في كل بلاد العالم يمكن أن تحدث أزمة أو صعوبات اقتصادية، بعضها يرجع إلى أخطاء في التقدير أو فشل في السياسات الاقتصادية، وبعضها يرجع إلى عوامل موضوعية يصعب التحكم فيها، وبعضها الآخر قد يرجع إلى تدافع الإرادات واختلال موازين القوى بين إرادة الإصلاح والإرادات التي تعاكسها. في حالة المغرب، ومن المنظور الاقتصادي، وبالنظر إلى المدى الزمني القصير، يصعب الحديث عن عامل السياسات الاقتصادية، كما أن التحجج بالعوامل الموضوعية وحدها ليس كافيا للتفسير، إذ لم تصل هذه العوامل إلى درجة تضييق الخيارات المتاحة للتغلب على الأزمة الاقتصادية والخروج من عنق الزجاجة. بكل وضوح، المسألة توجد في مكان آخر غير السياسات الاقتصادية المنتهجة وغير الظرفية الاقتصادية العالمية والأزمة التي يمر منها شركاؤنا الاقتصاديون. المسألة بالتحديد تكمن في وجود إرادات تعاكس الإصلاح تستغل صعوبة الوضعية الاقتصادية، وتحاول إبطال مفعول السياسات الاقتصادية الناجعة التي تواكبها، وتستغل أوراقا كثيرة من أجل تعطيل الإصلاحات الكبرى، وأحيانا يتم توظيف الإدارة لعرقلة الإصلاحات. لكن مع هذا الوضوح في التشخيص، واعتبارا لحساسية الظرفية التي تعرف مخاضا دقيقا لا تستقر فيه موازين القوى بين إرادة الإصلاح والإرادة التي تعاكسها، فإنه يصعب اليوم التحجج بالآخر، لتبرير إجراءات قد تتخذها الحكومة ولو كانت ضرورية ولا خيار آخر غيرها لاسيما أن التضامن الحكومي لاتزال فيه بعض النتوءات التي تحتاج إلى تسوية. بعبارة واضحة، إنه إذا كان من واجب الحكومة اليوم أن تتخذ القرارات الضرورية والصعبة لتجاوز الأزمة، وإذا كانت الحكمة السياسية والنظر الاستراتيجي يفرض عليها في معركتها مع الإرادات المعاكسة للإصلاح أن تتعامل بالمنهجية التي قد تسبب لها مرحليا بعض الصعوبات، وإذا كانت جيوب مقاومة الإصلاح تنوع آليات التدافع، وتوظف العديد من الأوراق بما في ذلك اللعب بالتوازنات الحزبية، فإن المطلوب اليوم ليس أكثر من لحظة الوضوح السياسي، الذي لا يبرر فقط الاختيارات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة، ولكن يضع المواطن المغربي في الصورة الكاملة حتى تكون البوصلة واضحة، ويتضح المنطق الحكومي أكثر. صحيح، أن هذه المهمة صعبة، وستكون دائما صعبة، لأنها قد تشوش على الأبعاد الاستراتيجية في منهجية الإصلاح التراكمي، وقد تعمق بؤرة الاختلاف داخل مكونات الأغلبية، وقد يرتفع سقف الحدة السياسية، لكن هذه الاعتبارات كلها لا تمنع من التفكير في صيغة للتواصل والوضوح السياسي. إن عنوان نجاح أي تجربة للتحول الديمقراطي تكمن في القيام بالإصلاحات الكبرى ومنهجة الفعل السياسي بالحكمة المطلوبة لهزم اللوبيات المقاومة لها حتى ولو كانت جزءا من التجربة الحكومية نفسها، لكن شرط هذة المنهجة ولازمتها الأساسية هو الإنجاز أو الوضوح السياسي مع الشعب. إنه لا مشكلة في اللحظة التي يغطي فيها الإنجاز على الوضوح السياسي، لكن في اللحظة التي يقل فيها الإنجاز أو يعرقل أو تفتعل المعارك من أجل ألا يتم، فإن البديل الطبيعي هو الوضوح السياسي والتواصل مع الشعب. بكلمة، إن الوضوح السياسي، والتواصل مع الشعب هنا لا يعني أكثر من الشرح الموضوعي لأسباب الأزمة، وبيان الخيارات التي كانت متاحة، وتبرير الاختيار الذي لجأت إليه الحكومة، وبيان حساسية المرحلة وطبيعة المخاض الذي تعرفه، ورفع الخلط الذي يسود في الساحة من جراء المزايدات غير المسؤولة.