مشروع الشام الجديد: انقلاب استراتيجي أم حلم معاد؟

مشاريع التكامل بين العراق ومصر ليست جديدة، فقد ناقشت بغداد في الثمانينيات فكرة هجرة منظمة من مصر للاستثمار في قطاع الزراعة، بجانب أغراض سكانية وديموغرافية أخرى أنتجتها الحرب العراقية ـ الإيرانية، وإذا كانت الحاجة المتبادلة بين البلدين قائمة في الثمانينيات، فإنها تشكل إلحاحاً كبيراً في الوقت الراهن، ويبقى السؤال قائماً حول قدرة البلدين، بجانب الأردن، على التقدم تجاه مشروع تكامل، بين الكتلة النفطية في العراق والبشرية في مصر.
تغيرت الظروف بشكل كبير، ويبدو التوقيت حرجاً، فالعراقيون من جهة يعيشون في خضم تحول كبير أمام شارع غاضب من تفشي الفساد، وتدني الخدمات مع تفاقم التدخلات الخارجية في السياسة العراقية، أما على الجانب الآخر، ففي مصر تسود أجواء من الانكفاء عن المحيط العربي، تغذى منذ سنوات طويلة على العزوف عن الاشتباك البناء والفاعل في القضايا العربية، واكتفت مصر في أحداث كثيرة كانت تستلزم مواقف واضحة وقوية،  بتصريحات روتينية ومواربة، مع تنازل غير مفهوم وغير ضروري عن الدور القيادي، لتتحول مصر من قيادة المجموعة العربية إلى طرف يتأرجح بين المحاور المختلفة.
بالنسبة للأردن كان التوقيت عاملاً مهماً خاصة بعد إعلان اتفاق «إبراهام» الذي يفتح الباب لعلاقات طبيعية كاملة بين الإمارات و(إسرائيل) وهو الاتفاق الذي تعاملت معه عمان بكثير من الحذر، في محاولة لامتصاص تفاعلاته، فلم تنهج الترحيب المصري المتحمس، ولا اتخذت موقفاً انفعالياً كالذي تبنته السلطة الفلسطينية، وربما لم يكن ثمة جديد بالنسبة للأردن، التي تتوقع عملياً وجود مثل هذه الخطوات، وتفكر في أثرها في العلاقات مع دول الخليج العربي، بالتوازي مع الأثر الذي يشكله انفتاح علاقات خليجية ـ (إسرائيلية) في القضايا الخلافية مع الجانب (الإسرائيلي) المتعلقة بإقامة دولة فلسطينية، وضرب مشروع الوطن البديل، الذي يستهدف ترحيل مشكلات (إسرائيل) إلى الأردن.
مع مشاريع عربية أخرى صعدت لفترات ثم عادت للفتور، يجب عدم التسرع في التفاؤل بخصوص قمة عمان، ولكن توقيت الاجتماع وتفاصيله وسياقاته تجعل من الضروري التوقف أمامه، فمن ناحية تدخل مصر خطاً ثانياً من مواجهة غير مباشرة مع إيران، بجانب موقفها المعلن، بمساندة دول الخليج، الذي عبر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي بمقولته «مسافة السكة» ومشاركتها الشكلية والمحدودة في عاصفة الحزم، ويظهر الاتفاق أيضاً بوصفه ورقة جديدة، يمكن أن تستخدمها مصر في تنافسها مع تركيا. الحكومة العراقية بدورها تبحث عن أرضية تستوعب من خلالها قطاعاً عريضاً من المتظاهرين في الميادين، من خلال البحث عن عمق عربي يخلخل السيطرة الإيرانية على العديد من القوى السياسية الفاعلة في العراق، والتحالف مع مصر والأردن، لا يواجه معارضة أمريكية، وربما يحظى بمباركة من الأمريكيين الذين يحاولون البقاء في العراق بدون تكلفة مرتفعة.
رئيس الوزراء العراقي  مصطفى الكاظمي كان قادماً من الولايات المتحدة، والأردن في هذه المرحلة لا يحتفظ بعلاقة طيبة مع البيت الأبيض، وسرت أحاديث كثيرة عن رسائل سيقوم الكاظمي بتمريرها للملك عبد الله الثاني، الذي أحدث اختراقاً أمام الجمود الأمريكي، من خلال تواصله مع قيادات تشريعية أمريكية، إلا أن الأسلوب الإملائي، يبدو مستبعداً في هذه المرحلة والرئيس ترامب يبدو منشغلاً في ترتيب أجواء مواتية لصفقة القرن، لعلها تكون من بين الأوراق التي يدفعها في معركته الانتخابية المقبلة، ويبدو أن الصورة ليست على هذه الشاكلة بالتحديد، فالرسائل واردة، والمرجح أن زيارة الكاظمي لواشنطن هدفت بجانب ملفات أخرى كثيرة، إلى وضع الأمريكيين في صورة التحالف المزمع، الذي لم تواجهه الممانعة الأمريكية بالنسبة للعراق على الأقل.

مشاريع عربية كثيرة صعدت لفترات ثم عادت للفتور، لذا يجب عدم التسرع في التفاؤل بخصوص قمة عمان

مشروع الشام الجديد، الذي يبدو طموحاً في هذه المرحلة يطرح أسئلة كثيرة حول مشاريع أخرى تتشكل، فهل هو مشروع لمواجهة إيران في الأساس، أم أنه مشروع لامتصاص كتلة عربية مناهضة لـ(إسرائيل)؟ وهل هو مشروع مستقل؟ أم أحد الحلول الوسط التي تطرح اليوم؟ وأين موقفه من محور الممانعة بشكل عام، وما هي تداخلاته مع تصورات رؤى دول الخليج؟ خاصة السعودية، التي تجد نفسها في معضلة حقيقية بين الانسياق وراء الرئيس ترامب وصهره، والاحتفاظ بموقعها الذي تعبر عنه المبادرة العربية للسلام التي طرحت قبل سنوات، وتبناها الكثير من الدول العربية. يضاف المشروع الذي حمله الكاظمي واستطاع أن يسوقه للملك عبد الله الثاني، والرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى مجموعة من المعطيات الأخرى، التي تزيد من تعقيد المشهد العام في المنطقة، خاصة أن الأسابيع المقبلة قد تكون حبلى بالمفاجآت، مثلما هي معبأة بالترقب، ويبدو أن موسم الانتخابات الأمريكية المقبلة سيفتتح شتاء ساخناً في المنطقة العربية. المقربون من الرئيس ترامب في حال سقوطه سيستشعرون بضياع كثير من استثماراتهم السياسية، وسيتخوفون من استئناف الربيع العربي على الطريقة التي يريدها الديمقراطيون في الولايات المتحدة، والمبعدون عن حظوة ترامب في المقابل، يؤجلون طاقاتهم لمعركة مقبلة في حال استمراره، حيث سيجهز وقتها مجموعة من الصفقات، التي ستسعى إلى تغيير وجه العالم، وفي مقدمته المنطقة العربية التي تظهر كثيرا من الهشاشة في هذه المرحلة من التاريخ، وتبدو الأقل منعة في مواجهة عواصف السياسة الدولية.
نتمنى أن يقدم مشروع الشام الجديد نموذجاً ناجحاً بغض النظر عن الحسابات السياسية، ونظرياً يقدم المشروع أفقاً جديداً للتعاون يقوم على أساس منطقي، ولكن الاحباط المتراكم بخصوص مشاريع كثيرة تحولت إلى أطلال سياسية يبقى غصة في الحلق.
كاتب أردني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تامر العربي:

    …وعمري انه مسكين من قام بفكرة الشام الجديد.
    انني اساله هل تجول في شوارع بغداد. او البصرة او النجف وغيرها من المحافظات العراقية. بصمات ايران وقوتها واضحة تماما في بلاد الرافدين.. انه العصر الايراني يا صاحبي ..معالمه واضحة بقوة في مجتمع بلاد ما بين النهرين.
    .اي مشروع اقليمي تاخذ العراق نصيبا منه .لن ينجح ان لم تكن ايران موافقة عليه او مشاركة به.
    وضع العراق مشابه بنسبة متفاوتة للبنان.سوريا واليمن .حيث لطهران اليد القوية .
    .

  2. يقول فائق الناطور:

    مشروع لن يكتب له النجاح على غرار مجلس التعاون العربي الذي انتهى قبل ان يبدأ في أواخر الثمانينات بين الاردن والعراق ومصر واليمن.فشل المشروع بعد ان غزا صدام حسين الكويت واصبحت مصر في الجهة المعادية للعراق.

  3. يقول غعنا:

    سياسات عربيه مراهقه ومرهقه بعيده كل البعد عن الواقع. بعد ان تآمرو علئ العراق صدام الذي كان يفهم كيف يتعامل مع الايراني وبعد ان تأمرو ضد فلسطين حماس والتي تعلم كيف تتعامل مع الصهيوني. ياتو الان ليرقعو ما افسدوة. خلاصه الكلام ليت هكذا حكام ان يجلسو مع انفسهم ويعترفو بانهم فشله واوغاد ويرحمو انفسهم من نزاع داخلي او ذاتي ويريحو الامة من هكذا فشله

  4. يقول AboAbdallah:

    It will never succeed as long Iraq is occupied and run by Iran

اشترك في قائمتنا البريدية