مشروع قانون طائفي جديد يثير الفتنة في العراق

مصطفى العبيدي
حجم الخط
1

بغداد ـ «القدس العربي»: أثار مشروع قانون طائفي في برلمان العراق ردود أفعال رافضة من القوى الوطنية الساعية لعدم تكرار أجواء الفتنة الطائفية التي سادت مع وقوع الاحتلال الأمريكي للعراق، وسط تحركات من قوى سياسية طائفية لافتعال المزيد من القضايا المثيرة للشحن الطائفي.

وبالعكس من ادعاءات أحزاب السلطة وحكومة بغداد بالحرص على خلق أجواء من الاستقرار في العراق، تبرز بين آونة وأخرى محاولات من بعض القوى الطائفية لطرح مشاريع ومواقف مثيرة للجدل والخلافات وتؤدي إلى تخريب النسيج الاجتماعي في البلد وإثارة الفتنة الطائفية.
وكان البرلمان العراقي بحث مؤخرا طلبا من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، باعتبار يوم «الغدير» عطلة رسمية، عندما استجاب رئيس البرلمان بالوكالة محسن المندلاوي (من الكتلة الشيعية) إلى الطلب، وأدرج المقترح ضمن جدول أعمال جلسة البرلمان التي عقدت الثلاثاء الماضي. إلا أنّ القانون المقترح قوبل بموجة جدل واعتراضات من بعض النواب، بينهم نواب شيعة، على اعتبار أن هناك قانوناً للعطل الرسمية مرسل من الحكومة إلى البرلمان، ما تسبب بمشادات داخل الجلسة أفضت إلى رفعها.
ويذكر أن شيعة العراق اعتادوا على الاحتفال سنويا بيوم الغدير المصادف 18 من شهر ذي الحجة. وحسب الروايات فإنه في ذلك اليوم خطب النبي محمد (ص) خطبة وعيَّن فيها الإمام علي بن أبي طالب مولًى للمسلمين من بعده، وذلك أثناء عودة المسلمين من حجة الوداع إلى المدينة المنورة في مكان يُسمى بـ«غدير خم» سنة 10 هـ الموافق631 ميلادي.

رفض السنة للقانون

وبمجرد طرح مشروع «قانون الغدير» بادرت المرجعيات السياسية والدينية السنية، للإعلان عن رفضها لهذه الخطوة التي اعتبرتها مثيرة لمزيد من الخلافات الطائفية داخل المجتمع العراقي. فقد شدد المجمع الفقهي العراقي، وهو أكبر مرجعية للسنة في العراق، على ضرورة ابتعاد البرلمان عن تشريع أي قانون «يغذي الانقسام المجتمعي» في إشارة إلى عزم المجلس المضي بتشريع قانون «عطلة عيد الغدير» المثير للجدل.
وجاء ذلك، خلال استقبال كبير علماء المجمع، أحمد حسن الطه، رئيس لجنة الأوقاف والعشائر في البرلمان العراقي، النائب حسين اليساري، في 2/5/2024 حسب بيان المجمع. وأشاد الطه بجهود لجنة الأوقاف في «تعزيز التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي، والابتعاد عن تشريع أي قانون يغذي الانقسام المجتمعي، ويهدد الهوية الوطنية والقيم الأصيلة، لا سيما أن العراق يشهد استقراراً وازدهاراً نسبياً منذ سنوات». كما شدد الطه، على «أهمية الأوقاف بصفتها أمانة في أعناق الجميع، وينبغي الحفاظ عليها وتنميتها ومنع الاعتداء عليها، لتعزيز التكافل الاجتماعي».
وشملت حملة الرفض العديد من الأحزاب السنية، حيث حذر حزب متحدون بزعامة أسامة النجيفي، من ان «الشيعة» يحاولون فرض «سردية» تكفّر السُنة من خلال جعل «عيد الغدير» عيدا وطنيا، داعياً أعضاء مجلس النواب إلى مقاطعة أي جلسة تشرع ذلك. ودعا الحزب إلى «البحث عن نقاط اتفاق جديدة بدلا عن البحث في السرديات الطائفية عما يفرق أبناء الشعب الواحد، بل الأمر لا يقف عند هذا الحد وإنما يتجاوزه إذا ما شرع قانون عيد الغدير». وأوضح أن «عيد الغدير أو عيد الولاية وحسب السردية التي يعتنقها الفقه الشيعي، تكفر من لا يعتقد بذلك، وهذا يعني أن اعتماد سردية طائفية تكفر نصف الشعب العراقي أمر في غاية الخطورة، بل إنه ينسف الهوية الوطنية التي تجمعنا جميعا». وشدد البيان أنه «ليس من حق أحد أن يفرض قناعات طائفية على الآخرين، وينبغي أن تكون الدولة بعيدة كل البعد عن أي ميل طائفي يقوض الهوية الوطنية للعراقيين، ويضرب مبادئ الدستور باعتباره القانون الأعلى للبلد».
وبدوره أصدر حزب السيادة، الذي يترأسه خميس الخنجر، أكبر القوى البرلمانية السنية في العراق، بيانا حذّر فيه من «تحول النظام السياسي تدريجياً إلى نظام دولة ثيوقراطية». وأضاف البيان أنه «في الوقت الذي يتطلع فيه حزب السيادة إلى ترسيخ حالة الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي وتوثيق اللحمة الوطنية والعدالة الاجتماعية، وطي صفحة الاستقطاب والانقسام المذهبي والديني، والبدء بصفحة العدالة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد بدون تمييز وإقصاء وتهميش، نرى محاولات تشريع أعياد دينية لا تنال الإجماع الوطني بسبب الطبيعة التعددية الاجتماعية والمذهبية والدينية التي يعرف بها العراق».
وتابع البيان: «وهذا ما يثير المخاوف من تحول النظام السياسي تدريجياً إلى نظام دولة ثيوقراطية دينية بسبب هذه القوانين» معتبراً أن هذا الأمر «يخالف الدستور والقوانين النافذة». وأضاف البيان: «إننا في حزب السيادة إذ نحترم المدارس الدينية والمذهبية بمختلف مرجعياتها، لكننا نرفض فرضها على المجتمع العراقي المتعدد كتشريع ملزم» مقترحا أن «تتولى مجالس المحافظات تشريع القوانين ذات البعد الديني بما يتلاءم مع توجهات أبنائها».
وفي السياق ذاته كشف النائب السابق حيدر الملا في لقاء متلفز تابعته «القدس العربي» أن التيار الصدري وقف مع القوى السنية التي عارضت اعتبار يوم الغدير عطلة رسمية، وذلك عندما طرحته بعض القوى الشيعية خلال الدورة النيابية الثانية عام 2010. وتساءل الملا عن مبررات تغيير التيار الصدري موقفه ومطالبته الآن بجعل يوم الغدير عيدا وعطلة رسمية، مؤكدا ان ذلك يمس عقيدة ومشاعر 90 في المئة من المسلمين، داعيا الصدر لإعادة النظر في طلبه من البرلمان لكونه يثير الفتنة بين العراقيين.
أما النائب السابق والسياسي البارز مشعان الجبوري، فقد غرد على موقعه في تويتر قائلا: «محاولة تشريع قانون يجعل من عيد الغدير عطلة وطنية رسمية يعني عمليا تبني سردية دينية شيعية تتعلق بالإمامة – الولاية التي يكفر أغلب علماء الشيعة منكرها بشكل غير قابل للتأويل ولا وجود لها بالمطلق في السردية السنية. من حق الشيعة الاحتفال بعيد الغدير كما يشاؤون لكن تحويله إلى عيد وطني وفرضه حتى على من تكفرهم هذه السردية، وهم نصف الشعب العراقي سيؤدي إلى مشاكل وحساسيات الشعب في غنى عنها».

محاولات التغيير الديموغرافي

وفي شأن آخر ذو صلة استنكر شيوخ عشائر ووجهاء محافظة صلاح الدين في بيان قبل أيام، ما قام به الوقف الشيعي ودائرة طابو بلد بتحويل ملكية أراضي المزارعين في منطقة الاسحاقي إلى العتبة الكاظمية البالغ مساحتها أكثر من 100 دونم فضلا عن تحويل ملكية أكثر من 10 مقابر تبلغ مساحتها مئات الدونمات. وذكر البيان «أن جميع المقابر التي تم اغتصابها من قبل الوقف الشيعي والعتبة الكاظمية المقدسة هي أوقاف عامة تعود ملكيتها إلى أهل السنة منذ مئات السنين والقبور الموجودة فيها تعود إلى هذه العشائر ولا يوجد أي قبر فيها إلى أهلنا من الشيعة». وعد البيان ذلك «عملية تغيير ديموغرافي واضح، ما يعد تحولا خطيرا لا يمكن السكوت عليه لأنه يضر بالسلم المجتمعي». وطالب البيان، رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزيري العدل والزراعة ومجلس النواب ومحافظ صلاح الدين بـ«إلغاء هذه الإجراءات وإرجاع ملكية هذه الأراضي والمقابر إلى أصحابها الشرعيين».
وليس بعيدا عن هذا الحراك، تشهد بغداد هذه الأيام حملة طائفية جديدة للمطالبة برفع تمثال الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور باني مدينة بغداد. حيث تشن قنوات ومواقع تواصل اجتماعي، حملة تدعو إلى إزالة التمثال تحت مبررات منها كون المنصور هو المسؤول عن قتل أحد أئمة الشيعة، وفق الرواية الشيعية. ويقول مهدي العبودي المحلل السياسي التابع لميليشيا العصائب «هذا التشويه البصري للمجرم القاتل للنفس المحرمة التي حرم الله قتلها متى تزال؟»
ويذكر ان عدة محاولات جرت في أوقات سابقة لرفع هذا التمثال الموجود في منطقة المنصور ببغداد، كما تعرض للتفجير.
ومع اتفاق المراقبين وغالبية العراقيين على عدم وجود مبررات لطرح مشروع «الغدير» وباقي التحركات الطائفية المريبة، لكونها تثير قضايا خلافية عقائديا بين مكونات الشعب العراقي، فإن هؤلاء يرون أن هذه التحركات تنسف طروحات حكومة بغداد وتحركاتها دوليا، باستقرار المجتمع من أجل تشجيع الاستثمارات الخارجية في العراق. فيما يرى مراقبون آخرون أن بعض الفصائل والأحزاب والمرجعيات الشيعية اعتادت التحرك، لاتخاذ مواقف طائفية مثيرة للخلافات بين العراقيين، لاستقطاب قواعدها الجماهيرية عبر استغلال نفوذها الحالي على الحكومة والبرلمان، لفرض رؤيتها على المجتمع العراقي.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عمر علي:

    من الموءسف لقد استغل الشيعة الطائفيون جهل الرءيس المريكي جورج دبليو بوش وجاءوا إلى الحكم مع الدبابات الأمريكية والآن يريدون اعادة كتابة التاريخ الاسلامي. عندما كنت في العراق ساءلت اصدقائي الشيعة ؛ إذا كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد عين الامام علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين فلماذا بايع الامام علي كل من ابي بكر وعمر وعثمان؟ لماذا لم يقل آلاما علي بان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد عينه خليفة للمسلمين ؟ كفى استغلالاً للدين. الله يأمركم بأن تصلحوا في الحكم وتحاربوا الفساد. هل تعلمون ان العراق منذ بداية حكمكم اصبح في اسفل قاءمة الفساد التي تنشرها منظمات الشفافية الدولية ؟

اشترك في قائمتنا البريدية