مشهد افتتاحي
صباح اعتيادي.
وسماء شحيحة.
ودرويش تائه تحت سماء الرب، ينتظر مطرا؛ ويحلم بسماوات الوطن البعيدة ثانية.
*مشهد نهاري في بلاد بعيدة
في باحة المعبد القديم؛ كنت أجلس مقرورا بالبرد، وعذابات الأسئلة؛ ومستمتعا بثغاء الترانيم، واستجلاء الحكمة. كان ابن عربي وجلال الدين الرومي صاحباي في الرحلة؛
فجأة يطفو سؤال مشترك:
هل خضت ساحل بحر الأنبياء وقوف على ساحله؟
*مشهد صباحي في يوم غائم
في الشتائيات العنيدة؛ تزدحم الاشتياقات في الذاكرة المثقلة؛ أشتاق لمقعد عند السياج المبلل بالمطر، أشتاق لأرض أمي وسماء جيلان “بهية أنتِ يا أمي وشابة، كأن الإقامة في الذاكرة تأبى التخثر، وتصر على استدارة عقرب الوقت”، أشتاق لقرآن الضحى بصوت الحصري في المذياع العتيق؛ لبيوت الطين بللها المطر؛ لوجوه الأحبة الذين عبروا بهدوء إلى الأبد.
*مشهد صباحي في يوم عاصف
تغلق الدائرة
تنفتح الدائرة
أغمض عيني لامتزج بالضوء، فأرى جدتي في قاعة بيتنا القديم، تتدثر بشالها القطيفة، ونحن حول موقدها، نرهف السمع ونتهيء لجبال النور الحجازية، أوسيرة أجدادنا الفاتحين، هذا الشتاء عنيد لم نره من قبل، كانت تقولها كل عام، ويهطل المطر، فينبسط الحُلم بغابات وأودية.
* مشهد ليلي في حانة باردة
وفي الحانة البعيدة، في البلاد البعيدة، كان الدرويش التائه يمزج كأس الخمر بدمعه ويتلظاها، يبكي اغتراب الروح وقسوة الوطن، تتقاطع ملامح الذاكرة، يحادث الغريب بجانبه؛ عماه ياعماه؛ أين الطريق إلى قريتي القديمة؟ يرطن العجوز بلكنة أجنبية، ويحمل سترته ويمضي، يدق باب بيتهم الطيني القديم، تشرق كل الشموس حين يرى وجه جدته
هل يبعث الموتى في المنافي؟
جدتي؛ دعيني أنام على قدميك قليلا، رأسي متعب، ولم أنم منذ ألف عام.
جدتي؛ لا تتحدثي بتلك اللغة الغريبة، أنتِ لستِ إمرأة شرق آسيوية؛ أنت جدتي، وهذا بيتنا الطيني القديم؛ وليس غرفة باردة في فندق درجة عاشرة، وأنا لم أعد مشاغبا، ولم أدخل الحانة ولم أحتسِ شيئا، غنِ لي فقط ودعيني أنام.
*مشهد ليلي في مقهى مستنسخ
ريح باردة مقرورة، ويافطة مهترئة تحمل اسم الوطن البعيد، ونادل يتجول برتابة مكتومة بين الرواد الذين كفوا في الآونة الأخيرة عن الكلام، وصاروا صامتين، ينظرون للطريق بأسى دفين، رجل خمسيني يسحب دخان النرجيلة ويسعل، تلفاز قديم مفتوح على ضجة غير مبررة.
ومقعدين على حافة الرصيف، لصديقين فقدوا القدرة على الحلم. يعلوا صوت أحدهم قاطعا الصمت المرير:
ماذا فعلت؟
لاشيء، لم أفعل شيء.
يصمت ويغيبان في الصمت.
*مشهد ليلي لرجل بائس وإمرأة بائسة
وكان أن؛
نزعت ريشة من جناح طائر الحلم
وقالت له:
اهبط على شجر الشوق
في الممالك البعيد
وقل له:
مضى العمر
وإني لانتظر
****
وكان أن؛
نزع ريشة من جناح طائر الحلم
وقال له
اهبط على شباكها
وقل لها:
تصاويرك في القلب نقش على حجر
مضى العمر
وإني لاحتضر.
*مشهد ختامي
تغلق الدائرة
تنفتح الدائرة
ووجهي في مرايا النصال تبعثره الريح؛ وتهيئه للعاصف الآتي، وأنا في غمرة التشظي، أقبض على ملامحي الهاربات، فيفر العمر من جحر العين، يباغتني الحرف بالصمت، عبثا تستدير الوجوه؛ تلقي وصيتها الآخيرة لي.
وجه العشق تشقق، فتتدفق ماء الذكرى اللاهبة على حافة الوقت : مضى آوان البوح؛ هذا مقام الرحيل؛ فاحمل خيباتك معك إلى القبر.
*كاتب وإعلامي مصري