مشاهدات حول التحرش الجنسي بين ألمانيا والمغرب

حجم الخط
54

بون ـ من كريمة أحداد ـ “عندما كنت في المغرب صار التعرض للتحرش جزءا من حياتي اليومية كان علي تقبله. وحين جئت إلى ألمانيا أدهشني الاحترام الذي تحظى به النساء هنا، وانبهرت من الفرق في التعامل معهن في الشوارع بين ألمانيا والمغرب”.

عندما وطأت قدماي أول مرة أرض ألمانيا، كان أول ما أثار انتباهي هو النساء اللواتي يسرن في الشارع وهن يدخن سجائرهن. لاحظت كيف يتمشين دون أن يزعجهن أحد. في تلك اللحظة، مر بذاكرتي شريط مشاهد لنساء يتعرضن للتحرش في بلدي المغرب، ليس لأنهن يدخن السيجارة في الشارع العام، ولا لأنهن متبرجات أو “كاسيات عاريات”، بل فقط لأنهن يحملن أسماء مؤنثة.

وقد اعتدت، بعد خروجي من دوام تدريبي في مؤسسة DW، الذي جئت من أجله إلى ألمانيا، أن أسير في شوارع مدينة بون، لأكتشف هذه المدينة الجميلة. وما كان يشجعني أكثر للقيام بهذا الأمر هو سيري في الشارع دون أن أتعرض لمضايقة أحد، وجلوسي في المقهى وحدي أو في الحديقة، دون أن يزعجني أحد، لا بالكلام ولا بالنظرات، شهوانية كانت أو مستنكرة لطريقة لباسي…

في ألمانيا، لاحظت الحرية التي تتمتع بها النساء الألمانيات في ارتداء اللباس الذي يعجبهن، واختيار تسريحة الشعر التي تروق لهن، حتى أن بعضهن صبغن شعورهن بالأزرق والأخضر والبرتقالي. يسرن في الشوارع دون أن يضايقهن أو يسخر منهن أحد. فتاة تجلس في الحديقة العمومية تقرأ كتابا في هدوء. أخرى جالسة في المحطة تنتظر قدوم الباص وهي تدخن سيجارتها دون أن يزعجها رجل فقط لأنها امرأة. وتذكرت النساء في بلدي…

“تذكرت كل هذا”

تذكرت تلك المرأة الحامل في شهرها الثامن. كانت تسير في الشارع مرتدية جلبابا مغربيا “محتشما”. فجأة اقترب منها رجل وبدأ يتلفظ بكلمات منحطة. تذكرت تلك المرأة المنقبة التي كانت تتجول في السوق، فاقترب منها رجل حتى كاد وجهه يلامس وجهها، وقال لها: “عيناك جميلتان. أريد أن أرى الأشياء الأخرى”. تذكرت أيضا طفلة منعها والدها من ولوج الدراسة الإعدادية خوفا عليها من التحرش قائلا لها: “سيطلب منك الأولاد رقم هاتفك”. تذكرت كل هذا، وتذكرت كيف كنت بسبب التحرش، أسير في الشارع وكأنني هاربة من القانون.

في ألمانيا، صرت أخرج من البيت صباحا دون أن أفكر في التراجع لأغير اللباس الذي أرتديه حتى لا أثير أنظار الرجال. أجلس في الحديقة أقرأ كتابا دون أن يجلس إلى جانبي رجل ويقول لي بنبرة مستهزئة: “أتركينا نقرأ معك أيتها المثقفة”. أركب في الباص دون أن أشعر برجل يحتك بجسدي، ودون أن أضطر لتحسس جيوبي وحقيبتي كل دقيقة لأتأكد هل كل أغراضي معي أم لا. أتمشى في الشارع ليلا دون أن أخاف من التحرش أو الاعتداء أو السرقة.

” يتقرب بعضهم من بعض ولكن بأدب”

سألت شابة ألمانية كانت تجلس في محطة الباص تدخن سيجارتها، عن التحرش في ألمانيا، فقالت إنها لم تتعرض للتحرش يوما في الشارع أو في أي مكان آخر بسبب لباسها. وأضافت أن “الرجل هنا أيضا يحب التقرب من المرأة إن أعجبته، كما تحب المرأة التقرب من الرجل الذي يعجبها، ولكن بأدب، وفي بعض الأماكن فقط” وتضيف: “شخصيا، لم يزعجني رجل يوما، وإذا حاول أحدهم التقرب مني ولم يعجبني ابتعد في صمت ودون إزعاج”.

وباستنكار، حكت لي صديقة عربية أنها لم تتعرض يوما للمضايقة من طرف الرجال الألمانيين، “لكن سبق وأن تحرش بي رجال عرب، فقط لأن ملامحي عربية. وكأن كوني عربية يعطي لهم الحق ليضايقوني!”.

عندما جئت إلى ألمانيا، بلد بأغلبية مسيحية، وأغلب النساء فيه “متبرجات” بحسب المنظور الإسلامي، إضافة إلى غياب أي قانون يجرم التحرش بالبلاد، عرفت أن التحرش مسألة عقلية ومسألة نظرة المجتمع إلى المرأة لا يمكن لدين أو قانون أن يردعها. فرغم أن الإسلام دعا إلى غض البصر، ورغم أن الكثير من النساء في بلدي متحجبات، إلا أن التحرش ما زال قائما.

خلفية التحرش في المغرب

حين بحثت عن خلفية التحرش في المغرب، وجدت في كتاب “الجنس كهندسة اجتماعية”، للكاتبة وعالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي، تفسيرا لها قالت فيه: “المرأة تعتبر دخيلة في مكان يمتلكه الرجال… وليس لها الحق في استعمال المكان المخصص للجنس الآخر، ومجرد وجودها فيه يعتبر فعلا هجوميا بما أنها تزعزع النظام الاجتماعي وتدفع الرجل إلى ارتكاب الزنا. إن المضايقة التي تتعرض لها النساء في الشوارع من طرف الرجال هي رد على هجومها “الفاضح”.

تذكر الآن ذلك الشاب الذي ظل يتبعني مسافة طويلة ويبدي إعجابه بي بطريقة مبالغ فيها “أيتها الجميلة، عجبتيني. بغيت نتصاحب معاك، عيناك جميلتان. لقد ذوبتني…”

وحين لم أتحمل وجوده ورائي، التفت إليه وقلت له: “هل أنت جاد في ما تفعله؟ قل لي بحق الله لماذا تزعجون النساء هكذا؟ هل تعرف أنك تزعجني كثيرا؟”

تسمّر في مكانه. لم يتوقع أن أجيبه. نظر إلي مصدوما، وأجابني باستهزاء: “اذهبي في حال سبيلك يا وجه المقلاة ! إذا رأيت حبيبتي أنا، سيغمى عليك (من شدة جمالها يعني)!”.

لذلك كله، تتمنى الكثير من الفتيات في بلادي ممن تعرضن للتحرش أن يغادرن المغرب إلى دول تحترمهن وتحترم إنسانيتهن.(دوتشيه فيليه)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عزيز المغرب:

    لن أقول أن ظاهرتي التحرش واﻹغتصاب غير موجودتين في بلدي المغرب..لكن المقارنة مع ألمانيا في حقوق المواطنة لا تستقيم وأتفهم معاناة الأخت الكاتبة مع التحرش لكن هناك تطور في المجتمع المغربي ومزيد من الوعي لدى الناس يجعلهم يستنكرون ذلك إضافة لدورالجمعيات النسائية وغيرها..المجتمع المغربي صوت على المناصفة ويطمح لتكون المرأة المغربية مثل الرجل في حقوق المواطنة أما التحرش في الشارع العام فمسألة تربية مثل الرشوة وغيرها من أمراض المجتمع لكن عموما هناك حريات في بلدي المغرب ..والمرأة فرضت نفسها في الشارع والبيت ومختلف المجالات..هي سلوكات تبقىمعزولة لبعض المرضىالمتحرشين أو بعض المراهقين لا يجب تعميمها على الجميع..

  2. يقول هريدي عبدالصمد-مصر الحبيبة:

    هوه ممنوع الستات يدخنوا في المغرب وإلا آيه؟ بعدين الست دي بتكرر موضوع التدخين كتير هيا عندها مشكلة مع التحرش الجنسي وإلا في التدخين. ياريت هيا توضح النقطة دي بالذات.

  3. يقول سماح:

    لم أجد مقالا استرعى انتباها و كثرة تعليقات مثل المقال أعلاه. أظن يا سيدتي أنك أصبتيهم في وتر حساس. لقد أثرتي حساسيتهم و كامن خوفهم. ها هو ذا صوت امرأة يشتكي من خلال الكلمات ظاهرة يعرفها جميعهم و يتغاضى عنها الجميع. لما إذا الثورة إذا ما صرحت امرأة بما هو واضح للعيان؟ مشكلة التحرش في بلداننا ليست وليدة الفقر بل وليدة التخلف في الأفكار و السلوك. حبذا لو تخطى المتحرشون عقدهم و دونيتهم العميقة التي تترجم كغطرسة و تسلط ضد النساء تحت غطاء الدين و الشرف الواهي. أحسنت يا سيدتي صنيعا و لا فض فوك و استمري لك التوفيق.

    1. يقول علاء:

      تعليق مذهل سماح
      تسلم اليد التي كتبته
      احتراماتي

    2. يقول سامي الفلسطيني:

      لا أفهم سبب تعليقك وهجومك على المعلقين من الرجال فأنا قرأتها كلها وهي في معظمها محترمة وموضوعية ولم يخرجوا عن آداب الحوار بل الأغلبية أيدتها بوجود تلك الأمراض في بلادنا ولم ينكروها وإن إختلفوا في تفسير أسبابها وهل فعلاً الغرب خالي من تلك الأمراض أم لا وهذا إن دل فيدل على أن قراء هذه الصحيفة هم أناس مثقفين محترمين يهمهم أمور بلادهم ومجتمعاتهم ولا يستحقون هذه النبرة في الحوار التي تعمدتيها وكأن الموضوع حلبت مصارعة بين الرجل والمرأة فإن كانت لديك بعض التجارب السيئه فهو ليس ذنبنا ولا تزر وازرة وزر أخرى
      ثم إن سلامة المرأة التي هي أمي وأختي وزوجتي وأبنتي هي من سلامتي الشخصية بل مقدمة على نفسي وكم من زوج وابن وأب وأخ إرتكب جريمة وخسر مستقبلة لأن أحدهم تعرض أو ضايق أو إعتدا على إحداهن
      فنحن هنا لسنا في حالة حرب بين الرجل والمرأة أيهم على صواب وأيهم مخطئ بل نحن هنا في فضاء حر للنقاش وإيجاد الحلول والتعلم من بعضنا البعض لنصل لعلاج مشاكلنا لننعم بمجتمعات آمنة لنا ولمستقبل أطفالنا

  4. يقول adel:

    she lost balance when arrived in Germany
    what we do that’s what the TV and our movie starts imported for us from where
    from the West

    1. يقول علاء:

      ممتاز عادل
      هي مخطءة و انت مصيب
      الذنب داءما هو ذنب الغرب
      شاطر

  5. يقول حسين غضبان:

    الفرق الذي اكتشفته في الغربي اننا في بلادنا عندنا دين حنيف لكن لا يوجد احترام للفرد وفي الغرب هم بعيدون عن الدين لكنهم يحترمون الفرد،هنالك مبادء إنسانية فلا ينظرون للمرأة كسلعة او قطعة لحم، ليقل المتحرش هل أتقبل نفس الشيء لاختي او ابنتي، خلاصة الشيء الكرامة معدومة

  6. يقول علاء:

    عزيزتي كريمة
    ما يعجبني في مقالك هو اتزانه و موضوعيته
    و هو بفتح الباب للتفكير بواقعنا و عاداتنا و افكارنا دون تجريح
    و بصراحة
    فعلهم يتفكرون اولى الالباب

  7. يقول قطز عمان:

    عن نفسي وين ما رحت ما تحرشت بأحد ..
    ما تفكر فيه دائما يأتيك ..
    سفير أمريكي مقيم في اليابان يقول بعد سنة من إقامته لقد فهمت الشعب الياباني! بعد سنتين بدأ يغير أقواله بدأت أكتشف أشياء لم كنت أعرفها !!بعد خمس سنيين بدا يحزم شنطه للسفر لم أعد أفهم شيئا..!!!
    هو في أيه ..

  8. يقول فاطمة الجزائرية:

    كلامك صحيح 100% مع الاسف. عشت 8 سنوات مع زوجي في مدينة الدار البيضاء و كانت اجمل سنوات في حياتي , انا احب المغرب و المغاربة
    لم اكن اتحمل نضرات الرجال في المقاهي , استعملت الحافلة العمومية مرة واحدة لان التحرش كان رهيب في حافلة مكتضة ,و بعد ذالك اشتريت سيارة و ارتحت. لما كنت في الحديقة العمومية انا و طفلي جائنى شاب يقول :ممكن نتعرفو على الزين ? لما كنت اتسوق و ادخل متجر ذهب نظارات صاحب المحل و كلامه (كل شيء تحت امر الزين) كان يستفزنى . اما اثناء وجودي في كندا (5 سنوات) و بريطانا لم اتعرض للتحرش و لا مرة واحدة

  9. يقول نورالدين. برشلونة:

    إلى إخوة الذين يفسرون كلمة حق بالإحساس بالدونية و تبجيل الأخر إلخ…
    هجرت بلادي المغرب إلى ألمانيا ،مدينة بون بالتحديد وفي يوم من الأيام و أنا أنتظر المترو توقف الأخير لمدة طويلة فترجلت لمعرفت مذا يجري فإذا بي أرى رجلا فوق حمالة والأنابيب فكل مكان من جسده يحيط به عشرة من المسعفين وأطباء المستعجلات.فلم أتمالك نفسي وأجهشت بالبكاء.تذكرت يوما سيارة رجلا في بلادي المغرب فظل ممددا وسط الطريق لتدهسه سيارة أخرى

  10. يقول قطز عمان:

    معلومة جديرة يالذكر كشف تقرير حكومي بريطاني صدر في عام ٢٠١٣م باشتراك كل من وزارة الداخلية و وزارة العدل والمركز الوطني للاحصاءات على صفحة وزارة الداخلية البريطانية تحت عنوان ” نظرة ومراجعة عن الاعتداءات الجنسية في إنجلترا وويلز ” عدد حالات الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي الخطير تبلغ نحو ٩٥ الف امراة بالنسبة والتناسب بين كل ٢٠ امراة بريطانية – اقل من ٦٠ سنة – تتعرض امرأة واحدة للاغتصاب وعدد الاعتداء الجنسي بكافة انواعه تصل الى نصف مليون حالة سنويا ! وصفت جريدة التايمز الاغتصاب في بريطانيا ب( الوباء الخفي ) ما يقارب ٨٧ الف قضية تطرح امام العدالة لا يتم ادانة الا الف قضية ..!
    رغم وجود الحرية المجنونة ( الصداقة الجنسية ) ما سر هذا الهوس الجنسي لدى العقل الغربي ..؟!!

1 2 3 4 5

اشترك في قائمتنا البريدية