هذا ما سأحاول الكلام عنه هذا الأسبوع وأنا أتحدث عن الدكتور أحمد عروة، الذي تصادف ذكرى وفاته الأسبوع الأخير من شهر فبراير/شباط (1926-1992)، رغم أن شهادتي حول الرجل قد تكون مجروحة، باعتبار العلاقة الخاصة التي تربطني به، من بعيد، لكوننا من أبناء قرية واحدة (بلدياتي كما يقول إخواننا المصريون)، ورغم أننا من جيلين ومسارين فكريين مختلفين، ربطت بيننا قريتنا الصغيرة أمدوكال، وحي بلكور في العاصمة التي فتح فيها الطبيب أحمد عروة عيادة خاصة، كانت محجا لكل أبناء القرية الحاضرين بقوة في هذا الحي الشعبي، مثل عائلتي. وهم يتعاملون مع «سي أحمد» كما كانوا ينادونه معاملة جد خاصة تجاوزت منزلة الطبيب الناجح والمحبوب. شملت كل أبناء الحي بمختلف أصولهم الجغرافية، حي تميز من الناحية السياسية، ضمن الخريطة الوطنية الجزائرية، بحضور قوي لأبناء التيار السياسي الجذري، الذي انتمى إليه الدكتور أحمد عروة وإخوانه الستة.
انتماء سياسي سيدفع ثمنه غاليا الطبيب أحمد عروة الذي ذاق ويلات السجن والملاحقة البوليسية من قبل شرطة الاستعمار الفرنسي
لنكون بذلك أمام أول مفارقة في حياة بكر العائلة، الطبيب، ابن الشيخ الزيتوني، الذي امتهن التعليم الحر في مدينة القليعة بالقرب من العاصمة، من دون ان يفقد علاقته مع حي بلكور، الذي تعرف فيه على وجوه سياسية تنتمي للتيار الوطني الراديكالي كمحمد بلوزداد أول مسؤول عن المنظمة الخاصة التي بادر بها حزب الشعب – حركة الانتصار لتفجير العمل المسلح – الذي سمي الحي باسمه بعد الاستقلال، فقد كان المنبت الاجتماعي والوسط الثقافي العائلي يؤهل هذا الطبيب الشاب، الذي أنجز كل دراسته الجامعية بفرنسا التي ناضل فيها داخل صفوف الحركة الطلابية الوطنية – الى الانخراط داخل تيارات سياسية وفكرية بعيدة عن هذه المدرسة السياسية الجذرية، كجمعية العلماء على سبيل المثال، أو التيارات السياسية الليبرالية، التي انتمى إليها الكثير من وجوه النخبة العلمية التي التحقت بالعمل المهني الحر، على غرار الأطباء والصيادلة على قلتهم داخل الأحزاب. نظرا للكلفة العالية التي تتولد عن هذا الانتماء السياسي الجذري، في حالة استعمار استيطاني عنيف مثل الجزائر.
انتماء سياسي سيدفع ثمنه غاليا هذا الطبيب الذي ذاق ويلات السجن لمدة سنتين في معتقل بوسيي الشهير، زيادة على الملاحقة البوليسية من قبل شرطة الاستعمار الفرنسي، ما اضطره للاختفاء عن الأنظار في قريته الصغيرة، ليشارك لاحقا في رعاية الشباب المشارك في مظاهرات ديسمبر/كانون الأول 1961، التي حصلت أحداثها بالقرب من عيادته بحي بلكور الشعبي. عيادة ما زالت مفتوحة لحد اليوم من قبل الابن الوحيد الذي لم يرث مهنة الطب عن الأب فقط، بل ورث الاهتمامات الأدبية الفكرية، كروائي وباحث في تاريخ الطب الإسلامي، لنكون أمام استمرارية في أدوار هذه العائلة وهي تنتج للجزائر نخبها في مختلف المجالات. بدءا من جيل الجد الزيتوني، الذي أكد من خلال حالته الدور الذي قامت به هذه الجامعة التونسية في إنتاج النخبة الجزائرية، عبر العلاقات الخاصة التي دعمتها لاحقا مع جمعية العلماء.
اهتم الدكتور أحمد عروة بالكثير من المجالات تراوحت بين الشعر الوطني، هو الذي كتب كلمات نشيد اتحاد العمال عندما كان مسجونا مع قياداته، والرواية والدراسات الفكرية التي أصدرها بالفرنسية بعد الاستقلال، على غرار تلك التي تناول فيها الإسلام والديمقراطية 1990، والإسلام والحياة الجنسية 1990، وغيرها من المواضيع التي لم تجد الصدى المطلوب على الساحة الثقافية في الجزائر، التي سيطرت عليها خلال هذه الفترة، تيارات دينية متطرفة، رجعت إلى قضايا ماضوية لم تقبل ما اقترحه من نقاشات هذا الطبيب، الذي أصر على الكتابة بالفرنسية، في مثل هذه القضايا الاجتماعية، على غرار أبناء جيله الذين يجدون سهولة أكبر في التعامل بالفرنسية، رغم تمكنهم المتفاوت من اللغة العربية، كما كان الحال عند الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، الذي اختار كتابة مذكراته بالفرنسية لتترجم لاحقا إلى العربية. الصد نفسه وعدم الاهتمام، باستثناءات قليلة، الذي وجدته كتابات أحمد عروة من قبل المثقفين بالفرنسية، الذين لم يستسيغوا كقاعدة عامة هذه الكتابات التي تتحدث عن الإسلام بهذا الشكل العصري باللغة الفرنسية، داخل خريطة ثقافية وسياسية منقسمة على ذاتها لا تقبل بالحوار والتزاوج، تعودت على احتكار كل طرف من طرفي المعادلة لمواضيع واهتمامات بعينها لا تحيد عنها، يمكن اختصارها بالشكل التالي حتى لو كان فيه نوع من الإجحاف والاختصار المخل، للمثقف المعرب والديني مواضيع الغيب والآخرة بهمومها، وللمفرنس الحياة الدنيا باهتماماتها وقضاياها.
حياة ثقافية وفكرية وطنية لم تتسع لقبول أفكار أحمد عروة، وكتاباته التي حاول فيها تجاوز هذه الانقسامية التي تعودت عليها، روّج لها الإعلام وتبنتها أجزاء مهمة من النخب السياسية ومؤسساتها المركزية التي لم تفكر في أحمد عروة إلا عندما تعرضت للتهديد من قبل التيارات الدينية المتطرفة، لتعينه رئيسا لجامعة قسنطينة الإسلامية وهو في وضع صحي صعب وسن متقدمة بين – 1989 ولغاية وفاته في 1992- تماما كما حصل مع بعض الوجوه السياسية التاريخية، التي عادت للواجهة خلال هذه الفترة المضطربة من تاريخ الجزائر في سن متقدمة. بعد تهميش طويل لها جعل الأجيال الصغيرة في السن التي تكون الأغلبية الديموغرافية للمجتمع، تعتقد انها قد فارقت الحياة منذ زمن طويل. لم يلق أحمد عروة الكثير من الترحيب، كما يمكن توقعه، من قبل القوى السياسية والدينية الحاضرة داخل الحرم الجامعي، في مدينة قسنطينة التي تدهورت حياتها الثقافية، بعد الترييف الكبير الذي عاشته كمدينة ووسط ثقافي، على غرار الكثير من المدن الجزائرية. لم تتحفظ على الطبيب الجزائري فقط، بل حتى على عالم الدين الأزهري، مثل الشيخ محمد الغزالي الذي استعانت به السلطات العليا للبلد للحد من سيطرة التيارات الدينية الأكثر تطرفا التي غزت الساحة الدينية، عبر حركة اجتماعية شعبية، فرضت أطروحاتها العنيفة والإقصائية على الجميع. تيارات اعتمدت على التجنيد الذي نجحت في القيام به لأجيال صغيرة من الجزائريين تواصلت لأول مرة مع النص الديني المكتوب، المستورد في الغالب من الخارج، بعد محو أميتهم مباشرة. في ظرف زادت فيه عزلة النخب الرسمية وتقلصت شرعيتها، حتى وهي تستعين بوجوه جديدة مثل الدكتور أحمد عروة الذي لم يجد ما كتبه، الصدى الذي كان يجب ان يجده بين الجزائريين خلال تلك الفترة المضطربة من تاريخ البلد السياسي والثقافي.
كاتب جزائري
لقد قرأت له رحمه الله كتابه (( الإسلام في مفترق طرق)) وأعتقد أنه مترجم من الفرنسية…كما استفدت من دروسه في المسجد الجديد آنذاك… في القولف عن الإكتشافات العلمية الحديثة وإشارات القرآن الدقيقة للكثير منها في آيات قرآنية…. اين نحن من ذلك الجيل …لقد سابت الأمور ..وانحط المستوى الثقافي والحضاري للأمة وتصدر وسائل التواصل الإجتماعي كل من هب ودب….واختلط الزيت بالماء وشعبان برمضان ….ونحن في مرحلة من التتفيه والتزييف…نسأل الله العافية….بارك الله فيك ياأستاذ على تذكيرنارغم أني اختلف مع خلفيتك الفكرية إلا أني أحترمك….
اللهم ارحم الأستاذ أحمد عروة
الدكتور أحمد عروة الثوري المناضل ،وهو والد البروفيسور عباس عروة عضو مؤسس لحركة رشاد المعارضة والمقاومة لنظام الجنرالات الإنقلابي عام1992 ..الدكتور أحمد عروة لم يكن كبيرا في السن لماتولى رئاسة الجامعة الإسلامية بقسنطينة ،ولم يتجاوز عمره 62 عاما
تصويب بسيطا للأخ الكاتب. فضيلة الشيخ محمد الغزالي وبدرجة أقل د. أحمد عروة رحمهما الله لم يعيّنا من أجل مواجهة تيار سياسي أو فكري معروف في الجزائر، ببساطة لأن ظهور ذلك التيار في الساحة السياسية كان لاحقا. مع خالص التقدير . د. طهراوي رمضان، جامعة صحار، سلطنة عمان
شكرا لتوضيحك المهم.
لا يادكتور غير صحيح، لأن التيار الإسلامي وخاصة السلفي كان متواجد وينشط منذ الستينات ، وقد وخرج من رحم جمعية العلماء المسلمين التي تأسست في 1931 ..وكانت جمعية القيم الإسلامية التي تأسست سنة 1963 هي أول تنظيم إسلامي في الجزائر برئاسة الهاشمي التجاني قبل أن يتم حلها سنة 1966..ونشط التيار الإسلامي في السبعينيات وخاصة في الجامعات للتصدي للافكار الشيوعية واللائكية إلى أن وقعت أحداث الجامعة المركزية عام 1982 بعد مقتل أحد الشيوعيين الذي تجرأ ودنس القرآن الكريم ..قبل أن يقر النظام السياسي التعددية الحزبية بعد ثورة5 أكتوبر1988
شكرا جزيلا على هذه الالتفاتة للدكتور عروة رحمه الله، تنت من الجيل الذي كان يستمع لاحتديثه الدينية
الشيخ محمد الغزالي لم يأت إلى الجزائر لمواجهة تيارات دينية منطرفة بل كان منفيا من طرف نظام حسني مبارك و الجزائر احتضنته لفترة إلى أن قرر الرحيل.
هذه المرة أصبت كبد الحقيقة وذكرتني بعلم جليل ومفكر عصامي ومقدم للاسلام بطريقة علمية كانت تنال ااعجابنا ونحن شباب وخصوصا احاديثه عبر التليفزيون والاذاعة وتشاطه الفكري
السيد جابي.. تعلم أن نظام الجزائر يأوي ميبليشيات مسلحة من اجل فصل الصحراء عن المغرب.
الاسبوع الماضي.. هناك مستجد.. وهو اعطاء نظام الجزائر الرخصة لمكتب يمثل ما يسمى بجمهورية الريف في المغرب..
.
بمعنى.. نظام الجزائر فتح جبهة انفصالية اخرى على المغرب..
.
ما رايكم..
.
ادعوكم .. ومن خلالكم ادعو مثقفي الجزائر وكتابها لتغطية الأمر وتحليله ..
.
هل تظنون.. أن المعاملة بالمثل اصبحت شيئا مشروعا..
.
هل هذا الوضع يساعد في بناء المغرب الكبير..
الخطوة جائت متأخرة جدا .
كيف.. هل ملف البوليساريو الانفصالي لا يكفي.. ومنذ نصف قرن..
.
افترض.. ففط.. المغرب يرد بالمثل
الجزائر العمود الفقري لشمال إفريقيا “نوميديا” تبني الآن مع ليبيا، تونس و مورتانيا مناطق تجارة حرة، ثم توطين الشركات الجزائرية للصيد و البترول والغاز و شركات البناء ووالطرق العملاقة كوسيدار في ليبيا و موريتانيا ثم خطوط سكك حديد من الجزائر إلى هاته البلدان طبعا. الجزائر لها من الموارد ما يسمح ببناء المغرب وفق نظرتها هي.
عجبتني جملتك.. ’حسب نظرتها هي” .. ما قد يفسر أن الامر ليس اتحادا.. بل تبعية..
.
على اي.. المغرب لا يتحدث كثيرا.. وهذه الدول التي ذكرتها بدأت بالفعل في شراكات متقدمة
مع المغرب.. بدون سوف.. سوف.. وكدليل قبل ايام فقط ثم تدشين خط بحري بين ليبيا ونوسن مع المغرب..
خط سيكون المرتكز لتجارة دولية متقدمة بحول الله..
ومع موريتايا والسينيغال نقاش حول تصدير غازهما عبر المغرب.. مثلا.. زيادة على مشروع الاطلسي لدول الساحل..
وهكذا مع مشاريع الجزائر.. بنظرتها هي طبعا.. ستزدهر المنطقة.. بالتوفيق للجميع..
.
لكن.. هل تقصد ان الجزائر ستبني مغربا كبيرا بنظرتها هي لعدد كبير من الدوليات في المنطقة.. 😀
التقيت به في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي عندما كان رئيسا لجامعة الأمير عيد القادر الإسلامية ووقفت على سعة اطلاعه العلمي والديني وكيف يعزر هذا بالآخر ولمست فيه حصافة العقل والتواضع وأناقة المظهر ولطف الكلمة ، ينتمي إلى جيل متنور بالعلم ومهتدي بالدين ومتشرب حب الوطن
الشعب الصحراوي شعب حر وارضه مدافع عم ارضة وعرضه والتاريخ يبين ذلك وعلاقته باسبانيا تعود الى سنة 1476 علاقة تجارية بينية وندية , الى اجاء مؤتمر برلين سنة 1884 حيث صار الاقليم من ضمن ممتلكات اسبانيا