مراحل تطور ترامب في عقيدة اليمين الإسرائيلي: مسيحي.. خائن.. “المخلص الأكبر لليهود”

حجم الخط
0

ترامب – ملاك أم شيطان؟ يمكن الإصابة بالدوار من تجربة متابعة ردود اليمين الإسرائيلي على خطوات الرئيس الأمريكي. كان مسيحياً قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني. بعد ذلك، عندما فرض على رئيس الحكومة نتنياهو التوقيع على صفقة المخطوفين، تم وصفه بالخائن والخطير. منذ الثلاثاء، توج ترامب مرة أخرى كملاك مخلص والصديق الأكبر لليهود على مر التاريخ.
يصعب توقع خطوات ترامب، وأحياناً يصعب تفسيرها بعد أن يقوم بها. ولكن هناك عدداً من الأفكار الرئيسية المكررة: الرئيس يحب أن يفاجئ، وأحياناً بعد أن ينثر الضباب المتعمد، هو يستمتع بطرح نفسه كمن يبلور حلولاً أصيلة من خارج الصندوق لم يفكر فيها أي أحد قبله، ويهمه الحصول على المديح، وإذا كان بالإمكان أيضاً جوائز، على أفكاره وخطواته المتميزة. نتنياهو الذي يدرك كل ذلك جيداً، اهتم بتملقه بشدة عقب اللقاء بينهما أول أمس.
في المؤتمر الصحافي المشترك لهما في البيت الأبيض، ألقى ترامب عدة قنابل. فكرة تشجيع هجرة الفلسطينيين من القطاع بعد التدمير الذي تسبب به الجيش الإسرائيلي في الحرب، تم طرحها للمرة الأولى في حاشية الرئيس قبل بضعة أسابيع، لكن ترامب أضاف لها أمس طابعاً ملموساً أكثر تطرفاً. هو يؤيد إخلاء جميع الغزيين من القطاع، ويقصد أنها ستكون تذكرة باتجاه واحد، ويتوقع من دول أخرى، من بينها الدول العربية، التجند لاستيعاب المهاجرين، ويفحص إمكانية أن يأخذ الجيش الإسرائيلي على عاتقه مهمة إعادة الإعمار (هذه ربما كانت القنبلة الأكبر)، هو يعتقد أنه يمكن إقامة ريفييرا الشرق الأوسط على أنقاض غزة. من هم الذين يعتقد الرئيس أن يعيشوا هناك؟ غير واضح تماماً إذا لم يرجع الفلسطينيون إلى القطاع. في أقواله، اهتم ترامب بأن يستبعد، في الواقع ليس بشدة، إمكانية استيطان الإسرائيليين هناك مجدداً. منذ مساء أمس، بدأ البيت الأبيض بإصدار توضيحات لأقوال الرئيس. حسب الصيغة المحدثة للإدارة الأمريكية، فإن ترامب لم يقصد إرسال جنود إلى القطاع، وإخراج الفلسطينيين من القطاع سيكون بشكل مؤقت فقط.
التوقعات من اليسار وكأن ترامب سيهين نتنياهو في اللقاء الأول لهما وسيجعله يزحف على بطنه، ثبت عدم صحتها. من أقوالهما العلنية، يبدو أنهما متفقان حول أمور كثيرة، وأن ترامب يعطي وزناً لمواقف نتنياهو. وعبر الرئيس أيضاً عن دعمه لموقف رئيس الحكومة حول الحاجة لعدم تمكين حماس من السيطرة على القطاع. ولكن اليمين الإسرائيلي لا يكتفي بذلك، ويعتبرون أقوال ترامب وعداً بتحقيق حلم الترانسفير القديم.
عندما وقع إسحق رابين على اتفاق أوسلو، هناك من قالوا بأنه كان يفضل الانفصال فصل القطاع بطريقة عجيبة عن إسرائيل ويبحر غرباً، داخل البحر المتوسط (مثل شبه جزيرة أيبيريا في “الطوافة الحجرية” للكاتب البرتغالي زوسا سراماغو). الآن جاء ترامب، ويبدو أنه يتعهد لليمين بحل لإخفاء الفلسطينيين من الصورة بعصا سحرية. الانفعال كبير، مثل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في 2018، ومثل تعهد مكتب نتنياهو بـ “سيادة في اليوم الأول” (ضم المستوطنات في الضفة الغربية)، بعد طرح “صفقة القرن” في العام 2020.
لكن الحديث هنا يدور عن فكرة طموحة جداً وأخطر بكثير. أليست هذه مجرد فكرة غير ناضجة، سيتم حفظها ونسيانها مثل الأفكار الكثيرة التي مرت في الطريق القصيرة من عقل ترامب إلى فمه؟ من الجدير التذكر كيف هدد كوريا الشمالية بحرب حول مشروعها النووي في 2018. واستمر هذا حتى اللقاء بينه وبين الرئيس الكوري كيم جونغ أون، في حينه أعجب به وأعلن بحل المشكلة، وببساطة توقف عن التحدث عن الخطر النووي الذي تشكله بيونغ يانغ.
هناك أمثلة أخرى أكثر حداثة. قبل أسبوع، هدد بعدة خطوات ضد الجارتين كندا والمكسيك. في هذه الأثناء، اتخذت حكومات هذه الدول خطوات حسن نية بسيطة لإرضاء الرئيس، وتفعيل العقوبات تم تأجيله لشهر.
في الوقت الحالي، واضح أن إمكانية تشجيع الهجرة من القطاع تسليه، رغم معارضة دول الهدف الأولى، الأردن ومصر، ورغم بيان الرياض عن نية التصميم على الدفع قدما بإقامة الدولة الفلسطينية في إطار الاتفاقات والتطبيع المخطط لها مع إسرائيل. تظهر جراء استعداد ترامب لتحمل الولايات المتحدة مسؤولية مشروع إعادة الإعمار، نية لوضع جنود أمريكيين، ليس فقط مدنيون يشغلون الجرافات في قلب منطقة مواجهات، في الوقت الذي يعلن فيه ترامب عن نيته إنهاء الحروب وتقليص التدخل الأمريكي فيها، وقريباً إخلاء مئات الجنود الأمريكيين الذين بقوا في سوريا (عملية تثير القلق لدى ملك الأردن عبد الله).
في الساحة السياسية في إسرائيل لا شك بأن خطوة ترامب تقوي نتنياهو. جميع أعضاء الليكود في اليمين المتطرف يرحبون بذلك، وبدأ بن غفير يتلمس خطوات العودة إلى الحكومة. وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية مرة أخرى يسمع تأثر من نتنياهو الساحر. قبل لحظة كان يقف أمام معضلة – إما استمرار صفقة المخطوفين بضغط من ترامب، أو حل الحكومة – والآن ها هو الائتلاف يستقر ويبقى مرة أخرى، وأزيلت تهديد الانتخابات. بقي حتى الآن سؤال: هل تعهد نتنياهو لترامب بتطبيق المرحلة الثانية واستكمال الصفقة؟ نظرياً، ربما يمكنه إقناع سموتريتش وبن غفير بأن استكمال الصفقة أمر حيوي، فثمة أمور أكبر (هزيمة حماس، الترانسفير) باتت على جدول الأعمال. في المقابل، إذا كان ترامب يتحدث علناً عن إنهاء حكم حماس، فأي محفز لهذه المنظمة الإرهابية للتمسك بالصفقة؟
تصريحات وقرارات ترامب حول إيران لا تقل أهمية عن ذلك. في الحقيقة، وقع على توجيه رئاسي بشأن استئناف سياسة “الحد الأقصى من الضغط” على طهران لردعها عن مواصلة المشروع النووي، لكنه أوضح بأن التقارير عن احتمالية هجوم مشترك أمريكي – إسرائيلي في إيران مبالغ فيها. أعلن الرئيس نيته البدء في “العمل على الفور” على اتفاق نووي جديد. ونتنياهو، الذي حذر خلال سنوات من هذه الاحتمالية وسعى إلى جر الأمريكيين إلى هجوم عسكري، نراه يتساوق معه الآن.

عاموس هرئيل
هآرتس 6/2/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية