«مرايا الروح» معرض جديد للفنان سامي أبو العزم …الحياة كقصيدة بصَرية

القاهرة ـ «القدس العربي»: في معرضه المعنون «مرايا الروح»، والمقام حالياً في غاليري (المشهد) في القاهرة، ينسج التشكيلي المصري سامي أبو العزم عالماً بصرياً يقترب كثيراً من روح الشعر، مُعبّراً من خلاله عن حالات متباينة وتحولات كثيرة يمر بها الإنسان، بداية من ميلاده، وحتى لحظة الاختفاء المُقدّرة التي تنتظره في النهاية، في نغمة غير صاخبة ومباشرة، وميلودرامية إن جاز التعبير، بل من خلال حالة درامية رصينة، تتميز بصراعها القوي الخافت، والأكثر صدقاً، بها بالفعل الكثير من الأسى، ولكنه يليق بتجربة حقيقية كتجربة الحياة.

التناغم

ينسج الفنان لوحاته من خلال رؤية تناغم كُلي للكون ـ لا نقصد حالات ومصطلحات الصوفية التي أصبحت مُستَهلكة، حيث يدور المُنتحِل والمدّعي حول نفسه ـ فالشخصية والطبيعة حية أو صامتة، وكذا الجمادات والأماكن، كلها تتواتر ليكتمل المشهد العام للمعرض ككل، حياة طويلة منذ بدايتها وحتى لحظة النهاية، أو انتظار هذه اللحظة بمعنى أدق. وبين هاتين اللحظتين تتباين الحالات.. قلق، عزلة، خوف، انتظار لا جدوى منه، وفي الأخير التسليم بالنهاية ومحاولة التعايش مع لحظاتها الأخيرة، سواء بالاستهانة بهذا العمر والابتسام الخاطف في وجه لحظات سعيدة كانت، ولكن كل هذا تتوّجه حالة من الحزن، كعادة الذكريات وضياع وقت تصحيح الأخطاء.

اللون

ووفق هذه الحالة التي يجسدها الفنان في لوحاته، وينقلها إلى المتلقي لاستشعارها، وإعادة التفكير من خلالها في ذكرياته هو، يصبح اللون بدوره مؤكداً على هذه الحالة، فلا توجد ألوان صريحة، بل دائماً ألوان مركّبة، تحمل ثقل التجربة ومدى تأثيرها في حياة أصحابها، دائماً في عمق اللوحة/المشهد لون رمادي، ودرجات باهتة من الأخضر والبني، إضافة إلى السماء الغائمة التي تظلل كل شيء، مُناخ وحيد يحكم المشهد، مهما تنوعت اللوحات وموضوعاتها، أو عناصرها تحديداً.

الشخصيات

ولكن.. كيف أمكن للفنان التعبير عن كل هذا، من خلال العنصر الأساس في اللوحة (الشخصية)؟ هنا يتآلف كل من الشيء والشخص، فلا نستغرب من وضعية امرأة فوق الشاطئ، تستلقي متداخلة على نفسها ومركب قديم طالما خاض رحلات متعددة في البحر، ولكنه الآن مثلها تماماً ـ المرأة ـ يرسو على الشاطئ، وينتظر أمام ورشة الإصلاح، أو ينتظر لحظة إعدامه ـ تفكيكه والخلاص منه ـ ليتحول المكان، ورشة الإصلاح، إلى مقبرة كبيرة لحيوات هذه المراكب، التي كانت تقابَل في الماضي بكل احتفاء وجلال. فحزن هذا الشيء يماثل تماماً حزن المرأة وحالتها، رغم جمالها، في هذه اللحظة. ومن المركب والمرأة إلى الصبّار، هذا الذي يواجه العزلة والفراغ، ويحاول جاهداً أن يبقى حياً، متفرداً بذاته في مواجهة كل ما يحيطه من قسوة، فهو بدوره يؤكد حالة الجميع، أو يجسد لحظة من لحظات هذه الرحلة الحياتية الممتدة لجميع الكائنات والمخلوقات، فالإنسان بدوره يخلق ما على شاكلته.

الذكريات

لا يميز الإنسان سوى (الذاكرة)، والتي من خلالها يعرف معنى (الحزن)، وبالتالي كيفية وجوده والتعبير عنه. وما العمل الفني إلا محاولة تدوين وتسجيل لحظات من الذكريات، مهما كانت خادعة أو تم التحايل عليها بواسطة صاحبها، وهي لعبة من ألعاب الذاكرة نفسها، إلا أن توثيقها والتعبير عنها بأي شكل كان هو الأهم. ويبدو أن معرض (مرايا الروح) هو حالة مرهفة من حالات تدوين الذكريات، بكل ما تحمله من لحظات. ففي الوقت نفسه الذي نقدسها فيه ونبتهج لوجودها، لا نجد في النهاية سوى التأسي، كمحاولة أخيرة لاستعادتها، ولو في لوحة في معرض، يُطالعها غريب لا يعرف عن صاحبها شيئاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية