مستقبل ماسبيرو: هل يُعيد العصر الرقمي روح الإعلام المصري؟

على مدار سنوات طويلة عانت قلعة ماسبيرو الإعلامية من بعض المُشكلات الحقيقية التي حالت بينها وبين اللحاق بركب الإعلام المتطور، في ظل طفرات سريعة للفضائيات المُنافسة، التي وضعت في جدول أعمالها الأساسي، حرية التعبير كمقوم أساسي للتفوق والتميز المهني، فكان لها نصيب الأسد من الانتشار والاهتمام الشعبي والجماهيري الكبيرين.
ورغم أن ماسبيرو هي المدرسة الأم التي تخرج فيها مُعظم الكوادر الإعلامية الظاهرة الآن على السطح، إلا أنها بسبب البيروقراطية والعوائق الاقتصادية تأخرت كثيراً عن منافسيها في المجال الإخباري، فدفعت المُتابعين في كل أنحاء العالم إلى التحول عن محطاتها للحصول على المعلومة السريعة والتغطية الشاملة للحدث أياً كان نوعه، وتلك كانت الأزمة التي ظهرت آثارها سريعاً على الشاشات المُتعددة للقنوات الرائدة.
إنها أزمة الثقة بين المؤسسة الإعلامية الكُبرى والعريقة، والجمهور الذي لم يُطق صبراً على احتمال التقصير لحين مجيء اللحظة الحاسمة لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، باختيار قيادة إعلامية لديها القُدرة على إحداث التغيير الجوهري في المضمون، ورؤية تُمكنها من العمل بكفاءة لمواجهة تحديات المستقبل، وزلزال التقدم التكنولوجي الآخذ في التزايد والتقنيات الرقمية التي لا حدود لتفوقها.
لقد تسلم أحمد المسلماني الرئيس الجديد للهيئة الوطنية للإعلام تركة عظيمة القيمة، لكنها أنهكت بفعل الإهمال وتراجع تأثيرها كثيراً عما كانت عليه في الماضي، لأن المنظومة الإعلامية في ماسبيرو توسعت أفقياً فتشعبت نشاطاتها بين تخصصات عدة، واهتم مسؤولوها عبر مراحل مُختلفة بالتغيير الشكلي بغية الإبهار والبهرجة، حيث أطلقت الأقمار الصناعية وشُيدت الصروح الإعلامية، وتنوعت القنوات والمحطات، بينما غابت أهم دلالات التقدم والتطور الحقيقيين المُتمثلة أبجدياتهما في الاهتمام بالعنصر البشري، ذلك المحرك الأساسي لعجلة التطور، فلم يحدث تأهيل لجيل جديد من المُعدين والمُخرجين والفنيين والإداريين، واقتصرت شروط التميز على فكرة واحدة، هي الاعتماد الكلي على القيادات القديمة التي اقتربت من سن التقاعد. هذا الأمر أشاع الإحباط بين صفوف العاملين الشباب، وروج للفكرة الهدامة التي انتشرت بمُنتهى السرعة ووجدت من يغذيها ويؤكدها، وهي أن مبنى ماسبيرو سيتحول إلى مكان أثري وستنتقل القوة العاملة فيه بكل طاقتها إلى مدينة الإنتاج الإعلامي، غير أن عناصر أخرى مُغرضة أشاعت أن المبنى بُرمته سيتم بيعه لرجال الأعمال ليكون فندقاً عظيماً مُطلاً على النيل.
وتباينت الآراء الخبيثة ما بين الاستغلال الاستثماري للصرح الإعلامي العظيم، والإبقاء عليه كأثر، وفي كلا الحالتين كان المردود المعنوي على العاملين من الإعلاميين والإداريين والفنيين سيئاً للغاية، وبموجب الشعور السلبي بالمستقبل الغامض، صار العمل في مبنى الإذاعة والتلفزيون مجرد تحصيل حاصل، لا يعدو عند البعض أكثر من كونه وظيفة مؤقتة لزوم أكل العيش، على حد تعبير الأكثرية. وقد جاءت الانعكاسات كلها في غير الصالح العام بطبيعة الحال، فأُهملت القنوات الرئيسية وتراجع مستوى البرامج السياسية والاجتماعية والثقافية بشكل ملحوظ، اللهم غير النزر اليسير المُتميز في قطاع القنوات المُتخصصة، الذي يتحقق باجتهاد العاملين في القطاع من القابضين على جمر الولاء والوفاء لمهنتهم والمكان الذي تعلموا فيه وانتموا إليه. أما البقية الباقية من الموظفين فمضوا في ركب اليائسين المُحبطين، ومن باب الوجود استسلموا للعمل في برامج الطبخ والكوميديا الخفيفة، وأعفوا أنفسهم من المسؤولية تجاه أي عمل جاد بعدما فقدوا الأمل في استشراف أفق جديد يُنبئ بتغيير كلي يُعيد إلى ماسبيرو دورها وهيبتها.
وبالتبعية ووفق حالة الإحباط والتقاعس في البحث عن حل للأزمة الاقتصادية، التي عانت منها القطاعات كافة، وما زالت تُعاني، توقفت منذ سنوات عجلة الإبداع في قطاع الإنتاج الدرامي الذي كان مركزاً للإشعاع والفن ومصدراً أساسياً للدخل، فلم يعد هناك ما يُمكن ذكره من الأعمال الدرامية الكُبرى أو الصُغرى. وكذلك توقفت شركة القاهرة للصوتيات والمرئيات عن إنجاز أي جديد في هذا الصدد، وهي التي كانت معنية بإنتاج الأعمال الدرامية متوسطة التكلفة، فتحجم دورها تماماً وأوشكت على الاختفاء من خريطة الإنتاج الفني بعد تاريخها الطويل.
القطاع الإذاعي
والحديث عن قطاع الإذاعة يطول شرحه، فقد طال أمد الأزمة على مستويات كثيرة، بدءاً بضعف محطات التقوية، نتيجة عدم الصيانة والدعم التقني، وانقطاع الإرسال عن غالبية محافظات الجمهورية، ما أثر سلبا على دور الإذاعة التنويري والتوعوي. ورغم التميز الواضح والفارق للبرامج الإذاعية، إلا أن المعوقات التقنية تحول دون تحقيق التأثير المرجو الذي يُرضي العاملين فيها، ويُشعرهم بوجودهم وتميزهم، ناهيك عن حاجة الأجهزة والاستوديوهات للتطوير والتحديث كشرط من شروط الاستمرار والتفوق والمنافسة، حيث لا تعمل الإذاعة المصرية في ظل ظروفها الصعبة إلا بنصف طاقتها فقط، وهي المُتميزة فعلياً عن مثيلاتها في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط.
إن ما نُريد التأكيد عليه في هذا السياق هو حاجة قطاع الإعلام المرئي والمسموع إلى الدعم القوي والفوري من رئيس الهيئة الوطنية، أحمد المسلماني لإنقاذ المنظومة الإعلامية التاريخية في ماسبيرو بوصفها المنصة الرئيسية الأهم المعنية بتصدير المعلومة الصحيحة والخطابين السياسي والثقافي المتوازنين، لصد الهجمات العدوانية والرد على الشائعات والافتراءات والأكاذيب الإسرائيلية والغربية، فضلاً عن رفع مستوى الوعي لدى الجمهور المصري والعربي باعتبار ذلك جُل العملية الإعلامية وهدفها الأسمى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية