مراحل تطور صناعة الأكشن في السينما المصرية… أبطال وأفلام

قبل ظهور فريد شوقي وذيوع صيته كملك للترسو وبطل رئيسي في أفلام الأكشن، كان أنور وجدي هو المُمثل الأنسب من وجهة نظر المُنتجين والمخرجين لإقناع الجمهور بالفوز في المعارك، التي تدور عادة بين البطل وأفراد العصابة، على خلفية صراع اجتماعي، أو مالي، أو عاطفي، أو غير ذلك لإحقاق الحق وانتصار الخير على الشر.
وقد قدم أنور وجدي فتى الشاشة في أربعينيات القرن العشرين مجموعة من الأفلام التي استعرض خلالها عضلاته وقدراته الجسمانية، كبطل مُنقذ كان أبرزها فيلم «عنبر» مع ليلى مراد وفيلم «ريا وسكينة» وفيلم «الوحش» مع محمود المليجي.
وبالفعل كان البطل الوسيم مُقنعاً إلى حد كبير في تجسيد الشخصيات التي تتسم سلوكياتها وتصرفاتها بالمروءة والشهامة والشجاعة، في مواجهة الخطر والدفاع عن الحق والخير والجمال، وفق الثلاثية التقليدية التي كانت سائدة في بدايات السينما المصرية. ولم تكن تتعدى البطولات التي يحظى بها البطل في مواجهة العصابات الشريرة، الشكل المُعتاد للمشاجرات الدائرة في الحارة، التي تُستخدم فيها الهراوات والنبابيت لزوم فرض السطوة وإثبات الزعامة وإخضاع العوام من الناس لقوانين الفتوات أو البلطجية أو المعنيين بحماية الضعفاء، أياً كان نوعهم، مقابل دفع الجزية أو الضريبة أو دون مقابل، وهو ما أشار إليه الكاتب نجيب محفوظ في رواية «الحرافيش» المأخوذ عنها عدد من الأفلام كـ»التوت والنبوت والحرافيش والجوع والمُطارد».
بعد انقضاء مرحلة أنور وجدي التي استمرت لسنوات جاءت مرحلة فريد شوقي مع مطلع الستينيات، وهي المرحلة التي طال أمدها وتأسست عليها نجوميته وحصل بموجبها على الألقاب السينمائية المُستحقة له كبطل شعبي كملك الترسو ووحش الشاشة، ويُعد فيلم «بداية ونهاية» للمخرج صلاح أبو سيف هو الانطلاقة الحقيقية لفريد شوقي في هذا الدرب، حيث أجاد البطل المُكتشف حديثاً آنذاك القيام بدور البلطجي حسن أبو الروس، الذي دفعته الظروف الاجتماعية إلى إهمال التعليم والانخراط في عالم الجريمة والمجرمين، فاحترف الإجرام وارتبط نشاطه اليومي به كوسيلة غير مشروعة لجلب الرزق والإنفاق. وبالإصرار والنجاح والإجادة، بات اسم فريد شوقي علامة تجارية مُميزة في شباك التذاكر، كأهم أبطال الأكشن وأفلام الحركة في السينما المصرية، ولكي تظهر قُدراته الفائقة في الضرب والمطاردة، كان لا بد من مشاركة عناصر أخرى قوية تصلح لمواجهته ليكون لفوزه في المعارك معنى وإفادة، ولهذا اختير الفنان زكي رستم صاحب الشخصية القوية والملامح الحادة، ليكون نداً له في بعض المعارك والمشاجرات.
ومن بين الأعمال المهمة التي تقاسما فيها البطولة فيلم «رصيف نمره 5 « وفيلم «الفتوة» وهما نموذجان قويان وجليان لقدرة كل منهما على الإجادة والإتقان وبراعة الأداء النوعي المهم. وكما كان لزكي رستم مساحة واسعة ومهمة في أعمال فريد شوقي كان لمحمود المليجي وتوفيق الدقن أيضاً المساحة ذاتها، مع اختلاف في بعض التفاصيل وطبيعة المواجهات، فالمليجي والدقن كانت أدوارهما تنحصر في الوشاية وتدبير المكائد واللعب من خلف الستار ضد البطل المسالم والخير في غالبية الأدوار، على عكس أدوار زكي رستم وتحدياته المباشرة لخصمه وعدوه اللدود.
وبوعيه الفطري ورغبته في الاستمرار والتجديد لم تنته أدوار فريد شوقي عند مرحله معينة، وإنما أخذ في تطوير أدائه بشكل مكنه لفترة طويلة من الارتباط بأدواره التقليدية، فمن البلطجي والفتوة إلى المعلم ابن البلد، المُدرك لأصول الجدعنة والمُحفز على فعل الخير والمُدافع عن حقوق الضعفاء وهي الأدوار التي رسخت في ذهن المُتلقي وحلت محل أدوار الشر والفتونة التي عُرف بها في بداياته الأولى.
قبل أفول نجم فريد شوقي في هذا الجانب وابتعاده النسبي عن أدوار الشقاوة والشغب، شارك أحمد رمزي في فيلم «الأبطال» الذي قامت فكرته على الانتقام والأخذ بثأر من قُتلوا ظلماً من عائلة أحمد رمزي، وهذا الفيلم نجح نجاحاً كبيراً في دور العرض بالدرجة الأولى والثانية وحقق إيرادات غطت تكاليف الإنتاج وفاضت، بما يؤكد الربحية وفق ما سجلته مُعدلات السوق والإيرادات حينئذ.
وبعد أنور وجدي وفريد شوقي وأحمد رمزي، جاءت مرحلة عادل أدهم وهي المرحلة الأقصر، لاسيما أنه حصل في وقت متأخر على فرص البطولة المُطلقة، لكنه ترك أثراً قوياً للغاية واعتبر واحداً من أهم معلمي الشاشة وأشرارها المُقنعين، فلا يمكن إغفال دوره في فيلم «السلخانة» الذي جسد فيه شخصية المعلم نجم بكل جدارة وواقعية. وكذلك دوره في فيلم «حكمتك يارب» مع سناء جميل كجزار وتاجر جمال ومهرب مُخدرات ودور المعلم الشبلي أمام فريد شوقي ونور الشريف في فيلم «الشيطان يعظ». كل هذه الأدوار منحت عادل أدهم الفرصة ليُصبح ضمن أهم النجوم في أفلام الأكشن التقليدي قبل دخول عناصر التقنية الحديثة والذكاء الاصطناعي، الذي بات مُستخدماً اليوم بتوظيف احترافي جديد يساهم في إنجاح الفيلم شعبياً وجماهيرياً، ويُمكن الأبطال من الأداء الحركي بأقصى سرعة كما في فيلم «أولاد رزق» بأجزائه الثلاثة كنموذج للتفوق الآلي والتقني. ومن قبله كانت أفلام أحمد السقا ومحمد رمضان وعمرو سعد وأحمد عز وآسر ياسين بتصنيفاتها ونوعياتها المختلفة، «العنكبوت ومافيا والديلر وحرب أطاليا وصاحب المقام وتراب الماس وحملة فرعون والشبح وشد أجزاء وقلب الأسد وجواب اعتقال والديزل» إلى آخره، كلها أفلام صُنعت بأحدث التقنيات ولعبت فيها التكنولوجيا كل أدوار البطولة المُتصلة بالحركة والإثارة والتشويق وحصدت بفضل الذكاء الاصطناعي وخبراء صناعة المعارك ملايين الجُنيهات.

كاتب مصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية