ربما انشغلتُ بعينيكِ أكثرَ مُذ رأيتكِ
ربما انشغلتُ باحمرارِ خدَّيكِ أكثرَ وأكثر
مع كلّ كلمة حبّ.
لم ألتفتْ كثيرًا لأنفكِ الصّغيرِ
ولا لأصابعكِ المرتبِكةِ كسرْبِ أرواح هائمة..
صعدتْ إلى السماء فوجدتْ أبوابها مُغلَقةً
٭ ٭ ٭
حين أموتُ لن أقولَ إنني ذاهبٌ للقائكِ
سأقولُ إنني ذاهبٌ لوداعكِ
فالأبديّة التي لم تتَّسِعْ لنا هنا
لن تتَّسعَ لنا هناك
٭ ٭ ٭
سأُرتِّبُ ذاكرتي ما استطعتُ
لكي يكون لكِ المكانُ الأجملُ فيها
المكان الرّحبُ كشهقةِ سمكةٍ يعيدونها إلى الماء في اللحظة الأخيرة
وعصفورٍ مرتبكٍ بجمالِ أجنحتهٍ وهو يُحلِّق للمرّة الأولى
٭ ٭ ٭
كبرتُ أكثرَ مما يجب في غيابكِ
لم أعُد متأكّدًا من أنّ الطيورَ تعرفني
أما الخيولُ فمسألةٌ أخرى..
الخيولُ التي لم تعُد تصهل إلّا حين أتذكَّرُكِ
أما كلماتُ الحبّ فلم تعُد تعرف طريقها إلى خدَّيْ أيّ جميلةٍ أُحدِّثها
غريبٌ أيتها الغاليةُ كيف تغيَّر كلُّ شيء بعدكِ
غريبٌ كيف تحوّلت الأشياءُ كلّها إلى أطياف
ما إن اختفى أحدنا؛
الشّارعُ طيفُ شارعٍ الآن
والأنهارُ التي كنّا على يقين من أنّها موجودةٌ في مكان ما في هذا العالم
والريحُ التي خلَّفْناها وراءنا كلما عدوْنا وتركتِني أسبِقُكِ
لا لشيء، إلّا لكي تتأكّدي من أنني لم أُقتَلْ بعدْ
٭ ٭ ٭
الحبُّ طيفُ حبٍّ الآن
وأنا طيفُ شاعرٍ
وقصيدتي طيفُ قصيدةٍ لأنكِ لن تسمعيها
أما الوطن الذي حلمناه واستغبْناه
وهجوناه أحيانًا، وأحببناه أحيانًا،
فوحده الذي يدور في المكان مُردِّدًا اسمَكِ واسمي
مثل صوفيٍّ صاعدٍ إلى السّماء
نصْفهُ من تراب ونصْفهُ من نور
٭ ٭ ٭
هناك الكثيرُ من الدّم في الشّوارعِ
الكثيرُ من الصّرخاتِ تحت الرّكام
الكثيرُ من الرّكام تحت الصّرخات
والكثيرُ من نشرات الأخبار التي لا تستطيعُ أن تمرَّ بغزّةَ دون أن تراها
قد تبحث نشرةٌ منها عن مكان لم تُصِبْهُ طائرةُ الأباتشي
لتُدمِّرَهُ بخبرٍ كاذب
وقد تنظرُ نشرةٌ أخرى بعينيها النّهمتين
إلى القدم السّليمة الباقية لطفلٍ أو لطفلةٍ
وتتمنّى الظّفرَ بها قبل أعدائنا
٭ ٭ ٭
لا أعرف ما الذي يقوله لكِ العَدَمُ الآن
لكنني أحفظ ما قلتِ لي دائمًا:
احتضن البيت في مَطْلعِ القصيدةِ وقَبِّلْني في نهاياتها
٭ ٭ ٭
أيتها الغالية لو تعرفين!
هذا الصباحَ،
البيتُ الذي ابتلعتْهُ دبابةٌ أعطاكِ المطالِعَ كلَّها
لكي تعودي إليه ثانيةً
هذا الصباحَ،
كان يحاولُ التقاطَ حفنةِ الهواءِ الأخيرةِ تحت جبل الدُّخان
هذا الصباحَ،
كان ضائعًا كنافذةٍ وحيدةٍ بعدَ ليلةِ قصْف..
نافذةٍ معلقةٍ في الفراغ تهمسُ لي:
– إلى أينَ يعود الوطن حينما يقتلون كلَّ هؤلاء الناس؟
هذا الصّباح قطراتُ الدّم حطَّمت المدى وغطَّتْنا
أنا والبيت الذي ابتلعتْه دبابةٌ
والأطفالَ الذين أنجبناهم قبل أن نلتقي
والأطفالَ الذين أنجبناهم في كلِّ حديثٍ لنا عن البحر
وكلَّ طفل شهيد أحببتِ ابتسامتَهُ وهمستِ لي:
أريدُ اثنين مِثلَهُ على الأقل
أيتها الغالية لم نعُدْ مثلما كنّا
جراحُنا كثيرةٌ أجلْ
وسـماؤنا أقلُّ ارتفاعًا
ولكننا تعلَّمنا ألّا نطلبَ حريّتنا من أحد
من روائع الشاعر ابراهيم نصر الله..لا شعراء
المهجر المهجور الذين نسوا القضية..وانشغلوا
بحوار القيل والقال.
بسم الله الرحمن الرحيم
أذكّركَ بقول الشاعرة العبقرية وداد الصفدي في ركن الكاتبة غادة السمان:
*
ولَوَاعجٌ ظَهَرَتْ رِيَــــاءً فَاقِعًا / مِنْ مُضْغَةٍ هَمَجِيَّةٍ بِصَدِيدِ
مَنْ لَا لُبَـــــابَ بِرَأسِهِ نَغَلٌ وَرًى / لَا إِنْسَ فِيهِ قَدِيمِهِ وَجَدِيدِ
وبِمِبْدَأِ الغَابِ الشَّهيرِ بِمَدْحِهِ / زَيْفًا وإِفكًا مِنْ جَـدَاهُ رَدِيدِ
لَا وُدَّ في ذَاكَ الـ«عَلِيِّ» وإِنَّمَـــا / كُرْهٌ «مُعَاوِيَةً» عِـدًا بِعدِيدِ
**
قصيدة رائعة، هادئة وجارحة ومُحمّلَة بكل ما يمكن أن نُفكّر به. وكم هو مؤلم حالنا الآن
أيتها الغالية لم نعُدْ مثلما كنّا
جراحُنا كثيرةٌ أجلْ
وسـماؤنا أقلُّ ارتفاعًا
ولكننا تعلَّمنا ألّا نطلبَ حريّتنا من أحد
قصيدة فلسطينية الروح واللحم والعظم والدم والجرح والبلسم.
صدقت هكذا تعليقات ريائية لا تصدر
إلا من ممثلي الحوار اللامتمدن –
حاشا للنقيض أن يكون في المحل !
ربما انشغلتُ بعينيكِ أكثرَ مُذ رأيتكِ
ربما انشغلتُ باحمرارِ خدَّيكِ أكثرَ وأكثر
مع كلّ كلمة حبّ.
لم ألتفتْ كثيرًا لأنفكِ الصّغيرِ
.
حين أموتُ لن أقولَ إنني ذاهبٌ للقائكِ
سأقولُ إنني ذاهبٌ لوداعكِ
فالأبديّة التي لم تتَّسِعْ لنا هنا
لن تتَّسعَ لنا هناك
*
أتساءل هنا : كيف للشاعر أن يعرف
أن الأبديّة التي لم تتَّسِعْ (لهما) هنا
لن تتَّسعَ (لهما) هناك ؟؟
–
الساءلة..هذا من باب المجاز.ففي الشعر يجوز ما لايجوز في غيره.يبدو انك لا تعرفين الشعر.
القصيدة سليمة بل هي متميزة شعريا.
احسنت الشاعر احمد الشامي.قصيدة ابراهيم نصر الله صور متألقة يعجز عنها عتوف الشعر.