مسجد استهدفه الاحتلال في النصيرات
غزة ـ «القدس العربي»: على أنقاض مسجد مدمر جزئياً في خان يونس، ينادي المؤذن لإقامة صلاة العشاء، فيما يصطف المصلون في صفوف، يؤمهم شيخ أربعيني عذب الصوت، يقرأ في ركعتي الجهر بعض آيات من سورة البقرة، تتضمن الآية 114: (ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم).
«السلام عليكم ورحمة الله. السلام عليكم ورحمة» يُسلم الإمام الشيخ خالد عسقول معلنًا انتهاء الصلاة، ويفعل المصلون مثله، ثم يقعد على قطعة حجر من ركام المسجد، متخذًا إياها منبرًا، ليلقي موعظة في الناس.
ويؤكد الشيخ عسقول أنه «مهما فعل الاحتلال من تدمير للمساجد فلن يمنع ذلك المسلمين من الصلاة فيها حتى لو كانت ركامًا».
هنا كان المسجد المسمى على اسم الصحابي الجليل خالد بن الوليد، وسيبقى هكذا إلى قيام الساعة -إن شاء الله-، يقول الشيخ خالد، متابعاً أن المسجد تعرض لغارة جوية إسرائيلية أدت إلى هدم أجزاء كبيرة منه وتدمير بنيته التحتية من مياه وكهرباء.
ويردف خلال حديثه لـ«القدس العربي»: «ولكننا سنصلي ها هنا دون إنارة أو مكيف أو أي شيء، لن تمنعنا ممارسات الاحتلال عن الصلاة وإقامتها».
ويلفت الشيخ خالد، في درسه، إلى العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ قرابة العام، ويقول: إن «المحتل المغتصب طالت جرائمه كل شيء، المساجد والمقدسات والبيوت الآمنة والحجر والبشر والشجر، لم يبق ولم يذر، ظنًا منه أنه أراد كسر عزيمة الشعب الفلسطيني وأبناء هذا الشعب، لكنه خاب وخسئ».
ويجيب الواعظ الفلسطيني عن السؤال الرئيس: «لماذا يفعل هذا الاحتلال الإسرائيلي هذا العدوان على بيوت الله -عز وجل-؟»، بقوله: «هو يعلم يقينًا أن هذه المساجد قبلة المسلمين، فيها تُقام الشعائر، فيها تُصنع الرجال الأبطال، فيها تُسرد آيات القرآن الكريم على مجلس واحد»
ويضيف: «هذه العقيدة التي نقاتل بها هذا العدو، فالقوة قوة العقيدة والإيمان، قوة الوحدة والترابط، قوة السعي والسلاح»
ويتابع: إن «هذه القوة، قوة العقيدة والإيمان، أراد العدو أن يزيلها عن أرضنا، لكن أنّ له أن ينال من عقيدتنا وديننا وثوابتنا وسلاحنا ومقاومتنا، الأرض لنا والقدس لنا»
ويستكمل حديثه «العدو قريبًا سيندحر عن أرضنا، وسيزول، وسنحرر هذه الأرض، ونكسر القيد عن أسرانا بإذن الله -عز وجل، ويردف: «هذا ليس له مكان على أرضنا».
ويبين أن بعض الغزيين خافوا من ارتياد المساجد مع قصف الاحتلال لها، خلال الأيام الأولى لحرب السابع من أكتوبر، في ظل انشغالهم بالنزوح، ودفن موتاهم ومداواة جرحاهم، لكنهم «سرعان ما لملموا جراحهم، وضمدوا هذه الجراح، ثم أعادوا إعمار المساجد من جديد، أقاموا شعيرة الله -سبحانه وتعالى- في بيوت الله -عز وجل- حتى لو كان المسجد جزءًا منه مقصوف والجزء الآخر متبقي»».
ويشير الإمام في وزارة الأوقاف الفلسطينية إلى أن الكثير من المساجد المهدومة استأنفت حلقات تحفيظ القرآن، موضحًا أن بعض مناطق قطاع غزة، التي دُمرت فيها المساجد بالكلية، أقيمت فيها شوادر المصليات لأجل استئناف عبادة الله -سبحانه وتعالى.
ويعقب: «سنعيد بناء المساجد، وسنشيد هذا الوطن من جديد، وسينعم شعبنا وأناسنا -بإذن الله- بكل خير.. بكل خير»».
وبعد انتهاء العظة، قال شاب، يبدو من ملامحه ولباسه، أنه طالب في جامعة الأزهر، ويدعى علي الأغا، إن مسجد خالد بن الوليد، وسط خان يونس، تعرض للقصف مطلع عام 2024، عندما ألقت طائرات جيش الاحتلال منشورات، تطالب بضرورة إخلاء المنطقة المحيطة.
يضيف الشاب الفلسطيني، من سكان المنطقة المحيطة بمسجد خالد بن الوليد: بعدما أخلينا المكان بدقائق، فوجئنا بغارة جوية صهيونية تقصف المسجد، على اعتبار أنه هدف عسكري. كان القصف شديدًا لدرجة أن العديد من المنازل في محيط المسجد قد تضررت بشكل كبير»
يؤكد الشاب الأزهري أن الاحتلال يستهدف دور العبادة بوحشية وبينها المساجد، رغم أن القوانين الدولية، التي صاغها الغرب الاستعماري بعد الحرب العالمية الثانية، تُحيد دور العبادة من الاستهداف، لأن من يأتون إليها ليسوا أناسًا مسلحين، بل أشخاصًا يتوقون للعبادة والتواصل مع الله
ويوضح الشاب لـ«القدس العربي» أن مسجد خالد بن الوليد قبل استهدافه في شهر يناير 2024 لم يكن قد مضى عام على بنائه بجهود متبرعين من أهل الخير.
ويعقب: «هذا ليس حال مسجدنا فقط بل غالبية المساجد في قطاع غزة، أتى الاحتلال ودمرها».
ويرفض الشاب الأزهري استهداف المساجد، التي يتردد عليها المسلمون يوميًا، لأداء الصلوات الخمس، فضلًا عن يوم الجمعة من كل أسبوع، ليشهدوا خطبة وصلاة الجمعة، ويتفكروا ويتدبروا ويتواصلوا مع الله: «المساجد بيوت الله، تُقام فيه الصلاة، وتشهد الدروس والمواعظ الدينية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وفيها يشحذ المسلمون هممهم، ويهذبون أرواحهم، وقصفها جريمة حرب».
دمَّر 611 مسجدا بشكل كلي في قطاع غزة واقتحم الأقصى 262 مرة
وأصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، تقريرا خاصا حول انتهاكات الاحتلال على المقدسات الإسلامية والمسيحية في الفضة الغربية وقطاع غزة منذ بدء العدوان على قطاع غزة في السابع من تشرن الأول/ أكتوبر من العام الماضي.
وقالت وزارة الأوقاف في بيانها، إن الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه المستمر على قطاع غزة منذ عام دمَّر (611) مسجدا تدميرا كليا، فيما دمَّر جزئيا (214) مسجدا، ودمَّر (8) مقابر بشكل كامل، وانتهك عددا كبيرا غيرها من خلال الاعتداء عليها ونبش قبورها وإخراج الجثث، كما استهدف ودمَّر (3) كنائس في مدينة غزة.
وتابعت الوزارة: اعتدى الاحتلال على المسجد الأقصى من خلال سماحه للمستعمرين باقتحامه وتدنيس ساحاته ومصاطبه وذلك لـ(262) اقتحاما مارس خلالها المستوطنون شعائر تلمودية أصبحت تمارس بشكل يومي كالسجود الملحمي الذي بدأ القيام به منذ تاريخ 13/8/2024، ومارس هذا السجود عضو الكنيست «موشيه فيجلين لأول مرة أيضا، إضافة إلى النفخ بالبوق وارتداء ثياب الصلاة في إظهار واضح لممارستهم العبادية داخل المسجد الأقصى، وصلواتهم التلمودية الجماعية والتي تمارس في مكان محدد وفي أوقات محددة في تكريس واضح للتقسيم الزماني والمكاني، تحت إشراف وحماية شرطة الاحتلال التي تمنع بشكل دائم حراس المسجد الأقصى التابعين لدائرة الأوقاف في القدس من قيامهم بعملهم داخل ساحاته خلال هذه الاقتحامات.
كما اقتحم المتطرف بن غفير الأقصى مدعوما من حكومته اليمينية المتطرفة (6) مرات منذ توليه لمنصبه في هذه الحكومة منذ شباط من هذا العام، وأصدر عددا من التصريحات اليمينة المتطرفة والتي هدد فيها بتأسيس كنيس يهودي في المسجد الأقصى في إشارة إلى السيطرة عليه، كما عمل على تكثيف الوجود اليهودي من خلال دعمه حكومياً وإعطائه غطاء شرعيا.
فيما يتعلق بالحرم الإبراهيمي، مارست قوات الاحتلال انتهاكاتها له بشكل يومي سواء من خلال منع إقامة الأذان فيه والذي وصل منذ العدوان على قطاع غزة إلى (747) مرة تقريبا أو من خلال التضييق على المصلين المسلمين من خلال منعهم وإغلاقه (5) مرات خلال ذات الفترة. كما نصب الاحتلال ما يسمى بالشمعدان والأعلام الإسرائيلية على سطح وجدران الحرم الإبراهيمي الشّريف، وأقاموا حفلات صاخبة وصلوات تلمودية في القسم المغتصب، ومارسو الضرب على الابواب والصراخ والسّب والشّتم. كما أعاق الاحتلال احتفالات المولد النبوي داخل الحرم.
كما اعتدى الاحتلال الإسرائيلي، على (15) مسجدا في مناطق مختلفة في الضفة الغربية مع تركيز واضح على محافظتي طولكرم وجنين، إما بالتدمير الجزئي لعدد من المرافق أو من خلال تدنيسها بالسخرية من الشعائر الإسلامية.
ورصدت وزارة الأوقاف في تقريرها عددا من الاعتداءات على الأماكن المقدسة والمصلين المسيحيين حيث قامت جماعات دينية يهودية متطرفة بالاعتداء والبصق بحق المسيحيين والحجاج المسيحيين في مدينة القدس المحتلة، وتحديدا في منطقة كنيسة حبس المسيح، كما ضيَّقت عليهم خلال الأعياد المسيحية ومنعتهم من الوصول إلى كنيستي المهد والقيامة.
ودعت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية المجتمع الدولي، إلى إيقاف هذا الاحتلال عن الاستمرار بهذه الانتهاكات التي أصبحت ذات وتيرة عالية نتيجة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ فتحت غطاء التهاء العالم بهذا العدوان البشع على قطاع غزة والضفة الغربية يمارس الاحتلال اعتداءاته دون رقيب أو حسيب على مقدساتنا وعلى رأسها درَّة التاج؛ المسجد الأقصى.