مدينة صويلح الأردنية: مثلث اختلاط المكونات

بسام البدارين
حجم الخط
6

عمان ـ «القدس العربي»:لعل مدينة صويلح التي تعتبر من المدن والبلدات الصغيرة عموما، الوحيدة بين شقيقاتها في الأردن التي أطلق عليها إسم شخص واحد فقط كان يتجول بين أحياء هذه المدينة وبعض جبالها ويتميز فيما يبدو حسب الرواية التاريخية بالاستقبال الدافئ للمهاجرين إلى الأردن وفي المنطقة الجبلية قرب عمان العاصمة.
صويلح بامتياز هي أول بلدة تشكلت على هيئة مدينة صغيرة في بدايات القرن الماضي على الطريق البري بين عمان والقدس غربي مركز العاصمة عمان.
كانت صويلح عبارة عن محطة للمهاجرين حصرا من أبناء الشريحة الشيشانية والشركسية، حيث هم مهاجرون قبل تأسيس المملكة والإمارة من بلاد القوقاز ومن الشيشان المسلمين، كانوا يحطون الرحال عبر الأردن إما لأسباب أداء فريضة الحج برا أو بحثا عن الاستقرار والأمن. بين المهاجرين أيضا أرمن وتركمان أحضرتهم الحامية التركية للمنطقة.
استقطبت صويلح الرعيل الأول من أجداد المهاجرين الشيشان والشركس وتحولت إلى مقر لوجستي بسبب جبالها الصغيرة وسفوحها المخضرة، قبل تحولها إلى مدينة اختصت وعرفت بالمجتمع الأردني الشيشاني، حيث حضر الأجداد الأوائل وأقاموا مجتمعا صغيرا في منطقة صويلح وتآلفوا وتحابوا مع أهل القبائل في منطقة البلقاء والسلط المجاورة قبل أن تساهم مهاراتهم في الحرف والزراعة والفروسية في تشكيل إطار مكاني قائم على تبادل المنفعة مع أبناء القرى والعشائر المجاورين.

صويلح والشيشان

لاحقا بدأ الآباء الأوائل بعد الأجداد من شيشان الأردن في التقرب من الدولة الأردنية، وحصل بعضهم على وظائف أساسية بعد تشكيل الإمارة وتشكلت طبقة من البيروقراطيين الشيشان الذين سكن أباؤهم مدينة صويلح، وتميز المجتمع الشيشاني ببنية أخلاقية اجتماعية صلبة وبوحدة صف وتماسك وبفروسية وقدرة على فنون القتال وبعض فنون الزراعة والفلاحة.
للشيشان الأردنيين دور لا ينكر في تأسيس بنية الدولة الحديثة وقد شارك مواطنوهم من أبناء العشائر وشرائح المهاجرين في بناء تجربة الدولة ومؤسساتها.
صلابة الشيشان وقدراتهم الحرفية وبنيتهم الأخلاقية وسلوكهم الاجتماعي المحافظ لفتت مبكرا أنظار المجتمعات المحلية في محيطهم فتشكلت أواصر اجتماعية وأخرى حرفية ومهنية وعلاقات متماسكة أعادت إنتاج هوية المنطقة والمكان في بلدة صويلح.
تأسست برأي الباحث وليد كردي الذي تحدثت معه «القدس العربي» لتلك المدينة الجبلية الصغيرة التي تسمى صويلح ملامح هوية خاصة بها، حيث لعبت لوجستيا دورا نشطا وحيويا على شبكة المواصلات البرية في غرب العاصمة عمان.

مخيم البقعة

يحاجج ابن مدينة صويلح والمولود فيها الناشط فادي كمال بأن بلدته المميزة قد تشكل أساسا مركزيا في التواصل الاجتماعي بين مكونات المجتمع الأردني بسبب حضورها الجغرافي في منتصف الشوارع الرئيسية التي تصل بين عدة محافظات.
يقول كمال: إذا أردت زيارة أقاربك في مخيم البقعة أو الهبوط إلى الأغوار أو حضور عرس في مدينة السلط أو القيام بواجب العزاء في مدينتي إربد وجرش شمالي المملكة فأنت حتما مضطر للعبور إلى الجهة التي تقصدها من مدينة صويلح.
ومن أراد الانتقال من العاصمة إلى مناطق الغرب أيضا ممره الجغرافي الطبيعي هو تلك البلدة الوادعة المكتظة.
لا يتعلق الأمر فقط باستقبال صويلح للمهاجرين الشيشان والشركس والقوقاز الأوائل، بل كانت محطة أساسية وفقا للكردي في استقبال مهاجرين من المكون الفلسطيني أيضا، بدلالة أن الفارق في الجغرافيا ما بين قلب المدينة وأكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في العالم وهو مخيم البقعة حصرا لا يزيد عن 7 دقائق في السيارة.
صويلح كانت منذ بدايات تأسيس المخيم محلا للتسوق والتنقل للاجئين الجدد ولا تزال حتى الوقت الحاضر المدينة الصغيرة التي تشرف على أكتاف أكبر مخيمات اللجوء الفلسطيني، مما أسس صداقات وعلاقات اجتماعية نادرة بين مكونات اللجوء الفلسطيني والبنية الشيشانية والعشائرية في المكان.
ثمة تواصل جغرافي بين مخيم البقعة الذي اقيم على سهل منخفض بعد الحرب غربي العاصمة وبين مدينة صويلح المقامة على قمة جبل ما جعلها ممرا لائقا في الجغرافيا وشبكة المواصلات للربط بين خمس محافظات أردنية على الأقل.
وما زاد من مكانة بلدة صويلح في الوجدان الشعبي الأردني عموما أنها في وسط الطريق على محور عمان السلط – القدس، فأبناء جميع الشرائح والمكونات كانوا يعبرون صويلح باتجاه السلط ثم الأغوار ثم القدس لأداء السنة المألوفة عند الأردنيين بإسم التقديس.
المقصود هنا زيارة القدس والمسجد الأقصى للحجاج القادمين برا إلى مكة والمدينة المنورة.
لذلك تبقى مدينة صويلح في الذاكرة بسبب موقعها ضمن شبكة المواصلات وتبقى في ذاكرة السائح والزائر أيضا بسبب دورها الحيوي في الوصول إلى القدس والمسجد الأقصى، خلافا لأنها تعبر عن خليط اجتماعي مكثف فيه عدة مكونات من المهاجرين وأبناء القبائل من الحريصين بدورهم على علاقات إيجابية دوما مع الشيشان واللاجئين الفلسطينيين.

من هو صويلح؟

يقول دليل المدن الأردنية التابع لوزارة السياحة إن صويلح هي إحدى مناطق الشمال الغربي للعاصمة الأردنية عمّان تتبع إداريًا لواء الجامعة بحسب تقسيم أمانة عمان الكبرى، وتعتبر من أقدم مناطق العاصمة ومن مناطقها المرتفعة نسبيًا ومن أشهر أحيائها الحيّان الشرقي والغربي، إسكان اليرموك للمهندسين، سوق صويلح، طلعة الذهب وحي الإرسال. وأغلب سكانها من الأردنيين الشيشان والشركس والفلسطينيين، ومن أوائل سكانها المهاجرين الشيشان عام 1905 وهي مدينة مشهورة تاريخيًا بينابيع وعيون الماء.
وفي الأرشيف توثيق نادر لأصل إسم المدينة الذي يعود لتسمية المنطقة لعين ماء على طريق عمّان- السلط-القدس، كان المارّة يستريحون عندها ويتزودون منها للشرب ولسقاية دوابهم. وقد استقر ساكنًا بالقرب من هذه العين شخص إسمه صالح وكانوا ينادونه بصويلح من باب التحبب والمداعبة فسميت العين بإسمه من قبل المسافرين وصارت تُطلق على كل المنطقة حول العين.
يبدو وفقا لكمال أن صويلح بقي ناشطا ويسقي اللاجئين الأوائل المياه ويساعدهم على الاستقرار وتميز بالود الشديد والضيافة والتحبب وإسمه المرجح «صالح» لكن لفظه يصبح «صويلح» من باب التحبب الاجتماعي، ويرجح أن الشخص المذكور من أبناء قبيلة بني عباد التي تقيم على واجهة الأغوار وفي محيط السلط وتعتبر من أهم القبائل الأردنية وأكثرها عددا، لكن الرواية الأخيرة لا تصادق عليها المراجع التاريخية.
وهناك بعض الروايات المتداولة تنسب التسمية لشخص يُعرف بـ «صالح الرميان» وتنسب له إنشاء القرية في العام 1824م/1240هـ، وهو أحد رجالات قبيلة العقيلات من بريدة في السعودية.

نظرة للتاريخ

تعرف المراجع التاريخية المتاحة صويلح بأنها «نقطة مرور» إلى جميع أنحاء المملكة وفلسطين. ويقول الكردي إن البلدة القديمة بقيت كممر إجباري جغرافيا لمن يرغب بالانتقال من وسط وجنوب المملكة إلى الغرب والشمال وإلى فلسطين غربي نهر الأردن والأغوار مما تطلب ضمنا إقامة منشآت مبكرة لاستقبال العابرين من بينها مطاعم ومقاهي وقطاع خدمات مؤقتة وسيارات وحافلات وشاحنات نقل.
طبيعة المدينة ودورها ووظيفتها في تسهيل إجراءات التنقل والعبور دفعت أولادها لـ«رؤية تجارية وصناعية خدماتية» فيها أسواق ومحلات تجارية وسوق أقمشة وخدمات ميكانيك. ويشير كمال إلى أن «العروس الأردنية» في النصف الأول من القرن الماضي كان يتم تجهيزها وتتسوق من المحلات الأولى التي يتم إحضار بضائعها من أسواق الشام ودمشق، مما أسس هوية تجارية لتلك البلدة الجبلية التي تحولت إلى مدينة متسعة تمارس التوسع على حساب تجمع من القرى المجاورة.
لأن صويلح منطقة متوسطة بين عدة جبهات جغرافيا وبسبب دورها الحيوي في شبكة المواصلات تميز سكانها بالود الاجتماعي وثقافة الضيافة والاستقبال وبقي للشيشان حصرا دور أساسي في البنية الحرفية الأولى وتشكلت محلات مبكرة لبيع أدوات التنظيف وتصليح السيارات وبيع الخزف ومواد البناء وأدوات الزراعة وتصليح الأدوات خلافا لأسواق بيع الذهب العريقة بسبب تزاحم العرسان.
صويلح كانت مصيفا غزير الينابيع في الصيف يستفيد منها كل من حولها من عشائر البلقاء، وخاصة عباد، والعدوان، وحلف العدوان من العشائر، ولذلك كانت مقرًا مؤقتًا صيفًا، وكانت للبعض سكنًا في المغر شتاء لشدة برودتها.
جاء في بحث منشور عن تاريخ المدينة: بسبب إقامة حامية تركية (معسكر) فيها، قريبا من عين الحمر، من جهة مدينة الفحيص، فقد كانت تلك العشائر تتخوف من توثيق مكان إقامتها لخلافها مع تلك الحامية، ولمناهضتها للأتراك بسبب عدم وجود الود بينهما ولأسباب أخرى أهمها الضريبة والتجنيد الإجباري للدولة العثمانية.
كما أنه كان هناك اتصال أكثر مع مراكز الثقل العشائري القريبة لهذه العشائر في أبو نصير، والجبيهة، وأم الدنانير، وتلاع العلي، وخلدا، ودابوق، وقرى بدر الجديدة، وماحص، والسلط، حيث كان الاتصال اجتماعيا بهذا الاتجاه، إضافة إلى توثيق المعاملات الرسمية (المختار)، في تلك المناطق.

الحامية التركية

مع ذلك بعض العشائر كانت قد سبقت الجميع والوافدين في الاستقرار المبكر بقرية الينابيع صويلح، من بينها عشائر الدلاهمة في غرب المدينة وعشائر الزبيدات في منطقة الكمالية. وفي بداية القرن العشرين بدأت تركيا في تسهيل الهجرة القوقازية للمشرق العربي لأسباب متعددة نتيجة المجازر الروسية واتفاقية أدرنة بين روسيا والدولة العثمانية.
يقول الأرشيف المنشور أيضا: كانت المناطق الإستراتيجية للسكن والإقامة التي تناسب الجميع هي المناطق القريبة من عيون الماء، فقد تم إسكان التركمان في مناطق ملاصقة للمعسكرات التركية، بصفتهم شعبا تركيا.
وفي الدرجة الثانية الشعوب القوقازية الشيشان والشراكسة والداغستان (الشراكسة من أصل واحد وشعوب مختلفة) والأرمن. وعند قدوم الشيشان إلى صويلح سكنوا مغاور في ظهر صويلح، كانت سكنا شتويا للدلاهمة، وفي الصيف على عين الماء الرئيسي في وسط صويلح، ثم الشركس وسكنوا إلى الغرب (عين صويلح) أكبر حامية تركية في البلقاء كانت في قرية الرمان وتم اسكان 10 آلاف نسمة من التركمان بجانبها في قرية الرمان التي هي لعشيرة الختالين من عباد في 1910م. ويشرح تاريخ صويلح بعض الاضطرابات الأولى قبل استقرار الهوية الاجتماعية حيث هزمت تركيا في حربها لاحقا واندمجت الحامية التركية بالرمان مع الحامية التركية بالحمر غرب صويلح ورحل معها حوالي خمسة آلاف من التركمان والبقية رحلوا إلى العراق.
في بداية سكن الشيشان شنت العشائر عليهم الكثير من الغزوات ظنا منهم انهم أتراك (عائلات الجيش التركي)، ولانهم سكنوا مغاور بعض هذه العشائر (السكن الشتوي)، وفي 1918 حين رحلت تركيا بشكل نهائي من الحمر والشام عموما رحلت معها الجالية التركمانية.

مساجد صويلح

خلافا للأسواق التجارية المبكرة ثمة معالم أساسية وبعضها إسلامية الهوية بسبب الحامية التركية في صويلح ومن أشهرها المسجد الكبير الذي أقامه الشيشان عام 1905 ومسجد عبد الرحمن بن عوف الذي قام بتأسيسه الشيخ عبد الله عزام ومسجد ناجح خلف الذي قام بتأسيسه أبناؤه ومسجد مراد الذي كان يؤمه أبو أنس الشامي.
ولصويلح قصة مباشرة مع الشيخ عبدالله عزام القيادي البارز في حركة المجاهدين الأفغان وكانت تلك المدينة مقره الأساسي وجمع عبر مسجد أطلق عليه إسمه المئات من المقاتلين الذين عرفوا لاحقا بـ«الأفغان العرب» إنطلاقا من مقره في صويلح حيث قام بتجنيد المئات للجهاد ضد روسيا في أفغانستان بدعم من السلطات السياسية آنذاك.
وغادر إلى جبال أفغانستان العشرات إنطلاقا من القاعدة اللوجستية التي أقامها في صويلح الشيخ عزام.
لذلك أيضا بقيت صويلح تشكل جزءًا لا يتجزأ من العاصمة الأردنية عمان وتتميز بتاريخها الغني وتنوعها الثقافي والاجتماعي، وبسبب موقعها في قلب شبكة المواصلات تحولت إلى مركز حيوي في الحياة اليومية لسكان العاصمة وحتى لزوارها من بقية المحافظات. وبسبب التعدد في ثقافات سكانها تشكلت للمدينة ملامح خاصة بها ثقافيا ودينيا وتجاريا تجعلها من أكثر المدن نشاطا وحركة في السياق اليومي وبلدة قادرة فعلا ودوما كما يقول كمال على «تجاوز الهويات الفرعية».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عدنان علي الفايز /الاردن:

    المقال كان ممتع لغاية ما وصلتم لسيرة الشيخ عبدالله عزام المدعوم من السلطلة السياسية كما تقولون

  2. يقول ادهم بهجت عثمان استدر:

    بالإضافة إلى ما ذُكر، فقد كان قرار توطين المهاجرين من العشائر الشيشانية في منطقة صويلح قرارًا أمنيًا اتخذته الإدارة العثمانية آنذاك، نظراً لما كانت تشهده المنطقة من عدم استقرار أمني، إذ كانت تُعدّ معبرًا للمسافرين من مختلف الاتجاهات وكان العابرون يتعرضون فيها لهجمات قطاع الطرق.
    وقد جاء هذا القرار بمنح الأراضي للشيشان وتوطينهم في المنطقة بهدف تعزيز الأمن، وهو ما تحقق بالفعل، حيث تمكنوا من صد قطاع الطرق وجعلوا من صويلح منطقة آمنة، الأمر الذي وفر الحماية للمسافرين وعزز الاستقرار في المنطقة.

  3. يقول الجنتلمان:

    اليس من الاولى ان تدعم السلطات الحالية احفاد عبداللة عزام بتجنيد الألاف ممن يرغبون التطوع والجهاد في فلسطين، اولى من غض الطرف او دعم تجنيد نفس النظام من المجاهدين لقتال الروس انذاك؟
    من اولى بالقتال والجهاد ضد الروس ام أولاد العم؟

  4. يقول FERAS MALKAWI:

    الجهاد الافغاني ضد الروس اطلقه الامريكان .وكان بمثابه اوامر للانظمه العربيه.

  5. يقول سليمان صلاحات:

    فعلا مدينة صويلح عبارة عن همزة وصل بين جميع المناطق في الأردن الحبيب.

  6. يقول أميه اديب شيشاني:

    شكرآ عالمنشور الرائع عن مدينة صويلح مسقط راس امي. وانا إحدى قاطنيها

اشترك في قائمتنا البريدية