مشانق لبوشناق… وكراهية على كراهية للحسناء «صباح»: أينسب الطفل لأبيه أم لأمه؟

«درر»، «حكم»، لا يملك اللسان العربي أن يردد غير ذي الكلمات، وما وجد من مرادفات لها، وهو يطالع «التريندات» التي تعصف بإدراك الجماهير في هذا البلد أو ذاك، وتسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي. في الوقت الذي تقدم فيه هذه الفضاءات شبكة قراءة للوضع العربي عموما (كما لأي بلد في العالم، حتى الصين)، فهي تدفع المتابع أيضا للتساؤل حول مادة وشكل التفاعل التي تحصدها، ويحدث أحيانا أن تكون هي -مادة وشكل التفاعل – الحدث.

زي أبو شناق ولكنته

عرفت الدورة الثانية والثلاثون من مهرجان الموسيقى العربية في مصر تكريما لعدد من الأسماء، التي أثرت في المشهد الموسيقي العربي. النسخة التي رفعت تخليدا لروح «سيد درويش» احتفت بأحد أهم الأصوات التونسية المعروفة لطفي بوشناق. لم يكن تكريما أول (ولن يكون الأخير حتما) للرجل الذي يتصدر المشهد الإعلامي في بلاده وخارجها منذ عقود، وقد رفع شعار الالتزام والدفاع عن الهوية والثوابت منذ زمن. لكن بدا أنه تصدر التريند مرغما هذه المرة. لم تكن مشاركته في المهرجان، ولا حتى تكريمه أكثر ما أثار الحفائظ، خصوصا داخل تونس، بقدر ما فعل مروره في إحدى حلقات برنامج «مع منى الشاذلي» المصري الشهير.
لا «أوتفيت» الرجل، لا لكنته ولا حتى أغانيه راقت لجمهوره داخل البلاد، على الأقل على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ لم تكد الحلقة التي جمعته بالإعلامية المصرية تنتهي حتى نصبت المشانق عاليا لصاحب «أنا مواطن».
استهجن كثر حديث الرجل باللهجة المصرية، «يتبرأ» من هويته»، «يتنكر لبلده»، «نفهم لهجتهم ونحبها، لما لا نتحدث لهجتنا في بلادهم»، كانت جزءا من التعليقات المناوئة التي راجت على الـ»سوشيل ميديا» التونسية. «ما هذا الأوتفيت؟»، «لباس باكستاني؟»، وغيرها جاءت استهجانا لملبس الرجل الذي رأى فيه البعض تنكرا لثقافة البلد، كما اختيارا غير موفق ليطل من أحد أهم المنابر الإعلامية العربية. إصرار بوشناق على الحديث عن أصوله غير التونسية، وتصريحه بحمله أكثر من جواز سفر، وجذوره البوسنية ضاعف من غضب جماهيره في بلاد الياسمين، الذين بدا لهم الرجل وقد أخل بمهمة (لم يوكلها له أحد) في دعم صورة البلد لحساب مصالحه الشخصية. وجاءت أغنية «الحلاق» التي أداها لتقصم ما تبقى من قدرة جمهور على التحمل حسب ما تم تداوله على المنصات الرقمية، «أليس هو من قال خذوا المناصب وخلوا ليا الوطن؟» تساءل البعض، «لما يغني أغان باللهجة المصرية ورصيده مليء بالأغاني التونسية؟»، «يبحث عن مزيد من المرئية ومزيد من الحفلات»، «يتملق حتى يعود لدائرة الضوء» كانت من بين ردود كررها كثر على الفضاء الافتراضي. من جهتها لم تفلت جماهير السوشيل ميديا في مصر حلقة بهذا الحجم لتعلق عليها وإن بحدة أقل مما حدث في تونس، إذ تساءل البعض عن سر الاهتمام بالشيخ، الذي «يفتقد صوته للإحساس» عكس فنانين تونسيين آخرين حسبهم كـ»صابر الرباعي» مثلا، ثم عن السر في اختياره ليكرم، «هو من جيل عمالقة، بالسن لا تميزا»، «أن له أن يقارن بجيل الكبار؟»، «لا يمكن أن يحسب على فئة العمالقة صوتا» كانت أكثر التعليقات سلبية تداولا. الحملة التي بدت للبعض ممنهجة، وقد قادها إعلاميون ومشاهير تونسيون لم ترق لجزء من الجماهير التونسية، التي وجدت في الأمر تجنيا مجانيا على تاريخ الرجل الطويل، هو الذي يحمل تونس في قلبه وعوده، على كل المنابر التي يطل من خلالها، قال البعض، «هو أكبر من كل ما يثار ضده»، «من حقه أن يتحدث ويرتدي ما يشاء» كرر كثر.

كراهية على كراهية

كان السؤال المثير (المضحك المبكي أيضا) الذي تردد كثيرا بين رواد «تيك توك» و»انستغرام» لأيام من فترة في فرنسا، الجزائر والمغرب. لم يثر الجدل هذه المرة حول «طبق» ولا «ملبس» (كما تعود المتابعون)، بل حول… حسناء. التريند جاء «ردا» على تريند أبغض منه. إذ تتعرض الشابة الفرنسية «صباح عايب» ذات الثمانية عشرة ربيعا إلى حملة عنصرية كريهة على مواقع التواصل الاجتماعية منذ أعلن اسمها كمترشحة محتملة لنهائي ملكة جمال فرنسا لهذه السنة، ممثلة لمقاطعة «نور با دوكالي»، المقاطعة الشهيرة بكثرة المهاجرين الذين يحلمون باستكمال الرحلة وقطع المانش سرا نحو إنكلترا.
«صباح» ابنة مهاجرين: أب جزائري وأم مغربية، كما حال مئات الآلاف من العوائل في فرنسا، نجحت في تصدر قائمة المتسابقات على اللقب الفرنسي المرموق، ولكن الأمر لم يرق لكثير من المتطرفين. «نور با دوكالي في الجزائر؟»، «أجنبي آخر لتمثيل فرنسا»، «باقي فريق كرة القدم»، «هل هي حلال؟»، ما دفع الصبية للخروج عن صمتها والرد بأنها فرنسية، وممتنة لانتمائها لبلد متعدد الثقافات كفرنسا، كما اتهام مناوئيها بأنهم يهابون جمالها وقدرتها على المنافسة في أدوار متقدمة من المسابقة، فهي ليست بابنة المهاجرين الوحيدة في طبعة مسابقة الجمال الحالية.
ردود لم تبد مقنعة على لبلد يتحرر فيه اللسان العنصري أكثر فأكثر، ويعاني رواد مواقعه من انتشار تنمر رهيب رغم كل القوانين الردعية، التي ذهبت حتى اتهام الشابة برغبة ملحة بالتشبه بالأوروبيات، وأنه جمالها غير طبيعي، بسبب عدسات لاصقة، وبشرة حنطية تتعمد التلاعب بلونها باستخدام الإضاءة، ما أثار ضجة واسعة داخل البلاد التي لا تزال طبقته الحاكمة تستغل خطابات اليمين المتطرف – واليسار أيضا – لضمان إطالة عمر حكمها حتى الرئاسيات القادمة المقررة عام 2027. حملة الكراهية الرقمية، أثارت حفيظة رواد مواقع التواصل الاجتماعي الجزائريين والمغاربة في بلدانهم الأصلية وفرنسا أيضا، ولكن ليس للأسباب ذاتها. أكثر الأسئلة التي أمكن مطالعتها كانت: «هل هي فرانكو- جزائرية أم فرانكو – مغربية؟»، «إنها فرانكو- مغربية، لما تزورون الواقع»، «بل هي فرانكو – جزائرية»، «أينسب الطفل لأبيه أم لأمه؟» كانت تعليقات غريبة، ومثيرة أخذت تصنع الحدث أكثر من القضية المؤسفة الأصلية، وتعبر عن حالة انقسام أكثر حدة بين الشعبين، في أطار الأجواء المشحونة بين البلدين.

كاتبة من الجزائر

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اشترك في قائمتنا البريدية