصبحنا التيار الدارج لأن التيار الرئيسي أنتقل إلى يسارنا» يضحك أيزيك.
إذا مهرجان «إسرائيل الآخر» بين المطرقة والسندان. من جهة يتهمه مؤيدو إسرائيل بتشويه سمعتها ومن جهة أخرى يعتبره الفلسطينيون إسرائيلياً. بغض النظر عن هويته فهو منصة صغيرة مقارنة بالمنصات الضخمة، مثل هوليوود والإعلام الأمريكي، الذي ما زال يطرح الأحداث من المنظور الإسرائيلي الرسمي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية