لا نعلم وعلى نحوٍ دقيق، ماذا يجري في رأس رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو؛ فثمّة تحليلات دامغة ومؤكدة لمعارضيه وخصومه السياسيين بأنه يهدف بالأساس إلى التخلص من محاكمته من خلال انتخاب هيئة القضاة التي ستكون تحت تأثيره وربما إمرته في محاكمته الجارية عندما تنطق بالحكم عليه. وهذا هو الرأي السائد من قبل مجموعات المحتجين والمعارضين الذين يخرجون في المظاهرات الأسبوعية ضده منذ مئة يوم، أي منذ مطلع كانون الثاني/يناير 2023. أما واقع الأمر الذي يتجاهله ولا يعلمه الكثيرون فهو أن نتنياهو الذي يدعي بأن إسرائيل هي واحة الديمقراطية، يشير في واقع الأمر إلى أنها في طريقها إذا استمر هذا الحال لتصبح جزءا من العالم الثالث؛ فهو لا يختلف كثيرا عن قادة الأنظمة الفردية والدكتاتورية في العديد من الدول ذات النظام الشمولي الاستبدادي، إذ إنه يهدف بالأساس إلى الحفاظ على نظام حكمه الفردي الذي بدأ عام 1996 وظل يحكم بشكل متقطع حتى عام 2009 ومن ثم استمر على رأس السلطة حتى عام 2021 ليصبح بذلك رئيسا للوزراء لأطول مدة لرئيس حكومة إسرائيلية منذ قيام الدولة.
الحلفاء باتوا خصوما
كان اعتماد نتنياهو في السنوات الأولى من حكمه على دعم التيار اليميني التقليدي وخاصة مؤيدي وأتباع رئيس الحكومة الإسرائيلية الراحل مناحيم بيغن في حزب الليكود، وكان أن سارت الأمور بشكل جيد إلى أن اكتشف رفاقه عُمق دكتاتوريته وهيمنته المطلقة في الحكم، الأمر الذي أدى بهم إلى الابتعاد عنه ومن ثم الانسحاب من الحزب وعلى رأسهم دان ميريدور، موشي ارينس وروني ميلو.
وسرعان ما قام نتنياهو بأقصائهم وإبعادهم عن حكومته، وبعد ذلك بقليل، أي في مطلع 2003 حدث الانشقاق الأكبر عندما أسس أرئيل شارون حزب كديما واستطاع إبعاد نتنياهو. وبعد عدة سنوات استطاع نتنياهو إعادة الكرّة ولكن هذه المرة لجأ إلى تشكيل التحالفات الجديدة المدعومة من الطوائف الشرقية واليمين المتطرف والأحزاب الدينية الأصولية والصغيرة واستمر في ذلك خلال الفترة بين عام 2009 وعام 2021؛ عندها بدأت الخريطة السياسية في إسرائيل تتحول وتتبلور من جديد، فقد بدأ صعود أحزاب جديدة كحزب لابيد وحزب جانس ولبرمان، وقد رأى العديد من قادة هذه الأحزاب اليهودية، بعد أن عملوا معه وجربوه خلال مدة طويلة صعوبة التعامل معه بأي شكل من الأشكال.
استعداء النخب السياسية
هذا وقد تم التأكد من أن نتنياهو قام بالفعل بإقصاء الكثير من القيادات السياسية من الليكود وخارجه حيث بات من المؤكد أن العديد من القيادات السياسية الإسرائيلية الصاعدة آنذاك أصبحت معادية له وعلى رأسها إيهود باراك وإيهود أولمرت وأفيغدور ليبرمان الذي عمل معه كمدير لمكتبه منذ أواخر الثمانينيات ولمدة 10 سنوات ثم أصبح وزيرا للمالية ولاحقا وزيرا للدفاع، ونفتالي بينيت الذي خلفه لاحقا عند إقامة حكومة مناوئة لليكود وترأسها لمدة سنة ونصف السنة بالتعاون مع يائير لابيد في رئاسة الوزراء ورئيس المعارضة الحالي.
تحالف ضد نتنياهو
وفي مطلع العام 2021 استطاعت جميع تلك القوى والأحزاب الصهيونية مع القائمة العربية الموحدة برئاسة النائب منصور عباس التكتل والتحالف ضده حيث وضعت نصب عينيها هدفاً واحداً ووحيداً هو الإطاحة به وبحكومته، وتكلل ذلك بالنجاح. وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية السابقة استمرت حوالي سنة ونصف السنة بقيادة نفتالي بينت ويائير لابيد، إلا أن الخلافات بين أعضائها كانت قوية وجوهرية الأمر الذي أدى إلى انهيارها السريع. وجدير بالذكر ان القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس دعمت هذا الائتلاف وساعدت على بقائه وتماسكه إلى ان بدأ بالانهيار داخليا؛ ويعتبر حزب القائمة الإسلامية الموحدة بقيادة منصور عباس، أول حزب عربي يدعم حكومة ذات أجندة وبرنامج عمل صهيونيين تماما منذ 30 عاماً، فقد وُعِدَ بدعم مالي بدون أن يتفق مع تلك الحكومة على أي برامج سياسية.
استمالة اليهود الشرقيين
أما بنيامين نتنياهو فقد أعاد ترتيب أوراقه وأقدم على توحيد كافة الأحزاب الصهيونية المتطرفة المتمثلة في المستوطنين في الضفة الغربية، وضم العديد من الشرقيين كمرشحين رئيسيين في إطار حزب الليكود لخوض المعركة واكتساح أحزاب المركز وإقامة حكومة بأغلبية 64 مقعداً من أصل 120 في مطلع عام2023. وبذلك يكون نتنياهو قد بدأ فصلا جديدا من الحكم في إسرائيل منذ انتخب المرة الأولى عام 1996 وخلال ثلاث سنوات ونصف السنة من انتخابه آنذاك استطاع تدمير اتفاقية أوسلو تدميرا كاملا، وفي السنوات ما بين 2009 -2020 أمسك بالملف الإيراني كتهديد أمنى وجودي لإسرائيل وحاول احتواء حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان وكل ذلك بدعم وغطاء أمريكيين، وعند انتخابه هذه المرة أراد ان يدير نفس اللعبة أي استغلال التهديد الإيراني أو الفزاعة الإيرانية بهدف تعزيز هيمنة إسرائيل في المنطقة، لكن انهار هذا كله انهياراً سريعا عندما اتحد وتكتل مع أحزاب المستوطنين بقيادة سموتريتش وبن غفير اللذين أكدا له أن مطالبهما لا تختلف كثيرا عن أفكاره وعليه ان يضع في رأس أجندته تعميق الاستيطان في الضفة الغربية وبناء مستوطنات جديدة واتخاذ خطوات عسكرية وقمعية صارمة ضد السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس.
التشريعات القضائية
وقد أجمعت كافة القوى السياسية الإسرائيلية على ذلك لكن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه كان عندما حاول تمرير ما سماه الإصلاح القضائي الذي يهدف بالأساس إلى السيطرة على تعيين قضاة محكمة العدل العليا ورئيس لجنة الانتخابات في أي انتخابات مقبلة فقد أراد بهذا التعيين ان ينجو من محاكمته المقبلة وان يسيطر على نتائج أي انتخابات يمكن ان تعقد في أي وقت. ولكن فوجئ نتنياهو بمعارضة شرسة لهذا الانقلاب القضائي وتجمع ضده العديد من القوى السياسية والاجتماعية والأمنية التي نظمت احتجاجات شعبية غير مسبوقة منذ عام 1974 عندما فوجئت إسرائيل بنتائج حرب أكتوبر عام 1973 وأدت الاحتجاجات الشعبية إلى سقوط حزب مباي وصعود الليكود عام 1977. هذا وأجمعت كافة القوى الاحتجاجية على ان نتنياهو يحول نظام الحكم في إسرائيل من حكم يهودي ديمقراطي إلى حكم دكتاتوري فردي.
معارضة النخب الأمنية
بعد الانتقادات الواسعة للتشريعات القضائية وحماقته في محاولة إقالة وزير الأمن، جاءت استطلاعات الرأي الأخيرة لتكشف عن تحطم حزب» الليكود» وتحوله لحزب ثالث في إسرائيل وعن فقدان ائتلافه عددا كبيرا من أعضائه. كذلك، هناك معارضة أمنية لافتة تتمثل بقيادات الجيش والموساد والمخابرات بكافة الأذرع. وعلى الرغم من معارضتهم الشديدة له وإعلان العصيان في بعض الأذرع الأمنية إلا انهم يحاولون انتهاج مسلك احتجاج ديمقراطي يتماهى مع ما تقوم به باقي القوى الشعبية الأخرى كي لا يتهمهم أحد بأنهم ينوون القيام بانقلاب عسكري ضده، ولذا ما رأيناه بالأيام الأخيرة، وكي يتدارك نتنياهو الموقف، أعلن انه قد سوّى خلافاته مع وزير الدفاع يوآف غالانت، وأعاده إلى منصبه؛ ولكن الأزمة والانقسام السياسي ما زالا يحتدمان ولا ترى بعد نهاية النفق الإسرائيلي المظلم.
لا شك ان الاستاذ خالد كاتب المقال مطلع على ما يدور في السلطه الاسرائليه وكم كنت اتمنى لو انه حاول وضع النقاط على الحروف فيما يتعلق بالمتسلقين امثال ابن جبير(العربي الاصل) والذي يتخذ من “تطرفه” عنوانا للمرحلة القادمه لكن السؤال اين العرب؟ لا احد يجيبك